الرئيسية / محليات / مصير الودائع بالدولار… شكوك وقلق

مصير الودائع بالدولار… شكوك وقلق

مجلة وفاء wafaamagazine 

رغم كل التطمينات التي تحاول المراجع المالية المختصة بثها، الّا انّ القاصي والداني يعلم انّ الامور لن تعود الى سابق عهدها، وانّ لبنان ما قبل 17 تشرين ليس كما بعده، كما انّ اوضاع المودعين الاجتماعية والمالية لن تكون كما في السابق، بل ستزداد انحداراً. فهل من يخبر اللبنانيين صراحة حقيقة الوضع؟

المنطق غير صحيح، فلتقم الدولة ببيع الذهب الصالح المقرض الاول في لبنان، وهم المودعون. أليس هم ايضاً اصحاب حقوق لدى المركزي حيث توجد اكثر ودائعهم التي لا يعرف احد مصيرها؟

 

خطة الحلول: لا مخرج بدون دولارات جديدة

خطة مارشال لإعادة بناء الاقتصاد وخزينة الدولة استمرار النظام الريعي لمدة 27 سنة، وقبله كانت هناك حرب اهلية بشعة دمّرت اكثر ركائز القطاعات الانتاجية في لبنان. وبالاشارة الى المقطع السابق حول رسملة المصارف، واجواء الثقة المطلوبة لذلك، ينطبق نفس المبدأ على اعادة تأهيل القطاعات الاقتصادية الانتاجية من زراعة وصناعة وسياحة وخدمات وتجارة. هذا يتطلب رأسمالاً وتسهيلات مصرفية. وبدون اعادة رسملة المصارف لن يعود إحياء الانتاج في لبنان، وبدون تسهيلات مصرفية لن يستطيع مستثمرها ضَخ رأسمال كامل، وبدون اعادة الانتاج بشكل جدي وخلق فرص عمل وقدرة شرائية فعلية، لا رواتب دفترية، لن تستطيع الدولة تحصيل واردات من جمارك وضريبة قيمة مضافة وضريبة دخل وضرائب أرباح شركات ورسوم وغيرها…

 

أصبح لبنان بحاجة الى خطة مارشال متكاملة للوقوف على رجليه مجدداً وليكون قادراً ان يتنافس في محيطه. الخطوط العريضة لهكذا خطة لن تكون تقليدية، فاليوم كما العادة استفاقت الحكومة الجديدة كما سابقاتها بالضغط لتخفيض الفوائد لتشجيع الاستثمار وما الى هناك من نظريات تقليدية. كالعادة يعتمدون إجراء ما، ولو كان صحيحاً، ولكنه يكون متأخراً.

 

حتى تصفير الفوائد اليوم لم يعد يجدي كون كل الفوائد الدائنة والمدينة دفترية. ما يحتاج لبنان اليوم هو ضخ سيولة كبيرة في نظامه، بدءاً برسملة المصارف مروراً بتمويل ورسملة القطاعات الانتاجية. والمطلوب مبالغ ليست يسيرة. فكما قلنا تحتاج المصارف حوالى 30 مليار دولار (قد يكون جزء صغير منها) تحويل الودائع الى اسهم، كما يحتاج لبنان الى عشرات المليارات من الدولارات، لا يمكن تقديرها عند كتابة هذا المقال، لرسملة قطاعاته الاقتصادية. تترافق هذه الخطوات لو تمّت مع اعادة هيكلية الدين لتقليص حجمه وخدمته والتخلّص من نظام الفوائد الريعي، ممّا يعيد حجم الدين متوازياً مع حجم الاقتصاد.

 

فقط وعندها فقط، يمكن الحديث عن موازنة متوازنة والبحث في التخصيص او الشراكة مع القطاع الخاص. أبسط مقومات التخصيص هي الثقة ثم الثقة ثم الثقة، يليها وجود نظام القانون الغائب حالياً اضافة الى جهاز قضائي فعّال لا يرتبط بالسياسيين. بالخلاصة تحتاج الخصخصة، كما إعادة الرسملة المصرفية والاقتصادية، الى دولة مدنية حضارية قادرة وعادلة. كل هذه الاوصاف معدومة في لبنان، حيث تديره دولة فاشلة بكل معنى الكلمة.

