مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار” تقول:
لعلّها مفارقة لافتة في تاريخ التطورات والأحداث في لبنان أن تختلط على سطح واحد نماذج من التناقضات الهائلة بتزامن مدهش، فيعيش لبنان في لحظة واحدة وقائع “عرس سماوي” حاشد في بكركي فيما البلاد والمنطقة بأسرها تعيش العد العكسي لانفجار ما قد يكون حرباً إقليمية غير مسبوقة بخطورتها.
والحال أن المشهديّة المارونية المهيبة التي عاشتها مناطق الشمال الماروني ولا سيما منها إهدن مسقط رأس البطريرك “الأهدني” المطوب طوباوياً ليل أمس اسطفان الدويهي والكثير من الأنحاء اللبنانية بلوغاً الى مركز الثقل ونقطة التوهج الماروني، الصرح البطريركي للكنيسة المارونية في بكركي، هذه المشهدية شكلت حدثاً فريداً نادراً اكتسب دلالات وأبعاداً استثنائية للغاية تجاوزت البعد الديني الصرف على أهميته الروحانية والدينية القصوى في إرث تراكم القديسين في الكنيسة المارونية، الى أبعاد ودلالات وطنية لا يمكن تجاهلها خصوصاً في اللحظات المصيرية التي يجتازها لبنان. إذ إن المشهدية المارونية الحاشدة بالآلاف في بكركي، حيث أقيم القداس والاحتفال المهيب بإعلان طوباوية البطريرك الدويهي، أحد الرموز الكنسيين الكبار التاريخيين في تأسيس الرهبانية المارونية وتوسيع وتثبيت التراث الماروني وكذلك صاحب اليد الطولى والفضل الهائل في التأسيس للبنان الكبير والشهادة للبنان التعايش والانفتاح، هذه المشهدية المهيبة بدت وحدها الكفيلة باختراق لحظة حربية تظلّل لبنان وتبسط أخطارها على المنطقة مع بلوغ الاستنفار الحربي ذروته بين إسرائيل ودول “محور الممانعة” امتداداً من إيران الى العراق فاليمن فغزة فجنوب لبنان .
كان حدث ماروني استثنائي بكل المعايير، ولكنه اكتسب في ذروة أزمات لبنان والفراغ الرئاسي الذي يتمادى فيه أبعاداً وطنية بكل ما للكلمة من معنى بحيث بدت الطبقة السياسية هامشية تماماً حيال الحدث المهيب في بكركي وسط انهيار تام لكل معالم الصدقية السياسية في البلاد. وأما الحدث الماروني في بعده الديني والروحي فتمثل في انضمام الطوباوي الجديد الى مجموعة قديسي وطوباويّي الكنيسة المارونية الزاخرة بتراثها الروحي، من مار شربل الى القديسة رفقا ونعمة الله الحرديني واسطفان نعمة، والبطريرك المطوب هو أول بطريرك يطوّب على مذابح الكنيسة وهو من خلال مسيرة حياته وما بعدها، شكل عنواناً للصمود والمقاومة والتجذر بالأرض إضافة الى ثقافته الواسعة وفكره النيّر وروحانيته العميقة عمق وادي قنوبين. وقد شكل القداس الاحتفالي الحاشد الذي أقيم ليل أمس في بكركي برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومشاركة رئيس مجمع الدعاوى في الفاتيكان الكاردينال مارتشيللو سيميرارو الذي تلا رسالة التطويب من البابا فرنسيس وأعلنت فيه مراسم تطويب البطريرك الدويهي حدثاً لافتاً ومهيباً بتنظيمه.
العد العكسي
بالتزامن مع هذه اللحظة، بدأ العد العكسي للرد المتوقع من “حزب الله” وإيران وحلفائها الاخرين في اخر مراحله مبدئيا وفق كل المؤشرات لا سيما منها الاستنفار الحربي الواسع الذي أعلنته إسرائيل كما الأنباء عن حشد لقطع بحرية أميركية في المنطقة كما المعلومات عن إخلاءات مواقع لـ”حزب الله” في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى تحسباً للآتي من التطورات. وكشفت تقارير إعلامية أن “حزب الله” أخلى مواقع قيادات للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت وأشارت الى أن الحزب ينقل معدات عسكرية من الضاحية الجنوبية. بدوره، أعلن المرصد السوري أن الميليشيات الإيرانية أخلت مقرّاتها في البوكمال بدير الزور ورفعت حالَ التأهب، كما استدعت عناصرها من إجازاتهم. ولفت إلى أن هذه الميليشيات بدأت باستقدام أسلحة جديدة من العراق.
وفيما رفعت إسرائيل درجة الاستنفار العام الى ذروته، أفيد أن أعضاء من لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، حذروا في رسالة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من “التوغّل البري في لبنان وفقاً للخطة الحالية للجيش الإسرائيلي”، بحسب ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية. ونقلت عن أعضاء في الكنيست قولهم إنّ “خطة الجيش الحالية للتوغل البري إلى لبنان مغلوطة”. وقال نواب في الكنيست في رسالة موجّهة إلى نتنياهو: “نؤيّد التوغّل البري في لبنان من حيث المبدأ، لكنّ الخطة التي عُرِضت علينا ستؤدي إلى البلبلة وليس إلى الحسم”. واعتبر أعضاء من الكنيست أنّ “هذه الخطة قد تقود إسرائيل إلى فشل مأسوي له عواقب غير مسبوقة”، باعتبار أنّها “لم تُراعِ الأخطاء التي ارتكبت في العملية البرية في قطاع غزة”. وأشار الإعلام الإسرائيلي الى أن نتنياهو تلقى رسالة من نواب في الكنيست تؤيد التوغل براً في لبنان.
أما في الداخل اللبناني، وفي إطار الاتصالات لاستدراك التصعيد، عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في حضور وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، اجتماعاً في السرايا مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن وهم سفراء كل من الولايات المتحدة الاميركية، فرنسا، بريطانيا الصين وروسيا، وممثلي الدول الأعضاء غير الدائمين الموجودين في لبنان، وهم سفراء الجزائر، اليابان، سويسرا وكوريا الجنوبية. واكتفت المعلومات الرسمية بأنه “خلال الاجتماع تم تأكيد الثوابت اللبنانية في ما يتعلق بالوضع في المنطقة، واهمها تأكيد اولوية تطبيق قرارات الامم المتحدة ولا سيما القرار1701.”
وقام ميقاتي بزيارة لمقر قيادة الجيش في اليرزة لمناسبة عيد الجيش والقى كلمة امام الضباط اعتبر فيها أن “التطورات الإقليمية مقلقة وتُنذر بارتفاع منسوب الخطر”، مؤكدا “أنّ الرهان على الجيش يبقى الضمانة الأكيدة لوحدة الوطن ما يجعل الالتفاف حول المؤسسة العسكرية واجبا وطنيا جامعا”، لافتاً الى أن “الشغور الرئاسي ليس وحده ما ينغّص فرحة هذا اليوم الوطني إنّما الظروف التي يعيشها البلد وصولاً إلى العدوان على الضاحية”، مضيفا: “لا شيء يدلّ على أن الغطرسة الإسرائيلية ستتوقف ومصرّون على حقنا في الدفاع عن أرضنا وسيادتنا ولن نتردّد في ذلك مهما غلت التضحيات”.