مجلة وفاء wafaamagazine
وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، رسالة عيد القيامة لعام 2020 بعنوان “نموت مع المسيح لنحيا معه”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط والعالم، وكذلك الأزمة المخيفة بتفشي وباء “كورونا” المستجد. وقال إنّ “وباء كورونا الذي يجتاح عالمنا اليوم ويفتك بالآلاف من البشر يذكرنا بالأوبئة التي عصفت بالعالم على مر الأزمنة، إلا اننا وبقوة ربنا يسوع المنتصر على الموت سنتغلب عليه لا محالة، وستعود دورة الحياة إلى طبيعتها. ويا ليت المتحكمين بشؤون الناس في هذا العالم يتعظون، فيترفعون عن أنانياتهم ومصالحهم الضيقة، ويدركون أن جبروتهم مهما عظم فهو صغير جدا أمام فيروس لا تراه العين المجردة، لكنه تفشى في الكرة الأرضية بسرعة مهولة”.
وأضاف: “نعم، لقد أجبرنا هذا الوباء المخيف الذي انتشر في العالم أن نكتفي بإقامة الصلوات والقداديس في الكنائس وحدنا مع الإكليروس من دون مشاركة عامة للمؤمنين، وكنا نود أن نجتاز زمن الصوم الكبير وأسبوع الآلام الخلاصي بشراكة إيمانية وصلوات جماعية معا، بمسيرة إيمان ورجاء نحو فرح عيد القيامة المجيدة، لكن العناية الإلهية سمحت أن تجربنا كما غيرنا من الشعوب في مختلف أنحاء العالم، فنبقى محجورين في منازلنا، حفاظا على سلامتنا وسلامة الآخرين، وتماشيا مع الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتخذتها الحكومات وتجاوبت معها توصيات الرعاة الكنسيين. ولا شك أن لهذا الحجر المنزلي نتائج سلبية على معيشة الأفراد والجماعات، إلا أننا نستطيع أن نحوله إلى زمن بركة ونعمة، معززين أواصر اللحمة العائلية وعلاقات الأخوة والصداقة والمحبة فيما بيننا”.
وتابع: “إنّنا نضرع إلى الرب الإله القدير أن يزيل هذه النكبة المخيفة عن الكنيسة ومجتمعاتنا وبلداننا والعالم، فيشفي المصابين بوباء “كورونا”، ويرحم الذين رقدوا من جرائه، ويحمي البشرية من تفشي هذا الوباء الخطير، ويحد من انتشاره، ويعضد الأطباء والممرضين والممرضات ومساعديهم في عملهم البطولي لمجابهته، ويلهم الباحثين والعلماء لإيجاد الدواء الشافي واللقاح الناجع بأسرع وقت. كما نذكر أعزاءنا المؤمنين بأهمية الصلاة الشخصية والعائلية في هذه الظروف العصيبة، فيحيا الجميع إيمانهم ويفعلونه بالمحبة المتبادلة والمشاركة الروحية. وأردف: “بعد أن تنتصر البشرية بقوة ربنا يسوع المسيح القائم من الموت على هذا الفيروس، نضع نصب أعين المسؤولين المدنيين عن شعوبنا مصلحة أبنائنا وجميع إخوتهم في مختلف البلدان.
ففي لبنان الغارق في مواجهة فيروس كورونا، ندعو السلطة القائمة المنشغلة بتوزيع ما تبقى من مغانم سلطوية على أركانها، ومنهم من يهدد بالاستقالة من مسؤولياته إن لم ينل حصته من هذه الجبنة المهترئة المسماة “التعيينات”، إلى تفعيل عملها لمجابهة هذا الفيروس والتشدد في الخيارات، حتى ولو وصل الأمر إلى اتخاذ القرار بإعلان حال الطوارئ لوقف انتشاره وتمدده وعدم التعامل معه باستهتار واستخفاف. وعلى المسؤولين ألا يغفلوا واجبهم الملح بمعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمصرفية التي تعصف بالوطن. فيكفي الشعب اللبناني ما يتعرض له من الإذلال والاستجداء على أبواب المصارف للحصول على مدخراته التي هي حقه، وهو في أمس الحاجة إليها في ظل هذه الأزمة الخانقة”.
ودعا “الشعب اللبناني الحر والمنتفض إلى إعلاء صوته كي يصل إلى أسماع الحكام وضمائرهم، فتستيقظ النخوة والوطنية في نفوسهم، ويكفوا عن ممارساتهم، ويرضخوا لمطالب الناس، لتتم فور الانتصار على هذا الفيروس، الدعوة إلى تشكيل سلطة نزيهة وكفية خارج قيد المحاصصات والصفقات، يكون همها الأول والأخير المواطن اللبناني وحماية مصالحه وتأمين استقراره وعيشه الكريم المستحق، ومحاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة.
وفي سوريا الجريحة، نجدد نداءنا بوجوب وقف كل النزاعات المسلحة، وندعو القوى العالمية المتقاتلة في ما بينها إلى الامتناع عن استعمال سوريا ساحة لصراعات الآخرين على أرضها. وندعم كل الجهود الرامية لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات وفقا مصلحة الشعب السوري، عبر المصالحات الصادقة، بهدف صيانة البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها، لتعود سوريا إلى سابق عهدها من الازدهار وتبني التعددية، ومساحة للتلاقي بين مختلف مكونات الشعب السوري.
أمّا العراق الحبيب، فشعبه يصارع منذ عشرات السنين لاستعادة العيش الحر والكريم والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وبعدما تخلص من احتلال المجموعات الإرهابية لقسم من أراضيه، لا يزال يطالب بحكم نزيه وحكام غير فاسدين. إننا نصلي من أجل تشكيل حكومة جديدة تلاقي تطلعات جميع المواطنين وتلبي المطالب المشروعة للمنتفضين، وتضمن حقوق المواطنة السليمة لجميع مكونات الشعب العراقي، على اختلاف انتماءاته السياسية ومعتقداته الدينية”. وأضاف: “وتتجه أنظارنا إلى الأرض المقدسة، وندعو إلى أن تسود فيها ثقافة المسامحة وقبول الآخر، مؤكدين على أهمية بقاء القدس عاصمة للدولتين، وأن يتعزز السلام في الأرض التي قدسها الرب يسوع بميلاده وكرازته وموته وقيامته.
وفي الأردن، نشكر السلطات على ما تبذله من جهود لتوطيد ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، ساعية إلى تحقيق التضامن والتلاحم بين مختلف مكونات الوطن. وكذلك مصر التي يسعى المسؤولون فيها الى أن يعززوا التضامن بين مكونات شعبها، مثنين على جهودهم في توفير الحرية والأمان لسائر المواطنين، بالأخوة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات”. وتوجه بـ”الفكر والمعايدة إلى أبناء الكنيسة في تركيا وفي بلاد الانتشار في أوروبا والأميركتين وأوستراليا”.
وفي كلمته الروحية، تحدث البطريرك عن “القيامة كمصدر للحياة مع المسيح، والبرهان الأصدق لألوهيته، والعلامة على انعتاق المؤمنين من عبودية الخطيئة”، مؤكّداً أنّ “آلام المسيح هي منبع حياة، إذ “نموت مع المسيح لنحيا معه”.