الرئيسية / محليات / لا لسداد الديون ولا لصندوق النقد هندسة مالية جديدة ومكلفة لشراء الوقت

لا لسداد الديون ولا لصندوق النقد هندسة مالية جديدة ومكلفة لشراء الوقت

مجلة وفاء wafaamagazine 

 في مواجهة الأزمة المالية والنقدية والمصرفية الحادّة، لم تجد الحكومة إلا ‏الأدوات “الحريرية”: بهدف مواصلة تسديد الديون، يجب أن نتسوّل ‏ونستدين من الخارج ونسعى دائماً لبيع أملاك الدولة. كل ما ورد في البيان ‏الوزاري بشأن الأزمة يدور حول هذه النقاط التي شكّلت أساس ورقة ‏الحكومة قبل الانتفاضة، وأساس ورقة لبنان في “سيدر” وكل مؤتمرات ‏التسوّل السابقة، فالدائنون لهم الأولوية حتى لو من ودائع الناس‎!‎


السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، كما ورد في النسخة المسرّبة من البيان الوزاري، يكمن في “اتخاذ خطوات ‏مؤلمة” تنفذ عبر الاستدانة من الخارج والقيام بعمليات خصخصة تحت مسمّى: الشراكة بين القطاعين العام ‏والخاص. أما هدف هذه الخطوات فهو الاستمرار في تسديد الديون، من دون تقديم أي تصوّر يتعلق بمن سيتحمّل ‏كلفة الخسائر المتحقّقة وبآلية توزيعها. الثابت إبعاد “توزيع الخسائر” عن المصارف والدائنين. فالبيان يشير إلى ‏‏”رسملة القطاع المصرفي”، أي انتشالها من الإفلاس وتعويم مساهميها الذين أثروا في السنوات الماضية من المال ‏العام، ويشير إلى وجوب خفض الدين العام عبر “تشركة بعض القطاعات العامة ذات الطابع التجاري”، ما يعني ‏أن لبنان سيدفع استحقاق آذار 2020، وخصوصاً أن سلامة يعدّ هندسة جديدة لهذا الأمر خصيصاً، ما يعني أن ‏الكلفة الأكبر سيدفعها الناس من رواتبهم ومدّخراتهم‎.

هندسة مالية جديدة‎
لمن سندفع؟ بأي دولارات؟ ضمن أي خطّة وأي أهداف؟‎
إذا أرادت الحكومة أن تواصل دفع ديونها بالدولار فعليها أن تملك سيولة بالدولار. وفي ظل القيود التي تمارسها ‏المصارف حالياً على عمليات السحب والتحويل، توقفت التدفقات من الخارج إلا في الإطار الضيّق (المغتربون ‏يواصلون إرسال الأموال إلى أسرهم في لبنان على نطاق ضيق جداً)، لم تعد هناك سيولة بالدولار إلا ما يملكه ‏مصرف لبنان. وهذه الاحتياطات لا يجب التفريط بها لأنها الذخيرة الوحيدة المتاحة لتمويل استيراد المواد ‏الأساسية من غذاء ومحروقات وأدوية وقمح ومواد أولية لزوم الصناعة المحلية‎.


ومع اقتراب استحقاق سندات اليوروبوندز في 9 آذار المقبل، ارتفعت وتيرة الحديث عن مسألة سداد الدين ‏وتداعياتها. الرأي المنسوب إلى سلامة والذي أبلغه إلى دياب، أنه توجد لدى مصرف لبنان قدرة على تسديد الديون ‏بالدولار طالما أن لبنان يلتزم بالورقة الإصلاحية التي أعلنها الرئيس السابق سعد الحريري بعد انتفاضة 17 ‏تشرين الأول، وهي نسخة طبق الأصل عن التزامات لبنان في مؤتمر “سيدر” التي أقرّت بإشراف صندوق النقد ‏الدولي. تسويق سلامة لهذا الأمر استند إلى أن تسديد الديون يسهم في استعادة بعض من الثقة المفقودة، مبدياً ‏جهوزيته لتنفيذ هندسة جديدة في سبيل تأمين تسديد الدين تنصّ على الآتي‎:


