مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
على موعدٍ ووعد بفجر سياسي جديد متغيّر تشرق شمسه في 9 كانون الثاني (يناير) 2025 من خلال ملء شغور استمر سنتين وشهرين في رئاسة الجمهورية، يطوي اللبنانيون منتصف هذا الليل سنة 2024 التي حملت اليهم حرباً كانت الأشرس في تاريخ الحروب الإسرائيلية وغيرها على أرض لبنان ويستقبلون سنة 2025 بآمال عريضة ووعود وردية. والحال أن كوارث السنة الآفلة لم تترك للبنانيين أي مجال إلا للرهان على أي تبديل ولو نسبي في الأسر السياسي والمؤسساتي الذي أطبق عليهم أولاً وحوّل السنة الراحلة إلى هدر زمني إضافي واستكمال قسري للفراغ، وما لم يتكفل به الفراغ أنجزه “حزب الله” بزجه للبنان في حرب متدحرجة مع إسرائيل، ما لبثت في الأشهر الأخيرة من السنة أن تحولت إلى أسوأ حرب تدميرية شنتها الدولة العبرية على لبنان ونالت من الحزب نفسه أقسى الخسائر البشرية والعسكرية والهيكلية التي أصابته منذ تأسيسه.
وإذ تطل السنة الجديدة على خلفية حدث تاريخي تمثل بسقوط النظام السوري وتقطع أوصال “محور الممانعة” بعد الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وسقوط نظام بشار الأسد، يحل موعد 9 كانون الثاني (يناير) لانتخاب رئيس الجمهورية وسط معطيات وانطباعات شديدة التناقض والغموض حيال الاحتمالات التي قد تشهدها هذه المحطة المفترض أن تكون حاسمة في انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية، وإطلاق دورة إنهاض لبنان من سلسلة طويلة من الكوارث التي طاردته منذ سنوات وتوّجت بالفراغ المديد قبل أن ينفجر لبنان بالحرب الأخيرة. وينظر إلى موعد 9 كانون الثاني على أنه رأس جبل الجليد في استكشاف ما إذا كانت الطبقة السياسية اللبنانية ستستجيب للحاجات الملحة للبنان للانتقال إلى مرحلة تغيير كبيرة وحتى جذرية، لأنه في الحال المعاكسة ستكون الخيبة ضخمة وترتب على لبنان تهميشاً دولياً خطيراً لا يحتمله البلد فيما هو لا يزال في صراع حاد خطير مع إسرائيل حيال الوقائع المعقدة لتثبيت تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي سيعود عرّابه الأساسي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت الأسبوع المقبل للمرة الأخيرة قبل انتهاء ولاية الإدارة الأميركية الحالية في 20 كانون الثاني المقبل من أجل محاولة منع تفلت الأمور ميدانياً مجدداً بما يشكله ذلك من خطر اشتعال مجدّد للحرب وانهيار الاتفاق المرعي أميركيا. ولذا تكتسب الحركة الديبلوماسية الكثيفة دلالات بارزة للغاية، إذ يبدو واضحاً أن المجتمع الدولي الممثل على نحو خاص بممثلي وموفدي مجموعة الدول الخماسية، الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، يستشعر الضرورة الملحة لممارسة ضغوطه على القوى اللبنانية وحضّها على عدم هدر فرصة 9 كانون الثاني والتزام الأصول الدستورية بحذافيرها لضمان انتخاب رئيس للجمهورية بلا مزيد من التأخير. وبات شبه محسوم أن المجموعة الخماسية وإن كانت تميل إلى تفضيل انتخاب رئيس توافقي بأكبر أكثرية نيابية ممكنة إلا أنها ستؤيد بلا تحفظ أي رئيس ينتخب في سياق الدورات المفتوحة التي يرجح أن تشهدها الجلسة إذا تعذّر تأمين أكثرية الثلثين لأي مرشح في الدورة الأولى.
