الرئيسية / آخر الأخبار / برّاك «جائع» فما الذي طلبه واشتهاه؟

برّاك «جائع» فما الذي طلبه واشتهاه؟

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب جورج شاهين في “الجمهورية” :

بعد 40 يوماً على المهمّة التي بدأها الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا ولبنان توم برّاك في زيارته الأولى إلى بيروت في 19 حزيران الماضي، عبّر أول أمس الأحد، عن رغبته برؤية «صدقية الحكومة اللبنانية» في مصير السلاح غير الشرعي، للتوفيق بين «المبدأ والممارسة». مضيفاً: «طالما أنّ «حزب الله» يحتفظ بالسلاح، فإنّ التصريحات لن تكون كافية». وهي عبارة لا تحتمل التأويل، بعدما فسّرها مرجع ديبلوماسي بأنّ برّاك عبّر عن «جوع» كبير إلى «إنجاز ما» يُطالب به ويشتهيه، قبل التفكير بـ «استراتيجية أميركية للخروج من لبنان». وهذه بعض المؤشرات.

لم يصل الديبلوماسي العتيق إلى هذه «المعادلة الخطيرة» التي قرأها في تغريدة برّاك من عبث، ولم يكن حُكمه قاسياً لو لم يكن لديه كثير ممّا يقوله قبل بلوغ هذه المرحلة الدقيقة من المفاوضات، على خلفية ما اصطدم به من عوائق كبيرة كان يعتقد أنّه من الممكن تجاوزها. وفي رأيه فإنّ «الفُرَص الذهبية» التي أضاعها اللبنانيّون في هذا الوقت القصير من مهمّته قد تعدّدت. وقد سبقته إلى هذه الطروحات زميلته السابقة مورغان أورتاغوس، إلى أن ضاقَ هامش المناورة أمام كل مَن يسعى إلى إطالة عمر وجود أي سلاح غير شرعي في جنوب الليطاني وشماله وعلى كل الأراضي اللبنانية، خارج مخازن وثكن ومخافر ومراكز الجيش والقوى العسكرية والأمنية، وصولاً إلى رجال الشرطة البلدية، بحسب تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 بكل صراحة ووضوح.

وأضاف الديبلوماسي بما يمكن البَوح به، فبعض الطروحات التي بقِيَت بين جدران بعبدا وعين التينة ما لا يمكن الإشارة إليه، وهو ما انعكس ضياعاً وسقوطاً لمجموعة من المُهَل التي وضعت على مراحل عدة وانهارت تباعاً وصولاً إلى اليوم، من دون أن يتحقق ما قالت به من خطوات كان على لبنان تنفيذها من باب التعهّدات التي قُطِعَت للموفدين الأميركيِّين والوسطاء الدوليِّين الذين واكبوا عمل الموفد السابق عاموس هوكشتاين منذ أن سلّم الأمين العام لـ»حزب الله» الراحل السيد حسن نصرالله طلباً لوقف إطلاق النار في 23 أيلول الماضي، وقد حمله كل من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يومها إلى أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، التي كان قد سبقه إليها وزير الخارجية الراحل عبدالله بو حبيب، سعياً إلى ما سمّاه يومها في اقتراحه بـ «صفقة السلام الشاملة».

ولا ينسى الديبلوماسي التذكير بهذه المحطة التي بُنِيَت عليها الآمال العريضة قبل 3 أو 4 أيام على «الخديعة الكبرى» التي قامت بها إسرائيل، فواكبها طلب وقف النار من جانب الحزب بتوجّه رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو إلى مقر الأمم المتحدة ليُدير من هناك بعد لحظات على إلقاء «خطابه الناري» عملية اغتيال نصرالله مساء 27 من الشهر عينه، من غرفة جانبية، فاجأ بها رئيس الولايات المتحدة الأميركية 

والعالم، مطيحاً بكل مساعي التهدئة والمشاريع التي قُطِعَت على الطريق إلى وقف الربط القائم بين جبهة إسرائيل الشمالية مع لبنان وغلاف قطاع غزة.

