مجلة وفاء wafaamagazine
تأخذ قضية التخلّف عن دفع سندات اليوروبوندز وورشة إعادة هيكلة الدين العام، كل الاهتمام الحكومي خارج التركيز على أزمة فيروس كورونا المستجدّ. وهذا الأمر، لا يقتصر على رئاسة الحكومة، بل يضرب الوزارات التي تعاني شبه جمود، منذ ما قبل تفشّي الوباء، لعدّة عوامل، أوّلها عدم حصول الوزارات على اعتمادات من وزارة المال لإجراء عقودها وعدم ثقة القطاع الخاص بقدرة الوزارات على سداد استحقاقاتها، في نفس الوقت تخبّط الوزراء الجدد في التركة الثقيلة الموجودة في إداراتهم.
فعلى أهمية قرار التوقّف عن السداد، إلّا أن هذا القرار سيف ذو حديّن، فإن لم يترافق مع الخطة الاقتصادية والمالية المنتظرة وبإجراءات سريعة لضبط الأسواق واستعادة الثّقة بالدولة، وهو ما لم يحصل حتى الآن، فإن هذه النتائج لن تحد من الانحدار المستمر منذ سنوات، وبلغ ذروته العام الفائت ولا يزال مستمراً. فاللجنة الحكومية المكلّفة إعداد الخطة، مثقلة بالمستشارين الماليين وذوي الارتباطات السياسية، وكل نقاش يأخذ أبعاداً وأبعاداً ويدور في حلقات مفرغة، ما يعرقل إنجاز الخطّة في ظلّ المخاطر الداهمة.
ففي ما يتعلق بموضوع «قص الشعر» (الاقتطاع من الودائع الكبيرة والديون)، طرح في الجلسة الحكومية أول من أمس، لكنه يحتاج الى الكثير من النقاش. فالسؤال الأساسي هو حول من سيطاوله هذا الإجراء؟ وما هو البديل؟ والتوجه حتى الآن، بحسب مصادر حكومية، «هو البدء بالهير كات على السندات واليوروبوندز وشهادات الإيداع، واذا كان لا بد من إجراء «هير كات» على ودائع الناس، فاستطراداً يبدأ من الذين لديهم ودائع عالية، والهير كات يطاول الفوائد لا أصل الودائع». وكان لافتاً في الجلسة أن كل وزير كان يطرح رقماً معيناً حول الودائع التي يجب أن تطاولها الـ«هير كات» والنسب.
أما بشأن إعادة هيكلة البنوك، فأكدت المصادر أن «هناك إصراراً على أن تتحمل المصارف المسؤولية وأن تقوم هي بتأمين الأموال من الخارج واسترجاعها بعدما قامت بتحويل جزء كبير منها».
وبلا شكّ، أثار الاجتماع الذي عقده المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم مع ممثلي المصارف، حول إجراءات «الكابيتال كونترول»، حفيظة الحكومة التي تستعد لإدراج مشروع القانون على جدول أعمالها، تمهيداً لإقراره والتصويت عليه. إذ إن الاجتماع لم يحظَ إلّا بالانتقادات، على اعتبار أنه ليس من صلاحية القضاء إبرام اتفاقات من هذا النوع ليست قانونية ولا ملزمة، كما اعتبر آخرون أن هكذا إجراء يبرئ المصارف ويعطيها ورقة قوة للسطو على أموال المودعين.
وبحسب مصادر وزارية، فإن مشروع القانون الذي سيبحثه مجلس الوزراء بشأن القيود على الحسابات المصرفية يحرر صغار المودعين من سطوة المصارف واستنسابيتها»، إذ يحدد سقف السحوبات بـ 300 مليون ليرة سنوياً، أي 25 مليون ليرة في الشهر، و50 ألف دولار سنوياً، أي حوالي 4200 دولار شهرياً، بالإضافة الى التزامات إدارية أخرى لها علاقة بتحويلات إلى الخارج في حالات محددة (كالدراسة والطبابة والإقامة في الخارج). وبحسب المصادر، فإن مشروع القانون يفرض على المصارف عدم وضع أي قيود على الرواتب والأجور والأموال «الطازجة»، سواء أتت من داخل لبنان أو من خارجه.
وخلافاً لكل التسريبات عن مفاوضات خلفية تجرى مع الدائنين بشأن سندات «اليوروبوندز» لمرحلة ما بعد التوقف عن السداد، قالت مصادر حكومية إن «المفاوضات الجدية المباشرة لم تبدأ بعد»، صحيح أن «شركة لازارد تتحدث مع بعض هذه الجهات وتحديداً صندوق أشمور، إلا أننا في انتظار يوم الإثنين المقبل تاريخ تحديد موقفهم النهائي من قرار لبنان تعليق الدفع». وأكدت المصادر أن «ما يُحكى عن قنوات اتصال بين المصارف والدائنين غير صحيحة، فنحن تخطينا هذه المرحلة، والسؤال هل سيلجأ هؤلاء الى القضاء الأميركي أم لا؟»، مشيرة الى أن «الأجواء التي نقلت في الاجتماع المالي أول من أمس في السرايا أن الدائنين لا شك سيتّجهون الى رفع دعاوى، لكنهم في الوقت نفسه سيفتحون خط تفاوض». ولفتت إلى أن «التفاوض يجب أن يحصل عن 29 استحقاقاً وليس عن استحقاقات عام 2020».
وعلمت «الأخبار» أن الفريق الحكومي تلقى رسالة من جهات سياسية بأن إعادة هيكلة الدين العام يجب أن تشمل أيضاً الدين الداخلي، فالمصارف حققت أرباحاً كبيرة في الفترة الماضية، وقد طرحت فكرة إجراء تقييم لآخر 15 سنة لتحديد الأرباح من الفوائد واستعادة جزء منها.
وقالت مصادر سياسية بارزة، إن هناك قرارات مطلوبة سريعاً من الحكومة، فلا يعقل أن «يبقى حاكم مصرف لبنان الآمر الناهي في التعميمات، وسوق الصرافين مشرّعة بهذا الشكل، لذا يجب تعيين نواب الحكام وعودة المجلس المركزي للانعقاد واتخاذ إجراءات عملية لضبط سوق الصيرفة».