الأخبار
الرئيسية / سياسة / مجلس النواب ينعقد على وقع " 17 تشرين " تشريع السوابق

مجلس النواب ينعقد على وقع " 17 تشرين " تشريع السوابق

مجلة وفاء wafaamagazine 

كتبت صحيفة “الأخبار ” تقول : جلسة “تاريخية” عقدها مجلس النواب، أقرّ فيها موازنة 2020 في ظروف ‏استثنائية شعبياً ودستورياً. تحت الحصار الشعبي، أقرّ النواب موازنة في ‏جلسة مليئة بالسوابق: رئيس حكومة لم تنل الثقة جلس مكتوف اليدين لثلاث ‏ساعات، يراقب، وحيداً، كيف تُقرّ موازنة سيكون ملزماً بتطبيقها، ‏وسيُحاسب على أساسها. هو الذي لم يسهم في كتابة حرف فيها، فيما تنصّل ‏منها رئيس الحكومة التي أقرّتها


‎”‎تهريباً” دخل النواب إلى ساحة النجمة. لا أحد منهم يستطيع مواجهة المنتفضين الذين أحاطوا بمداخل الساحة، ‏على قدر ما سمحت لهم الإجراءات الاستثنائية التي نفّذها الجيش وقوى الأمن، والتي تحوّل وسط بيروت، ‏بنتيجتها، إلى منطقة عسكرية‎.


قالها الرئيس نبيه بري كما هي: “عملنا السبعة وذمتها لنوصل اليوم”، متوجّهاً بالشكر إلى الجيش والقوى الأمنية. ‏هؤلاء قاموا بواجباتهم وزيادة، فأفرطوا في اللجوء إلى العنف، الذي كانت نتيجته أكثر من 20 جريحاً‎.


كان الهاجس صباحاً تأمين النصاب. وقد تأخرت الجلسة نحو 40 دقيقة، بانتظار الـ65 نائباً. كتلة المستقبل ‏حضرت متأخرة، وكان سبقها نواب اللقاء الديموقراطي. هؤلاء مثّلوا المعارضة الجديدة، بعد مقاطعة “القوات” ‏و”الكتائب” للجلسة‎.


مقاعد الوزراء ظلت فارغة. وحده رئيس الحكومة حسان دياب حضر، فجرّب المقعد المخصّص لرئاسة الحكومة ‏للمرة الأولى. بعيداً عن الكلمة التي تلاها في بداية الجلسة، لم يكن له أي دور. جلس شاهداً، يدوّن ملاحظاته بين ‏الفينة والأخرى. كان دوره تأمين الغطاء الحكومي للموازنة، وقد قام بدوره بلا صخب. ملامحه لم تتغير إن توجه ‏له أحدهم باقتراح أو بسؤال أو انتقاد أو ملاحظة. “بوكر فايس” بقي طيلة مدة الجلسة‎.


هذا الدور، بحسب ما رسمه رئيس المجلس، تطلب أن يتحدث دياب في بداية الجلسة مبرراً مناقشة الموازنة في هذا ‏الظرف، فقال: “لا شيء عادياً في لبنان اليوم. كل شيء استثنائي وتعقيدات الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية ‏تُملي علينا التصرّف من منطق الضرورة والعجلة، وأيضاً الاستثناء. ولأن الواقع استثنائي، فإن الحكومة في ظل ‏وضعها الراهن، أي قبل نيلها الثقة، وبحسب الرأي الدستوري الراجح، هي حكومة تصريف أعمال بالمعنى ‏الضيق، ويُفترض أن يكون عملها محصوراً بإعداد البيان الوزاري، وبالتالي لا يمكنها أن تمثل مجتمعة أمام ‏المجلس النيابي الكريم في جلسة مناقشة الموازنة العامة، كما أنه لا يحق لها استرداد الموازنة‎”.
ختام الكلمة كان: “إن الحكومة لن تعرقل موازنة أعدّتها الحكومة السابقة وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية، ‏واكتملت إجراءاتها. انطلاقاً من ذلك، فإن الحكومة تترك الأمر إلى المجلس النيابي الكريم، مع احتفاظها بحق تقديم ‏مشاريع قوانين لتعديلات في الموازنة، بعد نيل الثقة‎”.


