
مجلة وفاء wafaamagazine
EDDIE منصة تعليم ذكية تصغي لفضول الطفل، وتقدّم تجربة شخصية تحترم خصوصيته وإيقاعه.
ليست التكنولوجيا ما يغيّر مستقبل التعليم، بل طريقة صوغها على مقاس الطفل: اهتمامه وطريقته وإيقاعه الخاص. من هذا الفهم، انطلقت في ولاية أريزونا الأميركية مبادرة EDDIE لمنح كل طفل معلّماً شخصياً لا يملّ من الأسئلة التي تُطرح عليه، يتكلّم بلغة فضوله، ويُعيد الشرح بصبر لا حدود له.
نقترب من هذه المبادرة التعليمية الطموحة من خلال تجربة جو دي دوناتو (Joe DiDonato)، رائد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي من منطقة فينيكس الكبرى بولاية أريزونا، ومبتكر التقنية التعليمية التي تسعى إلى إحداث تحول جذريّ في مفهوم التعليم الشخصي.
يقول دي دوناتو لـ”النهار” إن كل طفل يستحق تجربة تعليم تناسبه تماماً؛ ولهذا صُمّم هذا المعلِّم الذكيّ ليحاكي فعالية التعليم الفردي، الذي وصفه التربوي بنجامين بلوم، والذي يمكن أن يجعل الطالب يتفوق على 98% من أقرانه في الصفوف التقليدية. لكن التعليم الفرديّ مكلف وغير قابل للتوسعة، وهنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي.
الأداة تطرح تحدّياً مباشراً للنموذج التقليدي للتعليم، الذي يتحرّك -في أغلب الأحيان- بسرعة تفوق فهم بعض الطلاب، وببطء يُصيب آخرين بالملل. يعلّق دي دوناتو قائلاً لـ”النهار”: “هذه المنصة بُنيت لتغيّر هذا النمط، لتتحرك مع الطفل، لا مع التقويم”.
يضيف: “ما يميّز التجربة أنها لا تتطلّب حسابات أو تسجيل دخول أو مشاركة بيانات، بل تبدأ ببساطة من حيث يكون الطفل: في مهارته، وفي اهتمامه. تطرح عليه الأسئلة، تصغي إليه، تبسّط المحتوى أو تعمّقه حسب الحاجة، وتعيد الشرح كلّما لزم الأمر”.
يعتمد هذا النظام على أربع ركائز رئيسية في تخصيص التعلّم. الأولى هي الاهتمام الشخصي: المنصة تبدأ بسؤال الطفل عمّا يحب، سواء أكان الديناصورات أو كرة القدم أو الفضاء، وتقوم بدمج تلك الاهتمامات داخل كل درس لتجعل من التعلّم مغامرة فريدة؛ الثانية هي القدرة على التكيّف اللحظي، حيث يجري استخدام مستوى الطفل الدراسي والعمر لتحديد أسلوب التواصل، وتعديل الصعوبة في الوقت الفعلي، سواء بالتبسيط أو بالتحدّي الإضافي، وفق استجابته.
الركيزة الثالثة هي الدعم المرحلي، إذ يُمنح المتعلّم ما يكفي من التوجيه من دون أن تُقدَّم له الإجابة مباشرة، ما يشجّعه على تنمية ثقته وتطوير تفكيره النقدي. ومع التقدّم، تبدأ المنصّة بتخفيف المساعدة تدريجياً. رابعاً وأخيراً، هناك التحفيز القائم على الاعتراف، من خلال شارات ونجوم وشهادات تقدير تُمنح بحسب المرحلة العمرية، وتُخزّن محليًا على الجهاز لحماية الخصوصية.
لا تُشبه هذه التقنية التعليمية أدوات الذكاء الاصطناعي الشائعة، فهي لا تجمع بيانات، ولا تعرض إعلانات، ولا تطلب من الطفل أيّ معلومات شخصيّة. والأهمّ من ذلك أنّها تلتزم المعايير العالمية لحماية خصوصية الأطفال، منها قانون حماية خصوصية الأطفال على الإنترنت (COPPA) في الولايات المتحدة، الذي يمنع جمع البيانات من الأطفال من دون موافقة الوالدين، وقانون حقوق الأسرة التعليمية والخصوصية (FERPA)، الذي يكفل سريّة السجلّات التعليمية، إضافة إلى اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) المعمول بها في الاتحاد الأوروبي. وبهذا، تُعدّ المنصّة واحدة من أكثر المنصّات أماناً في العالم الرقميّ للأطفال.
ورغم أن هذا الابتكار موجّه إلى الطلاب أولًا، فإنه يقدّم دعماً حقيقياً للأهالي والمعلّمين. يقول دي دوناتو لـ”النهار”: “إنه يوفّر للآباء تقارير مفصّلة عن الجلسات، تُظهر ما تعلّمه الطفل، وأين واجه صعوبات، وما الأدوات التحفيزيّة التي ساعدت على إبقائه منخرطًا. كذلك يُمكن للمدارس استخدامه كوسيلة لتقديم تعليم فرديّ يُسهم في سدّ الفجوات لدى المتأخرين، ويقدّم تحديات إضافية للمتفوقين.
في نهاية حديثه، يشارك دي دوناتو ذكرى مؤثرة: “كانت زوجتي تعمل طبيبة مع أطفال أيتام. وذات يوم، كنا ننظر إلى أولئك الأطفال ونتساءل: من منهم كان يمكنه أن يحلّ مشكلة كبرى في العالم، لو أُعطيت له فرصة واحدة فقط؟”. فهذه المنصة، وفق ما يؤمن مبتكرها، هي محاولة لصنع تلك الفرصة. تعليم يستجيب للطفل، يتحدّث معه لا إليه، ويتّسع لأسئلته حتى نهاية الفضول.