
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة الجمهورية تقول:
ما خلا الاستحقاق البلدي والاختياري الذي ينطلق عملياً في جبل لبنان بعد ثلاثة أيام، تبقى سائر الاستحقاقات والتحدّيات الأخرى في دائرة انتظار اكتمال ظروف وعوامل تنفيذها على أرض الواقع، ولاسيما الإستحقاق الإصلاحي الموعود، المرتبط بهمّة الحكومة لإنجاز ما هو مطلوب منها من خطوات وإجراءات في هذا المجال، وخصوصاً على صعيد التعيينات التي بات ملحّاً الإفراج عنها بصورة عاجلة، وربطاً بها إعادة الانتظام المالي وهيكلة القطاع المصرفي على النحو الذي يعيد بث الحياة في شرايين البلد الاقتصادية والمالية، ويضمن بشكل أساسي إعادة اموال المودعين إلى أصحابها، ويوفر الأرضية الملائمة لمساعدات خارجية عربية ودولية للبنان، تمكّنه من النهوض من أزمته، وتخفف عنه عبء الأكلاف الكبيرة لإعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي.
المعوّل عليه في هذا السياق، هي الزيارات الخارجية لرئيس الجمهورية جوزاف عون، في أن تشكّل فرصة لفتح باب المساعدات. وفي سياقها تندرج زيارته أمس، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ولقاؤه رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تليها زيارة إلى الكويت بعد أيام تلبية لدعوة رسمية تلقّاها من أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح. وضمن هذا السياق ايضاً، تبرز إشارات متتالية ترد إلى مسؤولين كبار من دول خليجية، قالت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» إنّ مضامينها إيجابية وواعدة، تعبّر عن الاستعداد بتقديم المساعدات في مجال إعادة الإعمار، وفي سياقها زيارة مرتقبة خلال الاسبوع المقبل لوفد خليجي الى بيروت.
عون وبن زايد
ولوحظت حفاوة الاستقبال بالرئيس عون في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عقد قمة مع رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد في قصر الشاطئ، في حضور الوفد المرافق والمسؤولين الإماراتيين، فيما رحّب بن زايد بالرئيس عون، قائلاً: «اهلاً بك بين أهلك، وانّها فرحة كبيرة أن نراكم هنا، ونرى لبنان في ظل قيادته الوطنية وقد استعاد حياته الطبيعية ووحدته وتضامن جميع أبنائه».
وشكر الرئيس عون، دولة الإمارات على استضافة 190 الف لبناني، كما شكر الشيخ محمد بن زايد على تجاوبه في إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في لبنان، وقال: «انّ لبنان يمرّ بظروف صعبة، ولكن الدولة بدأت تستعيد اليوم حضورها وقدرتها وسيادتها والوضع يتغيّر، وكل مكونات الدولة تتعاون من أجل مستقبل لبنان».
وأضاف: «الماضي أصبح وراءنا ونتذكره فقط لأخذ العِبَر منه»، وشدّد على أنّ «المنطقة العربية هي جسم واحد، تتأثر كلها إذا ما مرض عضو فيها». وتابع الرئيس عون: «نحن عازمون على المضي في نهضة لبنان وتقدّمه، ونتطلع إلى رؤية اخوتنا الإماراتيين في ربوع لبنان من جديد».
واستُكمل البحث في لقاء ثنائي بين الرئيسين استمر لنصف ساعة. وبحسب معلومات رسمية إماراتية، فإنّ الرئيسين بحثا مختلف جوانب العلاقات الأخوية وسبل تنمية التعاون والعمل المشترك لمصلحة البلدين وشعبيهما الشقيقين. ورحّب صاحب السمو بالرئيس الضيف، متمنياً له التوفيق في قيادة لبنان الشقيق إلى كل ما يحقق الاستقرار والتنمية والازدهار لشعبه، وأن يعود لبنان إلى موقعه المهمّ في محيطه العربي والإقليمي والعالمي. كما استعرض الجانبان عدداً من القضايا والملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وتبادلا وجهات النظر بشأنها.. مؤكّدين ضرورة العمل من أجل تعزيز أسباب الاستقرار والسلام في المنطقة لمصلحة جميع شعوبها.
