مجلة وفاء wafaamagazine
الحاجة أمّ الاختراع. من المؤكد أن العالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى لقاح لفيروس كورونا. وإذ تقول المعلومات الطبية أن إنتاج أي لقاح لأي مرض كان، لا يكون قبل ستة أشهر، فإن الحاجة الملحة الآن هي للتجهيزات الطبية والأدوية التي تخفف من نتائج الفيروس على وظائف الجسم وأهمها التنفس.
بغض النظر عن الفضائح التي نسمع بها يومياً حول عدم توفّر أدوات الحماية الصحية، وأولها الكمامات، حيث بدأنا نشهد حملات أهلية ومبادرات إنسانية عالمية تتخطى لعبة بعض الدول القذرة بحياة ناسها وطواقمها الطبية، فإن أفقر شعوب العالم أثبتوا قدرتهم على تحمل الأزمات وبدأوا بإنتاج ما يمكن إنتاجه ومساعدة دول تملك من الأسلحة ما يبيد قارّة بأكملها.
في لبنان، لا يتعلق الأمر بطائر الفينيق، الذي نعرفه جيداً، ولا بالرماد الذي يجب أن نذره في عيون من هدروا إقتصادنا وحياتنا قبل كورونا بكثير.
لكننا، وبمبادرات فردية وجماعية بسيطة، نحاول التخفيف من آثار كورونا السياسية والصحية والإقتصادية. مبادرات شعبية تكاد توازي الجهد الرسمي لاحتواء الوباء والحد من إنتشاره.
هكذا نسمع بشكل شبه أسبوعي عن إبتكار أجهزة تنفس وكشف عن المرض وغيرها مما نحن في حاجة اليه في هذا الوقت العصيب. وهذا إن دلّ، فإنه يدلّ على شعور متأصل في اللاوعي الجماعي اللبناني بأن علينا أن نعتمد على أنفسنا أولاً وأخيراً.
صحيح أن البعض قد يستغل هذا الأمر لأغراض سياسية، وهذا مما اعتدنا عليه أيضاً، لكن تبقى هكذا خطوات في إطار غير رسمي.
اللبناني كما غيره من شعوب الدول الفقيرة، مدفوع الى تحسين واقعه بيده. فيبحث عن الخيارات ويبتكر ما يواجه به أيامه القادمة. حاجته الى الإبتكار كحاجة الكائن الحي الى الماء. من دون أن نبتكر لنجمّل حياتنا ونساعد أنفسنا على النهوض من حفرها العميقة، يعني موتنا.
ولذلك فإننا على تماس اليوم مع كل حملات المساعدة الإقتصادية والإجتماعية للعائلات الفقيرة، وحملات التوعية الصحية المجانية. هذا الأمر ينمّ عن حسّ إنساني يتعالى، رغم تفاهة البعض وطائفيتهم، يتعالى ويرتقي فوق سراديب الطائفي والمناطقي والسياسي.
ولعل ما نشهده اليوم في هذا المضمار تحديداً، هو المطلوب لتثبيت التكافل والتضامن الإجتماعي بين اللبنانيين، والتحفيز على الوعي بأن المصير المشترك هو واقع فعلاً.
أما الجانب الأكثر أهمية في هذا السياق، فهي الإبتكارات اللبنانية (خاصة ما يتعلق منها بالإختراع)، والتي كانت في الوقت السابق على كورونا مصيرها الموت والإهمال.
ربما من المجدي هنا التذكير بالجملة التي كانت تثير سخرية البعض. “هجرة الأدمغة والعقول”. هذا الأمر الذي يطفح بواقعيته نراه اليوم بأم العين. في فرنسا، أكبر الدول الأوروبية في عالم الأبحاث والتجارب الطبية وغير الطبية، يعد اللبنانيون والمهاجرون بشكل عام من أكثر الباحثين عدداً قياساً بغيرهم من الفرنسيين. لماذا؟ لأنه توفر لنا أن نبذل علمنا في المكان الصحيح.
الواقع أن بعض هذه الأدمغة قرر أن الفرصة لا تزال مؤاتية ليعمل ويبتكر رغم الإمكانيات المتواضعة جداً، في بلد يقدّر فيه حامل السلاح على حامل العلم.
أدمغة تعمل لا لتدخل التاريخ، ولا لتحصّل المال. إنها تفعل ذلك من إيمانها بأن علمها سينقذ أرواحاً بريئة كثيرة، ومرضى إن تُركوا للدولة ومقدراتها المالية والصحية، فإن معظمهم مصيره الموت.
ربما، عندما تنتهي هذه الجائحة، تلتفت الحكومة الجديدة التي تؤمن بالإختصاص، إلى الأدمغة التي ساعدتها في أشد الأزمات. لعلها تتمسك بها، وتوفر لها أسباب الإبداع والنجاح في بلادها.