بالنسبة إلى دياب كان ذلك كافياً للإشارة إلى تبنّي حكومته مشروع الموازنة. فحكومة لم تنل الثقة لن تكون قادرة ‏على تبنّي المشروع بالشكل القانوني، أي لن يكون بإمكانها استرداده ثم توقيعه من قبل رئيس الحكومة والوزراء ‏الجدد. لذلك، كان الإخراج عبر الكلمة التي ألقاها دياب، وبدا فيها أقرب إلى “شاهد” اعترف بأنه لا يحق للحكومة ‏أن تمثل أمام المجلس، لكنه مثل أمامه منفرداً‎.


ما فعلته الجلسة أنها زادت الشرخ بين القوى السياسية الحاكمة والواقع الشعبي المنبثق عن انتفاضة 17 تشرين. ‏وهي أكملت لعب دورها هذا في مناقشة الموازنة، التي أصرّ بري على إنهائها أمس خوفاً من احتمال عدم قدرة ‏النواب على العودة إلى المجلس‎.


دستورية الجلسة كانت محل نقاش، وقد فتحه النائب سمير الجسر. قال إن الجلسة غير دستورية، لأنها تنعقد من ‏دون إصدار مرسوم فتح دورة استثنائية بعد انتهاء الدورة العادية نهاية العام. لم تُفتح جلسة استثنائية لأن رئيس ‏الحكومة لا يمكنه توقيع أي مرسوم قبل نيل الثقة (باستثناء مرسوم تأليف الحكومة)، فركّز بري على كون حق ‏التشريع مطلقاً للمجلس النيابي ولا يتوقف ذلك على الصلاحيات التي تتمتع بها الحكومة. عاد إلى ما قبل العام ‏‏1992، وقال إن العرف الطوائفي الذي سار عليه المجلس، لا يلغي حقه في التشريع‎.


نقاش دستوري، حسمه رئيس المجلس بقوله للجسر “لنتكل على الله والتفاسير تكون لمصلحة الناس وليس ضد ‏الناس. بمجرد أن تصبح حكومة تصريف أعمال، المجلس في حال انعقاد”. أضاف: “أنت نقيبنا وأنا أحترمك، ‏ولكن هذا رأيي”. ولأن رأي بري هو الراجح، ولأن الكتل المعترضة لم تشأ فرط النصاب، ولأن الجيش نزل بثقله ‏لتأمين وصول النواب، انعقدت أمس جلسة لا مثيل لها، لمناقشة مشروع قانون قدّمته حكومة لم تعد موجودة، في ‏ظل حكومة يمثل رئيسها وحيداً أمام المجلس النيابي، بالرغم من أنه لم ينل الثقة. علة الجلسة وغايتها “الحرص ‏على الانتظام المالي”، من خلال إقرار الموازنة قبل انتهاء شهر كانون الثاني. لكن هذا الحرص لم ينعكس على ‏قطع الحساب، الذي لم يقر ولم يقدّم، ولم يتطرق إليه أحد إلا عرضاً، بالرغم من أنه، بدوره، أساس الانتظام المالي ‏والدستوري‎.


كل شيء جرى أمس على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات. لكن وحده “المستقبل” لم يعرف ما يريد. يعطي ‏الشرعية لجلسة إقرار الموازنة، إلى جانب “الاشتراكي”، لكنه يعتبرها غير دستورية، ولا يوافق على موازنة ‏أسهم في إعدادها! باستثناء الجسر الذي انسحب من الجلسة لعدم دستوريتها، كان الشغل الشاغل لكتلة المستقبل ‏إبعاد مسؤولية الانهيار عن كاهل سعد الحريري. أصرّ كل نوابه على أن يعلن دياب تبنّيه للموازنة بشكل صريح. ‏ظنوا أنهم بذلك يرفعون مسؤولية الحريري عن الانهيار. وفاتهم أن الانتفاضة إنما تحمّل المسؤولية لكل الطبقة ‏الحاكمة، وعلى رأسها الحريري، الذي أسقطت حكومته‎.


