مجلة وفاء wafaamagazine
لم تكفِ المسؤولين الدماء التي سالت والتخريب الذي أصاب وسط بيروت أمس وأمس الأوّل، حتى يسارعوا الى تأليف الحكومة الجديدة، علّها تنقذ ما تبقى من وطن يكاد يتحوّل مواطنوه أذلاء جائعين يتسولون حقوقهم عند أبواب المصارف ويسلّمون الأرواح عند أبواب المستشفيات ويكتوون بنار الأسعار في الأسواق. وكل هذا يحصل والشوارع تشتعل، فيما اهل السلطة يتنازعون الحصص في حكومة بدأ اللبنانيون يفقدون الامل في قدرتها على تحقيق الإنقاذ الموعود.
على أنّ ما حصل أمس دلّ الى انّ تأليف الحكومة عاد إلى المربّع الأول في نهاية جولة الرئيس المكلّف حسان دياب المكوكية بين القصر الجمهوري وقصر رئاسة مجلس النواب، رغم حديث البعض عن أنّ معظم العِقّد قد ذُلّلت، وأنّ المشاورات المُنتظرة اليوم وغداً ستكون كفيلة بتذليل ما تبقّى من تباينات تؤخّر التأليف. علماً انّ اليوم سيكون أمنياً بإمتياز، بحيث يُنتظر ان تُتخذ في اجتماع امني سيُعقد في القصر الجمهوري اليوم جملة اجراءات لضبط الامن ومنع اعمال التخريب التي تطاول الممتلكات العامة والخاصة في لبنان عموماً، وفي بيروت خصوصاً.
علمت «الجمهورية»، انّ عملية تأليف الحكومة توقفت أمس على «عقدة وزير»، قد تستولد زيادة وزيرين جديدين لتصبح التشكيلة الوزارية من 20 وزيراً بدلاً من تشكيلة الـ 18 التي يتمسّك بها الرئيس المكلّف حسان دياب.
وقد نجمت «عقدة الوزير» عن وضع الوزير جبران باسيل فيتو على توزير أمل حداد، مقترحاً توزير بيترا خوري ، الامر الذي رفضه تيار «المردة» والحزب السوري القومي الاجتماعي. وإذ لوّح «المردة» بعدم المشاركة في الحكومة، رفض «حزب الله» وحركة «أمل» هذا الامر واصرّا على هذه المشاركة، لأنّ من دونها لا تتأمّن الاكثرية المطلوبة لنيل الحكومة الثقة في مجلس النواب.
وعلمت «الجمهورية»، انّ جولة جديدة من الاتصالات ستجري اليوم بحثاً عن مخرج، تبقى فيه التشكيلة الوزارية المطروحة كما هي، ويُضاف اليها وزيران. وعلم انّ دياب ابدى مرونة في هذا الصدد.
وكان دياب لبّى دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث زاره عند الخامسة عصر أمس في القصر الجمهوري، وبحثا على مدى ساعة ونصف الساعة في ما آلت اليه مساعي التأليف والاقتراحات المتداولة دون التوصل الى صيغة نهائية.
وغادر دياب القصر من باب خلفي متلافياً الإدلاء بأي تصريح، وأُبلغ الى الصحافيين بمغادرته بعد دقائق، حيث توجّه الى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري مرة ثانية، بعدما كان زاره قبل توجّهه الى اللقاء مع عون.
وقالت مصادر تواكب المناقشات الجارية لـ «الجمهورية»، انّ معظم المقترحات الجديدة تدور في حلقة مفرغة، وهي تناولت بعض العِقد التي تخضع للأخذ والرد منذ بداية الأسبوع، بعد تجديد الإعتراف بدياب رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة. وكشفت انّ المناقشات في بعبدا وعين التينة تركّزت حول إمكان توسيع التشكيلة الحكومية الى 20 او 24 وزيراً، لكن هذا الطرح اصطدم بموقف دياب المصرّ على تركيبة الـ 18 وزيراً، بعد دمج مجموعة من الحقائب في ما بينها من دون العودة الى تركيبة «وزراء الدولة».
وفي اطار المقترحات القديمة – المتجددة، بقي الخلاف قائماً حول امكان اسناد وزارة الاقتصاد لمرشح «التيار الوطني الحر» ايمن الحداد بدلاً من أمل الحداد، التي يصرّ على توزيرها الرئيس المكلّف بصفة نائبة لرئيس الحكومة بدون حقيبة وكممثلة للحزب السوري القومي الإجتماعي، فيما جدّد دياب اقتراحه دمج وزارة الاقتصاد مع وزارة الدفاع، إذا بقيت من حصة الوزراء الأُرثوذكس.
