الرئيسية / آخر الأخبار / فضل الله : ما زلنا على قناعتنا ان هذا البلد قادر على تجاوز حال الانهيار ومواجهة الكثير من التحديات

فضل الله : ما زلنا على قناعتنا ان هذا البلد قادر على تجاوز حال الانهيار ومواجهة الكثير من التحديات

مجلة وفاء wafaamagazine

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التّقوى، علينا الاستهداء بهذه الأبيات التي قالها الإمام علي الهادي(ع) في محضر المتوكّل؛ هذا الإمام الذي نعيش ذكرى وفاته في الثالث من شهر رجب. وقد كان الإمام(ع) يذكّر المتوكّل بعد أن أحضره إليه، بما سيؤول إليه حاله وحال كلّ الطغاة:
باتوا على قللِ الأجبال تحرسُهم غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
واستنزلوا بعد عزٍّ من معاقلهم وأودعوا حفراً يـا بئس ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا أين الأسرّةُ والتّيجانُ والحللُ
أيـن الوجوه الّتي كانتْ منعّمةً من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكللُ
فـأفـصـحَ القبرُ حين ساءلهم تـلك الوجوه عليها الدّودُ يقتتلُ
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
وطالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ففارقوا الدّورَ والأهلينَ وارتحلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا فـخلّفوها على الأعداء وانتقلوا
أضـحـت منازلُهم قفراً معطّلةً وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
أيّها الأحبّة:
لقد أراد الإمام(ع) من خلال أبيات الشعر هذه أن يذكر المتوكل بالحقيقة التي ينساها أو يتناساها، والتي إن تذكرها فسيشعر بمدى ضعفه ولن يطغى بعدها، ويتجير ويتكبر، وهي أنه مهما علا وكبرت قدراته وإمكاناته والناس الذين يحيطون به لن يستطيع أن يختار اللحظة التي ينزل فيها إلى قبره وحيداً لا مال ولا رجال ليواجه المسؤولية بين يدي الله، ماذا فعلت وما الذي قدمت لهذا اليوم..
هو درس لنا إن وعيناه فسنصبح أكثر تواضعاً وشعوراً بالمسؤولية وسنقدر بالطبع على مواجهة التحديات..
والبداية من لبنان الذي تزداد فيه معاناة اللبنانيين على الصعيد المعيشي وعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية والتي وصلت إلى حد المس برغيف خبزهم..
في هذا الوقت ينتظر اللبنانيون ما الذي ستعتمده الحكومة اللبنانية من تصور لكيفية الخروج من الأزمات التي يعاني منها البلد، وهم يأملون أن يلبي هذا التصور طموحاتهم والتي لأجلها خرجوا إلى الساحات ولا يزالون، من ضرورة إيقاف مزاريب الهدر والفساد ومن إعادة الأموال المنهوبة من الدولة إليها وحل أزمة الودائع في المصارف وارتفاع سعر الدولار وأسعار السلع، إضافة إلى تفعيل عمل مؤسسات الدولة واجراء الإصلاحات فيها لتقوم الدولة بالخدمات المطلوبة منها لمواطنيها وتثبيت دعائم قضاء عادل ومستقل وإدارة بعيدة عن المحاصصات، وأن لا تخضع الحكومة لسياسات تثقل كاهل اللبنانيين، هم غير قادرين على تحملها، وأن تأخذ في الاعتبار في قراراتها مصلحة الوطن وسيادته لا أن يتحول البلد إلى رهينة لإملاءات يريدها الخارج.
إننا مع وعينا أن تحقيق ما نصبو إليه لن يكون سهلاً في ظل الأوضاع القاسية التي يواجهها البلد على الصعيد المالي والاقتصادي، وفي ظل التجاذبات السياسية الداخلية والضغوط التي يمارسها الخارج…
فإننا ما زلنا على قناعتنا ان هذا البلد قادر على تجاوز حال الانهيار ومواجهة الكثير من التحديات عندما تكون الحكومة جادة في الإصلاحات ولا تأخذ بعين الاعتبار أي مصلحة سوى مصلحة هذا البلد والنهوض به، فهذا سيؤدي إلى التفاف الناس حولها، وهم الذين ضاقوا ذرعاً بما جرى لوطنهم ولا يريدون العودة إلى تجارب سابقة أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه، كما سيلقى تفهماً من الذين يتعاطفون مع لبنان في الخارج، والذي يريدون منه الإصلاحات لا أي أمر آخر.
ونحن في هذا المجال نعيد الدعوة إلى كل القوى السياسية إلى أن تتحمل مسؤوليتها في هذه المرحلة الصعبة التي يقف فيها البلد بين خيارين خيار البقاء أو عدمه لنقول لهم مجدداً: إن الوقت ليس وقت تصفية الحسابات وتسجيل النقاط، بل هو وقت التشاور والتناصح والعمل المشترك والقول: لأسالمن ما سلمت أمور المواطنين.
في هذا الوقت يشع للناس باب ضوء بعد البدء بعمليات التنقيب عن النفط.. لكن هذا يبقى مرهوناً بمدى قدرة الدولة على إبعاد هذا القطاع عن المحاصصة التي عهدناها في هذا البلد، أو أن تضيع مقدراته في متاهات الفساد والهدر..
وعلى صعيد آخر يواجه اللبنانيون تحدياً مقلقاً لهم وباعث للرعب في نفوسهم، وهو التحدي المتمثل في فيروس كورونا الذي وصل إلى لبنان والذي أصاب مناطق وبلدان عديدة من العالم.
إننا أمام ما يجري ندعو وزارة الصحة إلى تعزيز الإجراءات الوقائية التي تقوم بها، كما ندعو إلى تضافر الجهود الفردية والمجتمعية والمؤسسات الصحية والبلدية للقيام بالتوعية والتثقيف والرقابة لضمان قيام الأفراد بمسؤوليتهم في الوقاية التي هي الأساس في مواجهته.
كما يبقى لنا ان نحذر من ادخال هذا المرض في إطار الصراع السياسي والحسابات الضيقة وتحويله إلى مادة للتراشق وتحميل المسؤوليات فنحن احوج ما نكون إلى تضافر جهود الجميع من اجل الحد من انتشاره.