حتى مع تجاوز كل الإشكالات الدستورية، فإن سؤالاً بديهياً طُرح في الجلسة: إلى من نتوجه في أسئلتنا، ومن يبتّ ‏الملاحظات المتعلقة بمشروع الموازنة؟ فأجاب بري: إبراهيم كنعان موجود. وهو ما حصل بالفعل، خلافاً لمبدأ ‏الفصل بين السلطات، إذ تولى نائبان مهمة الدفاع عن مشروع الحكومة، هما كنعان والوزير السابق علي حسن ‏خليل‎.‎

سبعة نواب فقط تحدثوا في الأوراق الواردة قبل بدء التصويت على بنود الموازنة، بعد أن تلا كنعان تقرير لجنة ‏المال بشأن الموازنة. نجح بري في حصر العدد. وبالرغم من تخفيض لجنة المال للإنفاق بشكل ملحوظ، وكذلك ‏خفض تقدير الواردات، بالنظر إلى الوضع الراهن، إلا أن نواباً كثراً اعتبروا أن التعديلات ليست كافية للتعامل مع ‏الواقع الذي استجد منذ 17 تشرين. كتلة المستقبل التي صوتت ضد الموازنة التي أقرّتها حكومة الحريري، فعلت ‏ذلك بذريعة “اقتناعها بأن الارقام الواردة فيها لم تعد تعكس الواقع، لأن الاقتصاد اختلف حجماً ونوعاً عمّا كان ‏عليه عندما أقرّت الحكومة السابقة مشروع الموازنة”. موقفها هذا يتناقض مع موقف أعضائها الذين شاركوا في ‏لجنة المال وأيّدوا التعديلات التي أجريت عليها “لأن الاقتصاد اختلف”، والتي أدت إلى خفض الموازنة 800 ‏مليار ليرة، وخفض الغرامات. ومن المواد التي أضيفت على وقع الأوضاع المستجدة: رفع ضمان الودائع من 5 ‏ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة، وتعليق الاجراءات القانونية المتعلقة بالمهل الناشئة عن التعثر في سداد القروض ‏المدعومة. وإذا كانت المادة السابقة قد أقرّت بلا نقاش، فإن مسألة الإجراءات المتعلقة بالقروض أخذت حيزاً كبيراً ‏من النقاش، من مطالبة أغلب النواب بأن يشمل التعليق كل القروض المدعومة وغير المدعومة. لكن لأن هذا النقاش ‏سبق أن أجري في لجنة المال، وشهد اعتراضاً كبيراً من جمعية المصارف، تمّ صرف النظر عنه في الوقت ‏الراهن، كما أوضح النائب علي فياض، إلى حين البحث في إجراءات شاملة تتعلق بالأمور العالقة بين المصارف ‏والمقترضين، وبينها على سبيل المثال خفض الفوائد على القروض. كذلك، ألغيت المادة 34 من المشروع المُرسل ‏من الحكومة، والمتعلقة بتقسيط تعويضات نهاية الخدمة للعسكريين، إذ اعتبر كنعان أنها لزوم ما لا يلزم، فيما أكد ‏الوليد سكرية عدم جدواها‎.


بالنتيجة، أسفرت الجلسة “التاريخية” عن إقرار الموازنة بموافقة 49 نائباً يمثلون “لبنان القوي”، “الوفاء ‏للمقاومة”، “التنمية والتحرير” و”القومي”، إضافة إلى النائبين نقولا نحاس وعدنان طرابلسي. وفيما أعلنت ‏النائبة بهية الحريري امتناع كتلة “المستقبل” عن التصويت، تضاربت مواقف أعضاء الكتلة، بين ممتنع ‏ومعترض، فيما أصرّ الاشتراكي على الامتناع، لتكون نتيجة التصويت موافقة 49 نائباً ومعارضة 13 نائباً ‏وامتناع 8 نواب‎.‎