 

الفساد والنفاق في التعاطي مع الداخل والمجتمع الدولي

– الفريق السياسي الذي حكم لبنان منذ انتهاء الحرب اللبنانية حتى اليوم، والذي كما ذكرنا، هو في حِلف فولاذي مع رجال المال والمصالح، لا يزال متمسّكاً بالسلطة غير آبه بما أوصل اليه البلاد. ما زال نفس الفريق يجتمع ويبتسم، وكأن لا مواطنين يبكون جَنى العمر وضياع المستقبل. ليس هناك أيّ وصف لغوي لهؤلاء. هم يعتقدون انهم خالدون كما صدّق فرعون وصدام والقذافي وزين العابدين بن علي وعيدي امين وغيرهم من جبابرة الانسانية.

 

نقول لهم لن يأتي حال بعد الآن بوجودكم، وتمسّككم بالسلطة سيقضي على ما تبقى من امكانية لإنقاذ الفقراء الذين تسببتم بمأساتهم. البعض منكم، وبعد ان كان يرفض مبدأ التواصل مع الهيئات والصناديق الدولية، سيستجديهم قريباً. وغير معروف اذا كانوا سيلبّون ام لا، ولكنهم لو لبّوا فسيكون لأهداف لهم وليست لكم. من المحزن انّ هناك فريقاً كبيراً من اللبنانيين بات لا يشجع أن تأتينا مساعدات او قروض وهبات جديدة من الخارج حتى لا يكون مصيرها كمصير باريس 1 و2 و3.

 

أيّ شخص في الداخل او المجتمع الدولي ما عاد يعرف أسماء الزعامات والاحزاب والشخصيات الفاسدة في لبنان؟ من لا يعرف انّ في لبنان دولة فاشلة يديرها سياسيون يتحاصصون مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي والمدعي العام المالي والمدعين العامين والقضاء العسكري والتفتيش القضائي والمراكز الامنية من جيش وأمن دولة وامن عام وامن داخلي، وهيئات الرقابة من ديوان محاسبة وتفتيش مركزي ومجلس خدمة مدنية ومجالس انماء واعمار وجنوب ومهجّرين وكازينو وريجي وضمان اجتماعي وكهرباء ومياه ومطار ومرفأ ونفط وغاز، وهيئات ناظمة ووكالات إعلامية وصحافة وجامعات ونقابات وبلديات. من لا يعرف ان لا أحد بعد الآن سيمدّ يده لهذا النظام التحاصصي الفاسد، وانّ أي خطة لإعادة الثقة في لبنان وبناء الدولة المدنية الحديثة لن تتمّ إلّا بعد التخلص من نظام المحاصصة والدولة الفاشلة والقائمين عليها. المجتمع الدولي والهيئات والمنظمات الدولية باتت تعرف كل الحقائق عن لبنان وما يحصل فيه.

 

يجب التذكير انّ كل المبالغ التي رصدت في صفقة القرن لإغراء كل الدول بالموافقة عليها كانت 50 مليار دولار، منها للبنان 6 مليارات فقط. فإذا كان الاغرار لهدف كهذا بهذه الضآلة، فمن أين ولماذا سيعطى لبنان حوالى 40 مليار دولار يحتاج لها للنهوض اضافة الى الحاجة السنوية بحدود 22 مليار دولار، منها 14 مليار دولار جديد و8 تدوير أرقام استحقاق وفوائد.

 

الحراك المدني:

لذلك، يجب على حراك الانتفاضة – الثورة ألّا يتوقف. ولكن ضمن قيادة وبرنامج عمل وتوحيد مطالب تبدأ أوّلاً، وفي المرحلة الحالية، بأن تركّز على استعادة الودائع والاموال المهرّبة والاموال المنهوبة. وفي حال فشل الجهود في الداخل، وعلى الأرجح ستفشل، يصبح لزاماً على قيادة هذا الحراك اللجوء الى كل السبل القانونية المتاحة دولياً لتحقيق هذا الهدف.

 

الجمهورية