وتزامناً، قالت مصادر مطلعة انّ دياب نقل الى عون مجموعة ملاحظات بري على التشكيلة في شكلها وحجمها عموماً وفي موضوع الحقائب خصوصاً. ولفتت الى «انّ اعادة البحث في شكل الحكومة وحجمها من شأنها الاطاحة بالجهود التي بُذلت الى الآن وهو ما تمّ تجاوزه في لقاء بعبدا».
وروت مصادر أخرى لـ«الجمهورية»، ان «البحث في بديل ممثل تيار «المردة» في الحكومة لم يكن مطروحاً في الإجتماع بين عون ودياب لأنّهما لم يتبلغا انسحاب هذا التيار من التشكيلة الحكومية، في الوقت الذي عُلم انّ رئيسه سليمان فرنجية سيعقد مؤتمره الصحافي المؤجّل قبل ظهر غد الثلثاء في بنشعي».
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ بري تعهّد بترتيب العلاقة مع فرنجية وطلب منحه مهلة للحل في الساعات المقبلة، على ان تنتهي هذه المهمة بعودة دياب الى بعبدا خلال الساعات الـ 48 المقبلة لإطلاق المرحلة الدستورية الأخيرة، بإصدار المراسيم الخاصة بتأليف الحكومة العتيدة، بعد قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال وتسمية الرئيس الجديد للحكومة.
فرنجية
وقالت اوساط متابعة لتشكيل الحكومة لـ الجمهورية»، أنّ «قرار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية المشاركة في الحكومة يحدّده، كما صرّح منذ بداية مشاورات التأليف، شكل هذه الحكومة وتركيبتها، وقبوله المشاركة فيها يكون استناداً الى شكلها وقدرتها على الانقاذ وقبولها لدى الرأي العام، لأننا في زمن يختلف عن الأزمنة السابقة، وبالتالي، فإنّ مشاركة «المردة» في الحكومة لن يكون استناداً الى عدد حصتها إنما الى شكلها».
واضافت هذه الأوساط: «القصّة عند سليمان فرنجية ليست عددية بل مبدئية. فهو لديه نظرة لها علاقة بالتطورات التي حدثت على الساحة اللبنانية، ويريد حكومة تشكّل قيمة مضافة لدى الرأي العام. وبالتالي هو كان في انتظار تشكيل الحكومة ليرى ما اذا كانت مقبولة بالحد الادنى لدى اللبنانيين، ولا تقوم وفق المعايير القديمة».
وشدّدت الأوساط نفسها على «انّ فرنجية لا يطالب بحصة، وهي ليست مشكلته الفعلية كما يُشاع، والجميع يعلم انّ تيار «المردة» كان أكثر من تنازل في الحكومات السابقة ولم يقف مرة عثرة في وجه تشكيل الحكومات السابقة بل العكس كان اكثر من يضحي ويتنازل من حصته. واذا عدنا الى تاريخ تأليف الحكومات السابقة والى تصريحات فرنجية نتأكّد من ذلك».
وعلمت «الجمهورية»، أنّ فرنجية سيعقد الساعة 11 قبل ظهر غد الثلثاء مؤتمراً صحافياً يناقش فيه تفاصيل مجريات تشكيل الحكومة وموقف تيار «المردة» منها.
«القوات»
من جهتها، مصادر «القوات اللبنانية» قالت لـ«الجمهورية» أمس، انّه «لا يوجد ما يفسّر او يبرّر اطلاقاً هذا التأخير في التأليف، وبالتالي ماذا يمكن ان يُقال لهذا الرأي العام اللبناني الذي ينتظر تشكيل الحكومة آملاً من ان تشكّل خطوة من هذا النوع سلاماً ووضعاً للبنان على طريق الانقاذ الاقتصادي؟ وماذا يمكن ان يُقال للشعب اللبناني المنتفض في الشوارع رفضاً لهذا الواقع الاليم ولهذا الجوع المتمادي في ظل اكثرية حاكمة غير عابئة بهموم الشعب اللبناني ومطالبه وجوعه، كذلك غير عابئة بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة في التاريخ اللبناني؟ وكيف يمكن تحميل الشعب الثائر والمنتفض مسؤولية فوضى، في وقت أنّ الاكثرية الحاكمة لا تريد الوصول الى حكومة تجسّد مطالب الناس وما زالت تعمل في الكواليس وتحت الطاولة من اجل تشكيل حكومة لا تشبه الناس ولا تستطيع مواجهة الازمة، حكومة محاصصة ونفوذ ومصلحة ومواقع؟ وكيف يمكن الطلب من الناس التوقف عن النزول الى الشوارع فيما الاكثرية الحاكمة لا تعير اهمية لهم ولمطالبهم ولا تبذل أي جهد من اجل تشكيل الحكومة المطلوبة؟».
