مجلة وفاء wafaamagazine
يمرّ لبنان والعالم بمرحلة عصيبة بسبب فيروس كوفيد 19، ويبدو أنّ العلاج الوحيد لوضع حد لتفشّيه بين الناس هو الإنغلاق في البيت أو ما يسمّى بالحجر المنزلي، أي تخفيف قدر الإمكان الاحتكاك بالمجتمع والعائلة. ولكن تظهر مشكلة أخرى هي: كيف يمكن أن يمضي الإنسان وقته بدون ملل وبدون الشعور بالقلق الذي يطرق أبواب جميع اللبنانيين؟
الموسيقى هي الإجابة. فليست الموسيقى مجرد «تمضية وقت»، بل هي تقنية للعلاج النفسي عند الأشخاص الذين يعانون الضيقة النفسية. فكيف يمكن أن نستغلّ وجودنا في البيت واستعمال الموسيقى كتقنية تعالج الخوف والقلق؟ كيف يمكن اختيار الموسيقى المناسبة لحالتنا النفسية الحالية؟ وما هو دور الأهل في توجيه أطفالهم إلى سماع الموسيقى خلال الحجر المنزلي؟
تعتبر الموسيقى من الفنون الأكثر تأثيراً، لذا اعتبر فلاسفة الإغريق أنّ للموسيقى قوة إيحائية وروحانية على جميع الكائنات. فاعتُمِدَت الموسيقى في جميع المناسبات من افراح واحزان، لأنها لغة الشعور كما وصفها الفيلسوف شوبنهاور. أمّا بالنسبة الى الدراسات النفسية حول الموسيقى، فأكدت صحة ما فَسّرته الفلسفة من أنها «دواء» لجسد الإنسان المريض.
والجدير بالذكر أنّ الموسيقى تعتمد على حاسّة السمع الذي تنقل «ذَبذباتها» إلى الدماغ، وتؤثر إيجاباً على النفس والروح. كما تؤثر على كامل الاعضاء من خلال انتقالها عبر الخلايا العصبية من الدماغ الى الجسد، وهذا ما أكدته الدراسات النفسية حول الموسيقى، كونها تقنية تدخّل نفسيّ. ولمعرفة كيفية استعمال الموسيقى كتقنية استرخاء لكل أفراد العائلة، أجرَت «الجمهورية» مقابلة مع الدكتورة حمدة فرحات، أستاذة علم النفس العيادي والمرضي في الجامعة اللبنانية ومؤسسة العلاج بالموسيقى في لبنان.
الموسيقى والحجر المنزلي
النشاطات هي المخرج الوحيد لتمضية الوقت من دون ملل. ومن هذه النشاطات، الموسيقى التي ليست فقط للتسلية ولكن للإسترخاء. ولكن ما هي آخر الدراسات التي أكدت أنّ الموسيقى تقنية علاجية للإضطرابات النفسية؟
تفسّر الدكتورة فرحات بأنّ «هناك العديد من الدراسات العالمية واللبنانية، تؤكد أنّ الموسيقى تساعد في تخفيف الافراط الحركي ونقص الانتباه والتشَتت عند الأطفال. كما انّ لها آثاراً إيجابية مميزة لدعم مرضى السرطان والامراض المزمنة والادمان على المواد والتعامل مع الاحتراق النفسي، أي ما يسمّى بالـBurnout».
وتضيف الدكتورة بأنّ «للموسيقى تأثيرات أخرى على حياتنا اليومية، ومنها تعديل سلوك قيادة السيارة وتخفيف التوتر والقلق الذي نعيشه يومياً خاصة خلال هذه المرحلة الدقيقة. كما تساعد في تخفيف الشعور بالإحباط وتقوية جهاز المناعة العصبي واضطرابات ما بعد الصدمة، وحتى في مجالات الصحة والطب كالعمل على بدائل التخدير الكيميائي وغيره».
التقنيات الموسيقية في المنزل!
وتفسّر الدكتورة فرحات بأنّ «اعتماد الموسيقى في حياتنا اليومية يساعد على تقوية الجهاز المناعي من خلال مسار يبدأ في الأذن مروراً بالدماغ والخلايا الدماغية، التي بدورها تقوم بإفراز الهورمونات المحفّزة لجهاز المناعة. في البيت، نستطيع تطبيق جلسات عائلية بسيطة من خلال اختيار موسيقى هادئة. كما تعتمد جلسات إصغاء موسيقية جماعية على اختيار مقطوعة موسيقية كما العزف الجماعي اللحني او الايقاعي الارتجالي، وهو نشاط يحبّه جميع الأطفال حيث يقوم الطفل بتقليد إيقاع معيّن مستعملاً أي غرض من البيت وليس بالضرورة آلة موسيقية». كما أكّدت الدكتورة حمدة، المؤسِسة للعلاج بالموسيقى في لبنان، أنّ «الغناء الجماعي هو تركيب كلمات على ألحان معروفة أو تلحين كلمات وجمَل تعبّر عن كورونا وعن القلق منها، وكل المشاعر التي تنتابنا، وهي نشاطات مسلية ومضحكة ومفيدة على حد سواء».
كل ذلك يخفف من التوتر والضغط النفسي والقلق تجاه كورونا، ويعدّل السلوك والتفكير، ويساعد على إعادة التوازن النفسي ممّا يقوّي الجهاز المناعي ويدعمه، خصوصاً اذا ترافق مع أدوار تمثيلية وأنشطة تعبيرية وراقصة وتحليل ذاتي للسلوك، ممّا يقرّب وجهات النظر والترابط العائلي ويساعد في اعادة صياغة وترميم اي تصدّع سابق، اذا وُجد.
إختيار الموسيقى لأطفالنا
ما الموسيقى التي تفيد أطفالنا في هذه المرحلة العصيبة؟ وهل يمكن الإستعانة بالقنوات الموسيقية الموجودة على الإنترنت؟
تجيب فرحات بأننا «نستطيع اختيار مقطوعات قصيرة من الكلاسيكيات ومن مختلف الحضارات، وهي فرصة للتعلّم والاثارة المعرفية لِما فيه من تحفيز للدماغ والابداع والثقافة الانسانية والانفتاح على الآخر. وتربط المقطوعات الفولكلورية والشعبية لكبار مؤلفينا الموسيقيين المحليين الجيل بوطنه وتاريخه الابداعي، واختيار الموسيقى المناسبة أساسي لتسهيل عملية التعلّم في البيت ومساعدة الطفل على سرعة الحفظ بعيداً عن الملل كمقطوعات لتعلّم الأحرف والحساب وأجزاء الجهاز الهضمي؛ ومقطوعات محلية وأغنيات معروفة للاطفال تتناوَل مواضيع تربوية وعلمية بشكل جذّاب».
وتختم د. فرحات أنّ «الموسيقى تؤدي دوراً مهماً في تقوية الروابط العاطفية والانسانية داخل العائلة، وترمّم ما تصدّع منها، وتساعد على حل المشكلات العالقة بشكل سريع كونها سريعة التأثير وعميقة وطويلة الأمد».
الجمهورية