حركة الموفدين
وسط هذه المناخات ستنشط الحركة الرئاسية في الكواليس ولن تتاثر بعطلة رأس السنة في حين يُرتقب أن يزور وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بيروت السبت المقبل في زيارة لافتة تتناول ملفي الرئاسة وتداعيات الحرب، على أن يسبقه قبل يومين، مستشاره للشؤون اللبنانية يزيد بن محمد آل فرحان. ويليه مطلع الأسبوع المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، كما يتردد أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان قد يحضر جلسة 9 كانون الثاني. وأمس وصل وزيرا الدفاع والخارجية الفرنسيان سيباستيان لوكورنو وجان نويل بارو لتمضية العطلة مع الكتيبة الفرنسية العاملة في اليونيفيل، وتستمر زيارتهما حتى غد الأربعاء.
وسيعقد الوزيران ثلاثة اجتماعات مع قائد الجيش العماد جوزف عون وممثل فرنسا في “آلية مراقبة وقف إطلاق النار في لبنان” الجنرال غيوم بونشين، وقائد قطاع جنوب الليطاني العميد غابي لاوندوس. وقبل ليلة رأس السنة، سيحضر الوزيران، في مخيم دير كيفا، انطلاق دورية مشتركة لآليات مدرعة من اليونيفيل والجيش اللبناني، فضلاً عن تقديم سرب استطلاع ومجموعة نقل وبطارية كوبرا. وسيحضر الوزيران مراسم إحياء ذكرى أحد جنود حفظ السلام الفرنسيين الذي توفي يوم الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، خلال تعرض دورية لـ”اليونيفيل” لحادث سير على الطريق الساحلي، بالقرب من بلدة شمع.
في التحركات الرئاسية برز إلى الواجهة الوزير السابق جهاد أزعور الذي تردد اسمه مجدداً، إذ زار أمس بكركي والتقى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي واكتفى بالقول لدى مغادرته، “زيارة معايدة وأنا ما بحكي سياسة ببكركي”.
ترشيح جعجع؟
وفي وقت تكثفت الإشارات والمواقف الصادرة عن نواب في “كتلة الجمهورية القوية” أو حلفاؤها حيال ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، علم أن الكتلة ستجتمع قبل أيام قليلة من موعد 9 كانون الثاني وتحسم موضوع الترشح من عدمه. وفي هذا الوقت واصل جعجع حملته على “المنظومة الممانعة” وقال في احتفال قواتي: “إن المنظومة لعينة ولعينة جداً، وهي لا تزال متماسكة، وإذا ما أردنا توصيفها اليوم، فهي كمثل أناس في الصحراء على شفير الموت يتمسكون بالحياة بكل قوتهم، هذه هي طبيعة المنظومة”.
ولفت إلى أن “المنظومة تتألف من جماعة “الممانعة”، بالإضافة إلى “التيار الوطني الحر”، فهؤلاء هم المنظومة الفعليّة، والأعضاء الدائمون فيها والقرار النهائي فيها يبقى دائمًا في يدهم”. وقال: “علينا أن نواصل المسيرة حتى النهاية. البعض اعتقد أنه مع اتفاق وقف اطلاق النار وسقوط نظام الأسد، انتهى كل شيء. ولكن الحقيقة هي أن ذلك كان نهاية السلبيات لا اكثر، ولكنه في الوقت عينه البداية للإيجابيات. فالآن يمكننا القول إن الأرض الوعرة تمت تسويتها بالشكل المطلوب للبناء عليها، ولكن البناء يتطلب جهداً كبيراً وسعياً، باعتبار أن المنظومة لا تزال موجودة كخفافيش الليل، تعمل في الظلام، وتحاول في شتى السبل والطرق أن تجد وسائل للحفاظ على مواقعها في الدولة. ولكننا لهم بالمرصاد. لن نسمح لهم بالحفاظ على أي موقع في الدولة”.