يدفع مصرف لبنان للأجانب الذين يحملون سندات اليوروبوندز التي تستحق في آذار 2020 كامل المبالغ ‏المستحقة، فيما يعرض على حملة السندات المحليين (المصارف) استبدال ما يحملونه من سندات آذار بسندات ‏تستحق في عام 2037 على أن يكون تسعير السندات وفق السعر السوقي: في النتيجة يصبح كل سند من استحقاق ‏آذار 2020 مساوياً لسندين وربما أكثر من استحقاقات 2037. ولإغراء المصارف في المشاركة بهذه العملية، ‏سيقوم مصرف لبنان بإقراض المصارف مبالغ بالليرة اللبنانية بفائدة متدنية مقابل توظيفها في مصرف لبنان ‏بفائدة مرتفعة. ويتوقع بعض المتابعين أن تكون إضافات على هذه الهندسات من النوع الذي يسمح للمصارف ‏بتسجيل أرباح فورية على هذه العمليات من أجل تعزيز رساميلها‎.


عملياً، كل قرش يدفعه مصرف لبنان من احتياطاته بالعملات الأجنبية يأتي من ودائع الناس في المصارف. فهذه ‏الأخيرة استقبلت الودائع ووظّفتها لدى مصرف لبنان، وبدوره استعملها من أجل تمويل عمليات استهلاك وتسديد ‏ديون. سلامة أقرّ علناً بأن المصارف توظّف لديه نحو 70 مليار دولار فيما لديه احتياطات معلنة بقيمة 30 ‏مليارات دولار، أي أن 40 مليار دولار تبخّرت، علماً بأن هناك تقديرات تشير إلى أن احتياطاته الصافية من ‏الالتزامات سلبية بمبلغ تفوق 30 مليار دولار‎.

خطّة سلامة‎
إذاً، ما هي خطّة سلامة؟ بحسب المطّلعين، فإن خطّة سلامة تنصّ على الآتي: بما أن رئيس الحكومة يريد أن يدفع ‏الديون، وبما أن الديون ستُدفع من احتياطات مصرف لبنان، وبما أن الدولارات شبه متوقفة عن التدفق نحو لبنان، ‏فإن الحاجة ستكون ملّحة أكثر للاستعانة بالدول المانحة لإقراض لبنان ما يحتاج إليه لتسديد ديونه وتمويل استيراد ‏السلع الأساسية. وبما أن الثقة بلبنان باتت مفقودة، فإنه لا يمكن استعادة ثقة المانحين الدوليين إلا عبر اللجوء إلى ‏صندوق النقد الدولي. هو الجهة الوحيدة التي يمكنها الإشراف على “إصلاحات” مقابل تسهيل حصول لبنان على ‏القروض، وهذه الجهة لديها برنامج واضح ومحدّد وهو أن يعمل لبنان على الآتي‎:


إعادة هيكلة القطاع العام من أجل إصلاح النفقات العامة، وزيادة الضرائب لإصلاح الإيرادات العامة، ‏والخصخصة لتحقيق إيرادات إضافية وتحفيز عمل القطاع الخاص‎.
هو عبارة عن برنامج بسيط نتائجه الاجتماعية كارثية في ظل الأزمة التي أدّت إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ‏فإلى جانب تقشّف الدولة (يتردّد أن دياب حدّد للإدارات نسب الإنفاق من موازناتها)، انتشرت ظاهرة إقفال ‏المؤسسات وصرف العمال ونقص الوظائف وارتفاع منسوب الرغبة في الهجرة… فوق ذلك كلّه، فإن الالتزام ‏ببرنامج صندوق النقد الدولي، يتضمن عمليات صرف لأجراء القطاع العام وخفض تقديماتهم، وربط شبكات ‏الأمان الاجتماعي بمعايير انتقائية لا تأخذ في الاعتبار الثقافة المحلية… أما الأسوأ، فأن يكون تسديد الأموال ‏المقترضة مرتبطاً ببرامج محدّدة يتحكّم بها صندوق النقد الدولي والدول ذات المصلحة. بمعنى آخر سيكون عبارة ‏عن وصاية مالية واقتصادية على لبنان. سيناقشون كل قرش ننفقه على الأكل والشرب ولمن يذهب وكيف يُدفع. ‏والأنكى من ذلك، أن جزءاً من هذا التمويل سيذهب لتعزيز رساميل المصارف، رغم أن هذه الأخيرة التي كانت ‏تجاهر بأنها تعمل وفق قواعد السوق، يجب أن تحترم هذه القواعد: المُفلس يخرج خاسراً، والقادر يواصل بشروط ‏السوق الجديدة‎.

