مجلة وفاء wafaamagazine
كتب الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء “
ثمة رأي يقول بأن مسار المواجهة على الجبهة اللبنانية – الفلسطينية بين «حزب الله» وجيش الاحتلال الإسرائيلي بات ينذر بقرب مواجهة غير معلومة الضوابط لا بالوسائط النارية ولا بالحدود الجغرافية للمواجهة.
في المقابل ترى أوساط متابعة بأن ما يوحي به الاحتلال، تصريحا أو تلميحا، يعكس مدى أزمته العسكرية في غزة ورفح والارتباك الذي تعيشه المؤسستان العسكرية والسياسية؛ إذ تكشف التناقضات بالمواقف بين قادة الاحتلال عمق الفجوة والتباين في مقاربة جبهة الشمال الفلسطيني مع لبنان، وقد يكون التعويض الموهوم عن الإخفاق في الجبهة الفلسطينية غسل لماء الوجه على جبهة الشمال.
وما يؤكد نظرية الانقسام العمودي داخل الكيان هو إقدام الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس على إعلان استقالته وأعضاء حزبه من حكومة بنيامين نتنياهو، داعيا لإجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن، وتشكيل لجنة تحقيق وطنية، مشدّدا على ان النصر العسكري الذي يوهم نتنياهو الرأي العام به ليس كافيا، ولكن يجب الانتصار دبلوماسيا أيضا؛ والانتصار الحقيقي يكون بإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال. وأكد بأنه يجب التحقيق بالإخفاقات التي حصلت في أحداث 7 تشرين الأول. ورأى بان نتنياهو يحول دون تحقيق نصر حقيقي.
وإذا ما قرأنا بين الرأيين، المستبعد للحرب والمقرّ بحصولها، نستشف ان ما بات يُحكى عن قرع طبول الحرب بين إسرائيل ولبنان، بصورة أو بأخرى هو أمر مبالغ فيه، مع ان التهويل بالحرب يأخذ اتجاهات مرتبطة بواقع الميدان، وربما ما نسمعه هو الأكثر تركيزا على توسيع الحرب من أي وقت مضى.
وترى المصادر ان مسار الميدان والمسار السياسي والة الترويج الاعلامي، كلها ترتكز على التطورات الحاصلة على الأرض، حيث شهدت الجبهة المفتوحة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، وخاصة في الأسابيع والأيام المنصرمة ما يصحّ وصفه بالجولة الأعنف من التصعيد، مع بروز واضح لارتفاع وتيرة العمليات المتبادلة من القصف الإسرائيلي التي تستهدف العديد من المناطق، وكذلك العمليات التي ينفذها «حزب الله» ردّا على الاعتداءات، والتي يبدو أنّها انتقلت إلى مرحلة مختلفة، تستوجب قراءة معدّلة لاستتباع مسارها وافتراض نتائجها.
من هنا تستند جميع الاراء إلى ما تستقيه من تصعيد ميداني هو الأعنف كمّا ونوعا، وما يحمله من دلالات غير معزولة ومصحوبة بتهديدات هي الأقوى من نوعها منذ بدء العمليات العسكرية بين المقاومة وجيش الاحتلال، لا يمكن فصلها عن شعبوية يمارسها قادة الاحتلال لكنها تبعث، بلا شك، برسالة عن وجود معضلة حقيقية في الشمال الفلسطيني، حيث يقول الإسرائيليون أنفسهم إنّ قوة الردع تتآكل لدى الجيش، وهو ما أكدته الحرائق التي امتدت لأيام على طول الجبهة من برانيت الى كريات شمونة ومارغليوت وابل القمح وصولا الى الزاعورة في الجولان السوري المحتل.
وتصف المصادر المتابعة ان ما صدر عن ما يُسمّى الجناح الأكثر تطرفا في حكومة الكيان، وحصرا وزير الأمن القومي «إيتمار بن غفير» والمالية «بتسلئيل سموتريتش»، من مستوى عالٍ من التهديدات، تقاطع مع الدعوة لتوسيع الجبهة، أو فعل إنجاز ما يعيد ماء وجه الجيش الذي بذل في أرض المعركة. وما يعزز هذا الرأي هو احتمالات فتح جبهة التحريض على العنف والحرب، من غزة إلى لبنان مرورا بالضفة، واللافت أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» دخل بدوره على الخط، متوعّدا من كريات شمونة بـتحرّك قوي ضد لبنان.
وتقول المصادر إن المشهد على الجبهة اللبنانية أخذ في الأيام الأخيرة منعطفا جديدا، مغايراً لما سبقه عن كل المراحل؛ وإن بقي مضبوطا بقواعد اشتباك غير معلنة، لكنه يأتي ضمن سياسة التوسّع التدريجي للمواجهة ، التي لم تصل أقلّه حتى إلى مستوى المواجهة الواسعة والشاملة، علما أن ما يشهده الجنوب منذ الثامن من تشرين الأول هو بمثابة حرب حقيقية، بكل ما للكلمة من معنى، حتى وإن بدت محصورة إلى حد بعيد جغرافيا ولوجستيا، وتحكمها تطورات ميدانية هي في حالة تصعيد مطّرد يوما بعد آخر تسهم في تدعيمه الضربات التي تنفذها المقاومة من إسقاط المسيّرة التي وصفها الإسرائيليون بـ«الأكبر والأغلى»، وصولا إلى الحرائق التي تسببت بها على طول جبهة الشمال، والتي أشعرت الإسرائيليين بنوع من الخيبة وليس انتهاءً بتفعيل الدفعات الصاروخيّة الجوية للمقاومة وتصدّيها للطائرات الحربية التي كانت تخرق جدار الصوت فوق المناطق اللبنانية وإرغامها على الانكفاء الى داخل الأراضي الفلسطينية.
في المحصلة يبقى المشهد الميداني مترنّحا على وقع التطورات الميدانية المتصاعدة تدريجيا، بما يتناسب وأجواء المواجهة، ومع ان طبول توسيع الحرب باتت تقرع بقوة أكبر، إلّا ان الكلمة تبقى وكما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في أكثر من مناسبة، للميدان وضوابط الحرب أو الإفلات منها، تبقى في ملعب الاحتلال ونواياه العدوانية، ليُبنى على الشيء مقتضاه.