أضافت المعلومات، وأكّد الشيخ محمد بن زايد خلال اللقاء، أنّ العلاقات بين دولة الإمارات ولبنان تاريخية وتجمع الشعبين الإماراتي واللبناني روابط المحبة والتقدير والاحترام المتبادل، مشيراً إلى أنّ «إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في بيروت تجسّد التزام الإمارات بدعم لبنان والتطلّع نحو مرحلة جديدة من العلاقات المثمرة بين البلدين»، وشدّد على موقف دولة الإمارات الداعم لتعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية ودورها في حفظ السيادة والأمن والاستقرار في البلاد، إضافة إلى دعم وحدة لبنان وسلامة أراضيه. وأشارت إلى أنّ الرئيس عون عبّر عن شكره للشيخ بن زايد لحفاوة الاستقبال، وتقديره موقف سموه الداعم والمساند للبنان، مؤكّداً الحرص على تعزيز علاقات لبنان مع الإمارات في مختلف المجالات لما فيه الخير لشعبيهما.
وكان الرئيس عون قد أكّد في حديث لـ«سكاي نيوز عربية» انّ «القرار اتُخذ بخصوص حصر السلاح، ولم يبق الّا المعالجة والتطبيق على أرض الواقع»، وقال: «سحب السلاح سيُطبّق على كل الأراضي اللبنانية ولكن الأولوية للجنوب»، مضيفاً: «إننا متفقون مع الرئيس بري بشأن موضوع سحب سلاح «حزب الله»، والجيش اللبناني يقوم بواجبه من دون أي اعتراض او مشكلات». واشارإلى أنّ «المعلومة عن انّ «حزب الله» رفض دخول الجيش لتفتيش أحد المواقع في الضاحية غير صحيحة».
رئاسة جديدة
وفي موازاة تلك الاستحقاقات، يبقى أكثر التحدّيات خطورة، المرتبط بأمن الجنوب، وربطاً به أمن كل لبنان، في ظلّ تمادي إسرائيل في اعتداءاتها، وتفلّتها من اتفاق وقف إطلاق النار، واستباحتها للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً. وعلى ما تبدّى في الساعات الماضية، فإنّ ثمّة فرصة جديدة لمحاولة ضبط الأمور، مع إعادة إحياء لجنة مراقبة وقف إطلاق النار برئاسة أميركية جديدة.
فبعد انكفاء عن مهمّتها، أعقب طرح تشكيل اللجان الديبلوماسية الثلاث حول الحدود والأسرى والنقاط الخمس، أُعيد بث الروح في لجنة المراقبة باستبدال رئيسها الجنرال جاسبر جيفرز، برئيس جديد هو الجنرال مايكل ليني، وسط تأكيدات مصادر رفيعة لـ«الجمهورية»، «أنّها رافقت انتقال اللجنة إلى رئاسة جديدة بمواكبة حثيثة لاتفاق وقف اطلاق النار، والتزام كل الأطراف بمندرجاته، وسريانه بما يوفر الأمن والإستقرار خصوصاً على جانبي الحدود». ورئيس اللجنة، كما نقلت تلك المصادر «عَكَس حرصاً على إنفاذ المهمّة المنوطة باللجنة، وتوجّهاً جدّياً لإبقائها حاضرة بشكل دائم على خط المتابعة الحثيثة للتطورات، ومعالجة أي خروقات تحصل».
الرئيس الجديد للجنة المراقبة، قام بالأمس برفقة رئيسها السابق بزيارات تعارفية لرئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام وقائد الجيش رودولف هيكل.
وشدّد رئيس الجمهورية للجنرال ليني على ضرورة تفعيل عمل اللجنة ومواصلة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والانسحاب من التلال التي تحتلها وإعادة الأسرى اللبنانيين. كما اكّد «انّ الجيش يقوم بمهامه كاملة في الجنوب، لاسيما في منطقة جنوب الليطاني، حيث يواصل عمليات مصادرة الأسلحة والذخائر وإزالة المظاهر المسلحة»، لافتاً إلى «انّ ما يعوق استكمال انتشاره هو استمرار الاحتلال للتلال الخمس ومواصلة الاعتداءات الإسرائيلية».
بري: أنجزنا المطلوب
وأما الرئيس بري فلفت إلى «التمادي الإسرائيلي في الإعتداءات والخروقات بشكل يومي، في حين أنّ لبنان التزم بكافة ما هو مطلوب منه، فيما الجانب الإسرائيلي غير ملتزم بوقف إطلاق النار ولم يُنجز الإنسحاب المطلوب منه من الأراضي التي لا يزال يحتلها في الجنوب». وأكّد «أنّ التمادي الإسرائيلي في عدوانه وخروقاته إنما يصيب مسيرة تعافي الدولة استقراراً وإصلاحاً وسيادة»، مطالباً الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على إلزام إسرائيل بتنفيذ الإتفاق فوراً والرامي إلى تطبيق القرار 1701.