واضافت المصادر نفسها، «أنّ القوات اللبنانية ترى أنّ الحكومة المطلوبة هي حكومة اختصاصيين مستقلين بعيدة عن القوى السياسية، وان تجربة حكومة اللون الواحد فشلت قبل ان تولد بدليل هذه الصراعات الحصصية بين فريق اللون الواحد. وبالتالي فلتشكّل هذه الخلافات عبرة لهذا الفريق من اجل ان يذهب لتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، هي الوحيدة القادرة على الانقاذ، ولاسيما انّ الحكومة العتيدة التي تتقاسم المكونات الاكثرية حصصها، وفي حال تشكلت لن تستطيع ان تنجح، لأنّ الرأي العام اللبناني اسقطها قبل ان تولد.
وتحذّر القوات اللبنانية من هذا الاستهتار، استهتار القوى السياسية بمطالب الناس. لأنّ الامور وصلت الى حد خطير. الناس غاضبة، الجيش اللبناني والقوى الامنية، التي نوجّه لها الف تحية، بات الضغط عليها يزداد اكثر فأكثر، وبالتالي اي فوضى مسؤولة عنها الاكثرية الحاكمة التي تنأى بنفسها عن مطالب الناس ولا تأخذ في الاعتبار الضغط المتزايد على القوى الامنية، وبالتالي تتحمّل هذه الاكثرية اولًا مسؤولية الكارثة التي وصلت اليها البلاد وثانياً مسؤولية ما يحصل في الشارع.
اجتماع امني
على الصعيد الأمني، وبعد عدم تجاوب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري مع فكرة دعوة المجلس الأعلى للدفاع منذ اندلاع الأحداث الأخيرة للاجتماع في بعبدا، وجّه رئيس الجمهورية امس الدعوة الى اجتماع أمني يُعقد الثانية عشرة ظهر اليوم في القصر الجمهوري، دُعي اليه كل من وزيري الدفاع والداخلية وقادة الاجهزة الامنية، لعرض الاوضاع الأمنية وما تشهده ساحات الاعتصام من احداث ومواجهات، والبحث في الاجراءات الواجب اتخاذها على كل المستويات ولا سيما لجهة تدارك مخاطر ما حصل على اكثر من مستوى، وما ادّت اليه من اصابات في صفوف العسكريين والمتظاهرين، وحجم الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة.
وفي السياق، ذكّرت مصادر الحريري أنّه «رفض المشاركة في المجلس الاعلى للدفاع منذ بدء ثورة ١٧ تشرين، لاعتباره أنّ الحل ليس أمنياً وإنما هو سياسي ويبدأ بتشكيل حكومة تراعي مطالب الشارع».
وكان عون التقى قائد الجيش العماد جوزف عون صباحا وإطلع منه على الأجواء الأمنية، وتمنّى الأخير تشكيل الحكومة سريعاً لضبط الوضع وحال الفلتان والحد من اعمال التخريب في بيروت.
وكانت المواجهات اشتدّت مساء أمس، نتيجة ارتفاع حدّة التوتّر بين المتظاهرين وعناصر مكافحة الشغب عند مدخل مجلس النوّاب في شارع البلدية في وسط بيروت. وتزايدت أعداد المتظاهرين الذين رشقوا عناصر قوى الأمن بالحجارة وعبوات المياه والمفرقعات النارية، محاولين الدخول إلى المجلس. فيما انتشر الجيش بآليّاته وعناصره المجهزة وسَيّر دوريات في المكان.
وتصاعد التوتّر عندما استقدم المتظاهرون ألواحاً خشبية وحديدية محاولين اقتلاع سياج الحديد الذي يفصل بينهم وبين رجال الأمن، الذين بدورهم ألقوا القنابل المسيلة للدموع ورشّوهم بخراطيم المياه لإبعادهم. واستمرّت المواجهات على هذا النحو لساعات، كذلك حطّم بعض المتظاهرين زجاج محلات «باتشي»، ثم اقتحموا مكتب شركة «ألفا» وحطّموا محتوياته.
وفي حين سيطرت مشهدية إقفال الطرق في مختلف الأراضي اللبنانية خلال ساعات نهار السبت، تصدّرت بيروت، وتحديداً محيط مجلس النوّاب، الواجهة ليلاً إثر المواجهات العنيفة بين القوى الأمنية والمتظاهرين، حيث افاد الصليب الأحمر في بيانٍ أنّه نقل «169 حالة صحية إلى المستشفيات المجاورة، وقُدّمت الإسعافات الأولية في موقع الإشكالات لنحو 140 حالة تنوّعت بين ضيق في التنفس وكسور وإعياء وجروح».
الجمهورية