مجلة وفاء wafaamagazine
إرتسم مشهد مقلق على امتداد الشرق الأوسط، بعد الإعلان عن خطة السّلام الاميركيّة المسمّاة «صفقة القرن»، خصوصاً أنّها تفرض خريطة جديدة في المنطقة، تنذر بتداعيات خطيرة تهدّد كلّ الدول العربيّة المحيطة بفلسطين.
هذا الواقع المستجد، أثار موجة من الاعتراض على الصفقة بدءاً من فلسطين وجوارها، وصولاً الى لبنان المُدرَج في بنك أهداف «صفقة القرن»، والذي يهدّد إسقاط حق الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم، بتوطينهم على ارضه.
وربطاً بذلك، جاهر لبنان الرسمي برفض هذه الصفقة التي تهدّد كيانه، وأكّد تمسّكه بالمبادرة العربية للسلام، التي أُقرّت في قمة بيروت عام 2002، خصوصاً لجهة حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس».
عون وعباس
واكّد على ذلك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في اتصال اجراه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وعلمت «الجمهورية»، انّ عون هنّأ عباس، أثناء الاتصال الذي اجراه به لمناقشة تداعيات الصفقة، بمظاهر الوحدة الفلسطينية التي تجلّت بردات الفعل الموحّدة بين غزة والضفة الغربية، وما ادّى اليه التعاون بين السلطة و«حماس»، داعياً الى مزيد من الوحدة بين مختلف المكونات الفلسطينية، لأنّها من اهم مقومات الصمود في مواجهة هذه الصفقة.
وذكّر عون عباس بمضمون كلماته امام القمم العربية بدءاً من قمة عمان التي عُقدت في 29 آذار 2017 ، والتي حذّر فيها من مخاطر التفكّك العربي في مواجهة العدو الإسرائيلي ومخاطر التفاهمات الجارية على حساب الشعب الفلسطيني، في وقت ينشغل فيه العرب بحروبهم الداخلية. وذكّر عون بما قاله في كلمته حرفياً: «انّ خطورة المرحلة تحتّم علينا وقف الحروب الداخلية، وإلّا ذهبنا جميعاً فرق عمولة حلّ لم يعد بعيداً».
وانتهى عون بالإشارة الى مواقف مماثلة قي قمة الرياض العام 2018 ومن بعدها في القمة الأخيرة في تونس العام الماضي. «ولكن للأسف إما تجاهلوا تحذيراتنا أو اهملوها لكن النتيجة كانت واحدة».
وعد بلفور جديد
وفيما اكّد رئيس الحكومة حسان دياب انّ «القدس ستبقى البوصلة والقضية»، وصف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الصفقة بأنّها «وعد بلفور جديد لإنهاء القضية الفلسطينية بالكامل، وصفقة تجهض آخر ما تبقّى من الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهي رشوة لبيع الحقوق والسيادة والكرامة والأرض العربية الفلسطينية بمال عربي. ونحن في لبنان معنيون بها، إضافة الى الدفاع عن فلسطين، من أجل الدفاع عن وطننا وشعبنا».
واذ لفت بري الى تقديمات ترامب المجانية الى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بدءاً بالقدس، ثم الجولان، قال: «اكاد أجزم انه لو انّ الجنوب اللبناني ما زال محتلاً، لكان ترامب قدّمه الى نتنياهو، والفضل يبقى للمقاومة في تحريره ونزع هذه الورقة من يده».
الصفقة
وفيما تعالت الدعوات داخلياً لتحصين الداخل، مؤكّدة على وحدة الموقف اللبناني من رفض التوطين، قالت مصادر ديبلوماسية خبيرة في الشأن الاميركي لـ«الجمهورية»: «انّ لبنان يُعتبر من إحدى الحلقات الأضعف في المنطقة، خصوصاً في ظل الأزمة التي يعانيها، ومن هنا، وبعد اعلان «صفقة القرن» يجب ان يحضّر نفسه لكل الاحتمالات والسيناريوهات».