وبدوره اكّد الجنرال ليني على أنّ اللجنة ستبدأ اجتماعات دورية دائمة لمتابعة الوضع.
سلام لانسحاب اسرائيل
أما الرئيس سلام فأكّد «أنّ لبنان يلتزم بالاتفاق. وشدّد على «ضرورة التزام إسرائيل بوقف خروقاتها للاتفاق، ووقف الاعتداءات التي تطال مختلف المناطق»، مؤكّداً ضرورة انسحابها الكامل من كل الأراضي والتلال التي تحتلها. كما طالب بضرورة إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين.
بيان السفارة
وحول هذا الموضوع أصدرت السفارة الأميركية بياناً قالت فيه «انّ رئيس لجنة آلية تنفيذ وقف الأعمال العدائية الجنرال جاسبر جيفرز، اجتمع مع القيادة اللبنانية وقيادة «اليونيفيل» في بيروت، برفقة الجنرال مايكل ليني، الذي انضمّ إلى اللجنة كقائد عسكري أميركي رفيع بدوام كامل في بيروت، لمواصلة العلاقة القوية بين الجيشين اللبناني والأميركي». وقال: «أنا ممتنٌّ لفرصة المشاركة في هذه المهمّة التي هي على هذا القدر من الأهمية، ومتفائلٌ جدًا بالمستقبل. الجيش اللبناني معروفٌ بكونه قوة فعّالة، وقد أظهرت لقاءاتي مدى التزامه بضمان السلام والاستقرار».
أضاف بيان السفارة: «سوف يعمل الجنرال ليني بشكل وثيق مع الجيش اللبناني و«اليونيفيل» وفرنسا واللجنة الفنية العسكرية للبنان، لتمكين الجيش اللبناني من توفير الأمن وحماية السيادة اللبنانية بشكل كامل. وإدراكاً لأهمية وقف الأعمال العدائية، سوف يبقى الجنرال جيفرز مهتمًا بلبنان فيما يقوم بدوره كقائد لقوات العمليات الخاصة الأميركية في بلاد الشام والخليج العربي وآسيا الوسطى».
تحذير من مخاطر
إلى ذلك، أجمعت مختلف الأوساط على أهمية إعادة إحياء لجنة المراقبة، وفي هذا الإطار أكّدت أجواء عين التينة لـ«الجمهورية»، انّ «العبرة تبقى دائماً في أن تنّفذ اللجنة مهمّتها وما هو مطلوب على النحو الذي يرسّخ اتفاق اطلاق النار ويُلزم إسرائيل بوقف اعتداءاتها، لا أن يتمّ التعاطي مع هذا الامر بمنطق التجاهل والتعامي والغياب الدائم عن هذه الاعتداءات».
وفي الإطار نفسه، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» عمّا إذا كان متفائلاً بمهمّة اللجنة في المرحلة المقبلة، قال مسؤول كبير: «ليس المهمّ أن نسمع كلاماً طيباً، المهمّ هو الأفعال على الارض، وهو ما لم نلمسه طيلة الفترة السابقة، ومن هنا لا استطيع أن استبشر خيراً قبل أن نلمس خطوات حقيقية وجدّية على أرض الواقع، نتثبت من خلالها انّ اللجنة تقوم فعلاً بما هو مطلوب منها، وخصوصاً مع الجانب الإسرائيلي، حيث كما هو معلوم لدى الجميع في الداخل والخارج ولدى اللجنة ايضاً، انّ لبنان وفى بكل التزاماته، ولم يحصل أي خرق للاتفاق من جانبه وتحديداً من «حزب الله».
الّا انّ المسؤول عينه استدرك قائلاً: «لا اقول هنا إنّ نجاح مهمّة لجنة المراقبة متوقف على اللجنة حصراً، بل على الدول الراعية لها، والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، التي بيدها إنْ ارادت، أن تُلزم إسرائيل بوقف العدوان، وما لم يحصل ذلك أخشى ان تكون لجنة المراقبة مجرّد لزوم ما لا يلزم».
وفي توصيفه للوضع الراهن قال: «طالما انّ إسرائيل متفلتة ولا رادع لها، وطالما استمر غياب الضمانات الحقيقية لحماية اتفاق وقف إطلاق النار، فإنّ الوضع لا يطمئن، ويُخشى ان ينزلق إلى انفجار كبير».