وانطلاقاً ممّا تقدّم، ينقل مَن التقى برّاك في أيامه الأخيرة، قلقاً زاد منه ما توافر من معلومات أعقبت الاتصالات التي أجراها في باريس على هامش الاجتماعات التي رعاها هناك بين الجانبَين السوري ممثلاً بوزير الخارجية أسعد الشيباني والإسرائيلي ممثلاً بوزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر. عدا عن تلك التي تجمّعت لديه بعد لقاءات واتصالات شملت وزيرَي الخارجية الفرنسي جان نويل بارو والسعودي فيصل بن فرحان، في محاولة لحشد ديبلوماسي غربي وعربي يُقنِع الجانب اللبناني بضرورة التحرّك سريعاً في اتجاه الخطوات المطلوبة داخلياً وخارجياً وصولاً إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق ورقة برّاك على الطريق إلى إنهاء مرحلة «تجميد العمليات العسكرية» والإنتقال بالسرعة القصوى إلى مرحلة وقف النار الشامل. وهي إجراءات تسبق فتح الطريق إلى المفاوضات غير المباشرة لتثبيت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وما يمكن القيام به لتزخيم مسيرة التعافي والإنقاذ مصحوبة بخطط إعمار ما تهدّم في الجنوب وعلى مساحة لبنان، في أفضل الظروف التي تسمح بحماية أي استثمار يمكن أن يقوم به أي طرف دولي أو إقليمي من الأشخاص أو الجهات الاستثمارية والمانحة في آنٍ.

على هذه الخلفيات، توقف المرجع الديبلوماسي أمام مضمون مواقف برّاك الأخيرة بأنّه قال أولى كلمات الفصل في ما تحقق حتى اليوم، وأنّ ما نبّه منه شكّل أول الإجابات على التردّد اللبناني الذي عبّرت عنه رسالة الردّ على اقتراحه السابق، كما اعتبر موقفه رفضاً لمّا سُمِّيَ «اقتراحات خاصة» لرئيس مجلس النواب نبيه بري لتسهيل مهمّته لدى «حزب الله»، بما تضمّنته من دعوة إلى خطوات اسرائيلية تؤدّي الغرض طالما أنّ الضمانات الأميركية مفقودة، خصوصاً أنّ ليس هناك أي رادع يحول دون استمرار الإعتداءات الإسرائيلية بموافقة أميركية مسبقة من دون العودة إلى «اللجنة الخماسية العسكرية» في الناقورة على عتبة التمديد لقوات «اليونيفيل» في نهاية آب المقبل.

واستطرد الديبلوماسي، إنّ ما تجنّب برّاك قوله حتى اليوم، ولم يُعبِّر عنه بلغة «فظة» اعتمدها سابقوه، باحت به تسريبات وزارة الخارجية الأميركية التي تلقت تقاريره العاجلة وما تضمّنته من جردة بين ما أنجزه وما لم يُنجِزه بعد، والعقبات التي حالت دون أي إنجاز كان «يتمنّاه حتى اشتهاه»، أطلقت ورشة تقييم جديدة لمهمّته في لبنان التي أضيفت إلى مهمّته السورية موقتاً. وهي تحتسب ما كان يرغب بتحقيقه سريعاً، ليس بالنسبة إلى المشروع الأميركي في لبنان والمنطقة إنّما بالنسبة إلى التوافق الكبير الذي يجمع الأميركيِّين مع أصدقائهم الأوروبيِّين والخليجيِّين، بعد أن تضافرت جهود وسطائهم الذين التقوا حول ملاحظات موحّدة في اتجاه مساعدة لبنان.

وختاماً، لا بُدّ من التعبير عن مجموعة من المخاوف التي يمكن أن تنجم عن تراجع واشنطن عن وساطتها بالزخم الذي عبّرت عنه حركة برّاك، الذي لمّح إلى بعض الخطوات المطلوبة من الحكومة لتنصبّ الجهود لتقول كلمتها في جلسة تُعقَد قريباً وتُخصَّص لآلية حصر السلاح وطريقة جمعه في مخازن الجيش أو إتلاف ما لا يمكن استخدامه، ليبنى على مثل هذه الآلية ما يمكن أنّ تلاقيه الإدارة الأميركية بخطوة إيجابية مماثلة تنهي مقولة إنّ «التصريحات غير كافية» قبل أن تطول عودة برّاك إلى بيروت وتتعاظم المخاوف من التعنّت الإسرائيلي الذي لم يلجمه أحد حتى اليوم.