ولفتت المصادر، الى أنّ هذه الصفقة حبلى بالتداعيات على مساحة الشرق الاوسط، وليس في الإمكان تقدير سقفها من الآن.
واكّدت المصادر لـ«الجمهورية»: انّ من السابق لأوانه الحديث عن صفقة ناجحة أو صفقة فاشلة، لكن ما يمكن التأكيد عليه هو انّ طريقها الى التطبيق مشوب بصعوبات كبرى.
وإذ اشارت المصادر الى «أنّ نقطة القوة في «الصفقة» تتجلّى في الثقل الاميركي الموجود فيها – الى جانب اسرائيل طبعاً – لتكريسها امراً واقعاً في المنطقة»، لفتت في الوقت نفسه الى نقطة ضعف جلية فيها، تتجلّى في وجود عوامل كثيرة تدفع باتجاه فشلها، ليس بسبب رفض الفلسطينيين وبعض العرب لها، فحسب، بل بسبب غياب الإجماع الدولي عليها. فضلاً عن أنّ الإطار العام لهذه الصفقة، يؤكّد انّها أقلّ بكثير من التسويات المعروفة في الصراع العربي – الإسرائيلي، مثل اتفاقية كامب ديفيد، التي مكّنت مصر من استعادة أرضها، أو اتفاقية وادي عربة، التي حصل بموجبها الأردن على ضمانات سياسية خاصة، أو حتى اتفاقية أوسلو، التي مكّنت الفلسطينيين من الحصول على سلطة ذاتية موقتة بانتظار الحل الشامل. لكنّ الحديث اليوم يجري عن تسوية بشروط مذلّة.
يضاف الى ذلك، تقول المصادر عينها، «التشكيك فيها داخل الولايات المتحدة. حيث صدرت انتقادات من داخل الحزب الديموقراطي تعتبر انّ من أعدّ الصفقة عديمو الخبرة دبلوماسياً ولا معرفة لهم بالشرق الأوسط عدا اسرائيل. وكذلك سُجّل تشكيك في الداخل الاسرائيلي عبّر عنه بعض المعلّقين بوصف التسوية الاميركية بصفقة على ورق وبعيدة كل البعد عن التنفيذ.
ولكن ما يجب ان يوضع في الحسبان، في رأي المصادر الديبلوماسية، انّه في ظلّ هذه الصعوبات، قد يتعزّز احتمال محاولة فرض تطبيقها بطريقة إكراهية لكبح اي محاولات لإفشالها، باعتبارها انجازاً ثميناً يبحث عنه الرئيس الاميركي دونالد ترامب في طريقه الى الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، ويمنحه فرصة الظفر بولاية رئاسية ثانية. ولعلّ اقصر طرق الفرض الإكراهي هو تخيير معارضي الصفقة من الدول المعنية بها، وفي مقدّمهم الفلسطينيون، بين امرين: إما القبول بالصفقة كما هي، وامّا العقوبات الخانقة، وربما اكثر من ذلك.
سباق
سياسياً، يبدو الداخل اللبناني في سباق مع الأزمة، ويبدو الطاقم السياسي مستنفراً على كل مستوياته بحثاً عن مخارج وحلول للتعقيدات المستحكمة بها. ولا يبدو انّ من المتيسّر ولوجها بسهولة بالنظر الى الإرث الثقيل من السلبيّات الناتجة من السياسات التي اتبعتها السلطة الحاكمة في السنوات الأخيرة، واغرقت البلد بأهله في وحول أزمة كارثية.
اجراءات موجعة
واللافت في هذا السياق، ما أشار إليه رئيس الجمهورية، حول اجراءات قاسية وموجعة في سياق معالجة الأزمة، حيث ابلغ زواره امس، «انّ الازمة الاقتصادية – المالية تبقى الاخطر، حيث لا الانتاج ولا المال متوفران بعد اعتماد لبنان لسنوات خلت على الاقتصاد الريعي. لذلك، نحن اليوم في صدد معالجة هذين الوضعين الصعبين، والإجراءات التي ستُتخذ ستكون قاسية وربما موجعة ما يتطلب تفهّم المواطنين لهذا الامر».
