
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت ” اللواء” :
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضيفه بنيامين نتنياهو في ٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٥ بأنه سيجري محادثات مباشرة مع إيران حول الملف النووي. وبالفعل، عُقدت خمس جولات تفاوضية بين روما ومسقط بدءاً من ١٢ نيسان/أبريل نجحت في كسر الجليد ولعب خلالها الوسيط العُماني دوراً في تقريب وجهات النظر من دون تحقيق تقدّم ملموس حتى الآن.
في ٣١ أيار/مايو وصل وزير خارجية عُمان بدر البوسعيدي إلى طهران ونقل إلى القيادة الإيرانية رسالة من المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف تتضمن اقتراحاً أميركياً من أربع نقاط:
١- إنشاء اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم تشارك فيه إيران والولايات المتحدة تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية من أجل تنفيذ أنشطة تخصيب اليورانيوم لأهداف سلمية بحيث يكون مماثلاً لشركة يورينكو (Urenco Group) للوقود النووي التي تدير العديد من محطات تخصيب اليورانيوم في ألمانيا، هولندا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وهي تمدّ محطات الطاقة النووية بالوقود النووي في 15 بلداً.
٢- تعترف الولايات المتحدة بحق إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة ٣٪ ولمدة سنة فقط على أن تستعمل وسائل غير متطورة في عملية التخصيب وتستبعد المعدات الحديثة التي تستخدمها إيران حالياً تمهيداً لوقف العمل فيها.
٣- تطلب الولايات المتحدة من إيران تعليق أنشطة التخصيب وليس تفكيكها وهذا يعني تعليق العمل بها فقط. وكانت إيران قد وافقت في العام ٢٠٠٤ على تعليق أنشطة التخصيب في عهد الرئيس محمد خاتمي في سياق مسار تفاوضي مع الاتحاد الأوروبي في حينه، إلا أنه تعذر التوصل إلى اتفاق وقتذاك.
٤- لإيران الحق في عدم التوقيع على وثيقة تفاوضية لا تتضمن ذكر حق إيران في تخصيب اليورانيوم، وهذا يعني وجود الحق مع تعليق النشاط. واللافت للانتباه أن هذا العرض يشوبه الغموض في نقاط والتفسير حمّال الأوجه في نقاط أخرى، كما أنه لم يتضمن عرضاً واضحاً ومحدداً في قضية رفع العقوبات عن إيران. وحسب وزارة الخارجية الإيرانية، أنجزت الدوائر الإيرانية المعنية الرد على الرسالة الأميركية وسيتم تسليمه في غضون ساعات إلى الأميركيين عن طريق الوسيط العُماني.. وتردد أن طهران وافقت على فكرة إنشاء مجمع إقليمي لتخصيب اليورانيوم على أن يكون في داخل إيران ويضم دولاً مجاورة مثل السعودية والإمارات. وحسب موقع «إكسيوس» قد يتم تحديد موعد جولة تفاوضية سادسة قريباً إما في أوسلو أو في مسقط.
من يُقرّر إيرانياً؟
الجهات الإيرانية التي تُعطي رأيها في الاقتراحات الأميركية هي:
١- وزارة الخارجية التي تتولى التفاوض مع الأميركيين ومع جهات أخرى مؤثرة في المفاوضات.
٢- لجنة مشكّلة من مكتب المرشد السيد علي الخامنئي برئاسة علي شمخاني، الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي ومستشار المرشد وتضم شخصيات لها علاقة بملف المفاوضات ولديها خبرة منذ ثلاثة عقود.
٣- مجلس الأمن القومي الذي يرأسه الرئيس مسعود بزشكيان ويضم كبار المسؤولين الأمنيين وأمينه العام الحالي هو علي أكبر أحمديان.
٤- أياً كانت الجهة التي تفاوض أو تُدير، فإن القرار النهائي في هذا الملف يعود لخامنئي.
من يُقرّر أميركياً؟
يقوّد التفاوض عن الجانب الأميركي المبعوث الخاص ستيف ويتكوف ويضم فريقه الديبلوماسي عدداً من الخبراء أبرزهم مايكل أنطون (ترأس إحدى الجلسات ذات الطابع التقني بغياب ويتكوف). ويلاحظ عدم إعطاء دور للبيروقراطية الأميركية المتمثلة بوزارة الخارجية والمجموعة الاستخبارية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي وبذلك تكون قناة الاتصال مباشرة بين ويتكوف ورئيسه ترامب، وهذا الوضع غير مسبوق في الإدارة الأميركية.
ما هو سقف الموقف الأميركي؟ وضع ترامب هدفا هو منع إيران من حيازة السلاح النووي وصفر تخصيب يورانيوم، وتسليم اليورانيوم المخصب منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام ٢٠١٨ ويبلغ حسب التسريبات ٤٠٨ كلغ من اليورانيوم المخصب بدرجة ٦٠٪ وتفكيك منشآت التخصيب والتخلص من قضبان الطرد المركزي التي تردد أن عددها يبلغ ٢٠ ألفاً من نوعية متقدمة عن تلك التي كانت موجودة أثناء توقيع اتفاق العام ٢٠١٥ وباستطاعتها تخصيب ٥٠ كلغ شهرياً بالإضافة إلى نحو ألف كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة ٢٠٪.