صندوق النقد أيضاً‎
على أي حال، هناك وجهة نظر ثانية تشير إلى أن التخلّف عن سداد الديون، وخصوصاً الديون الخارجية أو التي ‏يحملها أجانب، يوقع لبنان في أزمة تستجلب أيضاً صندوق النقد الدولي. فإذا تخلّف لبنان عن السداد يصبح خاضعاً ‏مباشرة لدعاوى يقيمها الأجانب عليه في محاكم نيويورك كما تنصّ عليه عقود سندات اليوروبوندز. وهذا الأمر ‏سيدفع حملة السندات الأجانب إلى محاولة حجز أصول الدولة اللبنانية أينما وجدت، سواء كانت أصولاً منقولة أم ‏غير منقولة، يعني الذهب والطائرات وحتى الاعتمادات المفتوحة لاستيراد القمح والطحين وسواها. ولن يقبل ‏الدائنون الأجانب بأي حلّ لا يكون فيه صندوق النقد الدولي طرفاً ضامناً، لذا بدأ يتنامى تيار يسوّق للذهاب إلى ‏صندوق النقد الدولي طالما “نحن قادرون على السير” على أن يقدّم لبنان وعوداً على شاكلة الاقتراح الذي تقدّم به ‏وزير الاقتصاد السابق رائد خوري: الدولة تتحمّل مسؤولية الإفلاس ويجب عليها تمليك الدائنين ممتلكاتها. ما قاله ‏خوري علناً كان يهمس به طوال الفترة الماضية مع تعديلات شكلية طفيفة: يجب إنشاء صندوق سيادي يتملك ‏أصول الدولة ويتملك الدائنين أسهماً فيه إلى جانب حصّة للجمهور (يشتريها المساهمون لاحقاً). الهدف هو بيع كل ‏ما تبقى للدولة من عقارات وشركات مثل ميدل إيست، كازينو لبنان، انترا… واللافت أن هذا الأمر أشير إليه في ‏النسخة المسرّبة للبيان الوزاري التي تتحدث عن خفض الدين العام عبر تشركة بعض القطاعات العامة ذات الطابع ‏التجاري‎!‎

في الواقع، هناك قلّة تبحث عن الحلول الداخلية المحلية التي يجب أن تكون قائمة على خطّة واضحة لتغيير ‏اقتصادي جذري يبدأ بخفض الفوائد على القروض إلى مستويات متدنية ومقبولة، وتوفير السيولة لتمويل تطوير ‏القطاعات الاقتصادية المنتجة بدلاً من صرف الأموال على الديون والبدء بتكوين موجة ديون ريعية جديدة تنفق ‏أموالها على الديون والعقارات. بعض الخبراء يعتبرون أن الدين المحمول من شركات أجنبية وأفراد أجانب يمكن ‏التعامل معه نظراً إلى قيمته المتدنية (لا يفوق 10 مليارات دولار) ونظراً إلى وجود رغبة دائمة لدى الدائنين بأن ‏تتمكن الدول من خدمة الدين التي تشكّل هدفاً بحدّ ذاتها لدى الدائنين. لذا يمكن الرهان على التوصّل إلى طريقة ‏لإعادة جدولة هذا الدين، فيما يجب التعامل مع الدين الداخلي بطريقة مختلفة “أما الخوف من أن تصنيف لبنان ‏سيتدهور إلى الإفلاس الانتقائي، فمن المعروف أن درجة التصنيف التي فيها لبنان اليوم لا تختلف كثيراً عن درجة ‏الإفلاس، وبالتالي فإن مسألة التصنيف لا تهم بمقدار أهمية عدم التفريط بما تبقى من عملات أجنبية نملكها في ‏مصرف لبنان‎”.‎

 

الأخبار