وفيما أُثيرت تساؤلات حول المقصد الرئيسي من حديث رئيس الجمهورية عن الإجراءات الموجعة، قالت مصادر قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية»: «ما لفت اليه رئيس الجمهورية ليس جديداً ولا مفاجئاً، ومن يستعرض سلسلة القرارات التي اقترحتها «الورقة الإقتصادية» التي صدرت عن الورشة التي عُقدت في بعبدا قبل استقالة الحكومة السابقة، تتحدث عن مثل هذه الإجراءات. مشيرة الى انّ هذه الورقة هي من بين الأوراق المطروحة في لقاءات السراي الإقتصادية والمالية والنقدية امس مع الوزراء المعنيين والمراجع المالية اللبنانية والدولية.
ولفتت المصادر، الى أنّ ما بلغه الوضع من خطورة لا يمكن تجاوزه بغير شدّ الأحزمة على اكثر من مستوى. وان الإقدام على قرارات قاسية وموجعة للخروج من النفق امر واجب الوجوب ولو لفترة معينة، تؤدي الى الخروج مما نحن فيه من أوجه الأزمة المتفاقمة. وانتهت هذه المصادر الى ضرورة انتظار المقررات التي سيفضي اليها الجهد المبذول في السراي، تحضيراً للبيان الوزاري، داعية الى التجاوب معها وإحياء للثقة المفقودة بالدولة والمؤسسات.
بري
في المقابل، برز موقف الرئيس بري، الذي اعتبر «انّ عملية الإنقاذ ليست مستحيلة وليست ايضاً في منتهى الصعوبة. وانّ الحكومة أمامها فرصة من 3 الى 4 اشهر بعد نيلها الثقة، شرط الإبتعاد عن النزاعات والتوترات، خصوصا وانّ لبنان لا يمكن ان يتقدّم من خلال الممارسة الطائفية، بل من خلال الحفاظ على المؤسسات».
دياب
الى ذلك، قالت اوساط رئيس الحكومة لـ«الجمهورية»، انّه مدرك لحساسية الوضع اللبناني، وحجم المشكلة التي بلغها الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، وعلى هذا الاساس ينصبّ العمل الحكومي في هذه الفترة لإيجاد العلاجات اللازمة.
واذ لفتت الاوساط الى «انّ المرحلة المقبلة تتطلب الكثير من الجهد والمثابرة، خصوصاً وانّ حجم المشكلة كبير جداً، واذا كان الدعم الخارجي يشكّل عاملاً مهماً ومساعداً جداً في معالجة الأزمة، الّا انّ ذلك لا يعني ان ننتظر الخارج لكي يحرّك مساعداته في اتجاه لبنان، بل ان نبادر الى تحريك عجلة العمل بأقصى طاقاتها. فسقوط البلد يعني اللاعودة، وهدفنا الأول والأخير هو منع سقوط البلد، وهذا ما نأمل ان نتمكن من تحقيقه في القريب العاجل، وتنجح الحكومة في وقف المسار الانحداري وتحوير المسار نحو الانفراج».
وكشفت الاوساط، «انّ المهمة الحكومية الانقاذية، ستنطلق حتماً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، وما يجري حالياً هو وضع خطة العمل، التي نعتبرها «نوعية»، خصوصاً انّ الارقام التي في حوزتنا حول الوضع الاقتصادي والمالي بشكل عام، ليست سوداوية، وربطاً بذلك نستطيع ان نؤكّد انّ هناك حالة مرضيّة موجودة، وصعبة، الّا انّها ليست مستعصية، بل هي قابلة للعلاج».
واشارت المصادر، انّ خطة عمل الحكومة، ستتحدّد عناوينها في البيان الوزاري لها، حيث تعكف اللجنة الوزارية على صياغة بيان وزاري مختلف عن كل البيانات التي سبقته.