ما هو سقف الموقف الإيراني؟ – إيران تريد رفعاً لكامل العقوبات الأميركية باعتبار أن الأمم المتحدة رفعت العقوبات عنها عند توقيع الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ شريطة أن تلتزم ببنود الاتفاق.
– تريد إيران السماح بالتخصيب بنسبة معينة تبلغ نحو ٣,٦٧ ٪ حسب اتفاق العام ٢٠١٥، وهي نسبة متعارف عليها للاستعمال السلمي (توليد طاقة كهربائية وتحلية مياه البحار) ومستعدة للبحث في سبل التخلص من الكميات المخصبة بنسب عالية عبر تسليمها إلى بلد ثالث (سلّمت كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة ٢٠٪ إلى روسيا عام ٢٠١٥). وكانت إيران اعتبارا من عام ٢٠١٨، أي منذ إنسحاب أميركا من الاتفاق النووي، قد طوّرت تخصيب اليورانيوم حتى بلغت نسبة ٦٠٪.
– ترفض إيران «النموذج الليبي» (تدمير كامل البرنامج) وتُصر على الاحتفاظ بمنشآتها النووية وقدرتها على التخصيب.
– يحظى المشروع النووي الإيراني بتأييد شعبي واسع من مختلف الاتجاهات السياسية في البلاد، ولا يمكن لأي حكومة أن توافق على اتفاق يؤدي إلى تفكيك هذا المشروع، وثمة من يُردّد أن المس بهذا البرنامج يساوي المس بالنظام السياسي في إيران.
ألغام الوكالة الدولية للطاقة
خلال افتتاح أعمال مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الملتئم حالياً، قال مدير الوكالة رافائيل غروسي إن تزايد مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب والأسئلة العالقة حول برنامجها «لا تزال قضايا خطيرة»، مشيراً إلى أن الوكالة «لن تكون في وضع يسمح لها بالتأكيد أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصرياً ما لم تُساعد إيران الوكالة في حل قضايا الضمانات العالقة». وفي الأول من حزيران/يونيو الجاري، أي قبل أسبوع واحد من اجتماع مجلس المحافظين الذي يضم 35 دولة بينها أميركا، فرنسا، روسيا وبريطانيا، أصدر غروسي تقريراً حول نشاطات إيران النووية تضمن إشارة إلى أنه «بينما تواصل إيران تعاونها في مجال تطبيق اتفاقات الضمانات المعمول بها، فإن تعاونها مع الوكالة في بعض المجالات كان أقل من المستوى المنشود»، وقال إن إيران لا تعطي إيضاحات حول المواد النووية «التي عُثِر عليها في المواقع غير المعلنة» (ثلاثة مواقع). وأضاف أن طهران «إما أنها لم ترد، أو أنها قدّمت إجابات غير مقبولة، وقامت بتطهير المواقع ذات الصلة، وهو ما أربك عملية التحقق التي تقوم بها الوكالة». وهذا المناخ يشي بأن مجلس المحافظين قد يُقرّر بناء على تقرير غروسي، وبدعم من بريطانيا وفرنسا والمانيا التي وجدت نفسها خارج المفاوضات خلافا لما كانت عليه قبل عام ٢٠١٥، اعتماد آلية «سناب باك» (كبح الزناد) المذكورة في اتفاق العام ٢٠١٥، أي إعلان عدم التزام إيران بالاتفاق وإعادة العقوبات المفروضة عليها عام ٢٠٠٦ والتي رفعت عام ٢٠١٥ وهذا في حال حصوله يطيح بالمفاوضات النووية ويعيد الأمور إلى المربع الأول. يتطلب اعتماد آلية «سناب باك» (كبح الزناد) تصويت الولايات المتحدة في مجلس المحافظين بإحالة إيران إلى مجلس الأمن وأيضاً عدم ممارسة حق «الفيتو» من قبل الصين وروسيا. يُذكر أنه في العام ٢٠٠٦ عندما فُرضت العقوبات على إيران اكتفت روسيا والصين بالامتناع عن التصويت فهل تستخدم حق «الفيتو» هذه السنة في ضوء تغيّر موازين قوى ومعادلات إقليمية ودولية؟ وتردد أن وزير خارجية إيران عباس عراقجي الذي التقى غروسي في القاهرة مؤخراً، عاتبه على التقرير الذي يُظهر عدم التزام إيران بتعهداتها وأن غروسي أجابه أنه لم يذكر عبارة (noncompliance) وردّ عراقجي أن المضمون يُشير إلى ذلك. وثمة معلومات أن غروسي يطمح لتسلم منصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش. فهل قرّر غروسي تسييس عمله التقني سعياً وراء طموحاته الشخصية؟