ورداً على سؤال، قالت الأوساط، انّ الحكومة تحضّر لإنجازات سريعة، وخلال فترة لا تزيد عن مئة يوم، يبدأ سريانها من لحظة نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب. فالتوجّه لدى الحكومة هو ان تقدّم كل وزارة انجازاً خلال هذه الفترة، علماً انّ لدى كل الوزراء النية والرغبة والاندفاع نحو العمل والانتاج، خصوصاً ان لا متاريس بين بعضهم البعض، ولا احد منهم يريد ان يسجّل نقاطاً على الآخر، ولا احد منهم يريد ان يسجّل انتصارًا سياسياً، ولا ان يبني زعامة سياسية. بل انّ الحكومة تضمّ نوعاً جديداً من الوزراء لكل منهم مهمة محدّدة ضمن وزارته على طريق معالجة الازمة.
ورشة اقتصادية
الى ذلك، ترأس دياب امس، «ورشة مالية- اقتصادية» في السراي الحكومي، في حضور وزراء: المال غازي وزني، التنمية الإدارية والبيئة دميانوس قطار، الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، والصناعة عماد حب الله، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية المصارف سليم صفير، رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر، والأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكيّة.
وعكست مصادر المجتمعين اجواء ايجابية، ولاسيما لناحية التأكيد بأنّ الوضع الاقتصادي والمالي ليس سوداوياً، بل هناك ايجابيات يُبنى عليها على طريق المعالجة. وكذلك على صعيد تقديم تسهيلات مصرفية للحصول على الدولار الأميركي كما على الليرة اللبنانية وايضاً حول التحويلات الى الخارج، انما ليس بطريقة مفتوحة.
قرارات منتظرة
وكشفت المصادر لـ«الجمهورية»، انّه تمّ في خلال الاجتماع الحديث عن قدرات لبنان المالية واقتراحات للحلول والمعالجة، وتحديداً في نقطة أساسية هي استحقاقات لبنان المالية باليوروبوند والمستحقة في أشهر آذار نيسان وحزيران وقيمتها 2,5 مليار دولار، وتمّ الاتفاق ان يُستكمل الاجتماع يوم الاثنين المقبل، حيث سيقدّم حاكم مصرف لبنان اقتراحات حلول لسندات اليوروبوند ومشكلة شح السيولة بالدولار. وعلمت «الجمهورية»، انّ الاثنين المقبل، سيكون يوم القرارات الكبيرة التي ستُتخذ على هذا الصعيد.
وابلغت مصادر حكومية «الجمهورية» قولها: «انّ رئيس الحكومة طلب إجراءات فورية للخروج من أزمة المصارف مع المودعين، تبدأ بخطة لبدء استعادة الثقة. وقد جرى بحث معمق حول شح السيولة، وطلبت المصارف من حاكم البنك المركزي إجراءات موحّدة تعتمد معياراً موحداً لحل الأزمة النقدية. وتمّ التركيز بشكل أساسي على كيفية إستعادة الثقة بالمصارف، حتى لا تفشل الحلول وتراوح مكانها. وقد ابلغ دياب المجتمعين انّه تلقّى اشارات إيجابية من دول عديدة، متوقعاً ترجمتها عملياً بعد نيل الحكومة الثقة.
لجنة البيان
في سياق متصل، لم تعقد اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري اجتماعها الذي كان مقرراً امس في السراي، بسبب تداخل الاجتماعات المالية، وتأجّل الى ما بعد ظهر اليوم.
وعلمت «الجمهورية»، انّ الاجتماع الأخير للجنة سيكون عند الساعة الثالثة من بعد ظهر السبت، ولن تغادر اللجنة السراي الّا عند الانتهاء من البيان وإحالته إلى الامانة العامة لمجلس الوزراء لتوزيعه على الوزراء قبل تحديد جلسة لإقراره في القصر الجمهوري والمرجحة يوم الثلاثاء او الأربعاء من الأسبوع المقبل.
الجمهورية