الرئيسية / آخر الأخبار / التوحّد خلال الحجر المنزلي

التوحّد خلال الحجر المنزلي

مجلة وفاء wafaamagazine 

يهتم العالم أجمع بتقديم التفسيرات العلمية الجديدة وكتابة المقالات التوعوية، ناهيك عن المقابلات التلفزيونية التي تدور جميعها حول موضوع «التوحد»، وطبعاً مساندة كل عائلة لديها طفل يعاني هذا المرض. ولكن هذه السنة احتلّ موضوع «كوفيد-19» جميع وسائل التواصل الإجتماعي والجرائد وشاشات التلفاز بسبب الهلع الكبير الذي شعر به جميع سكان الأرض… ومن أكثر المقالات التي جذبت القرّاء كيفية تمضية الوقت مع العائلة، بما أنّ جميع البلدان ألزمت شعوبها بالبقاء في البيت لحصر انتشار فيروس «كورونا». ولكن ماذا عن العائلة التي لديها طفل يعاني التوحد؟ كيف يمكن أن تتساعَد لتخطي تلك المرحلة بشكل مريح وخال من الضغوطات؟ ما هو دور الأب، ودور الأم، وطبعاً دور الإخوة والأخوات على هذا الصعيد؟

د. أنطوان الشرتوني

قبل تقديم التفسيرات الأساسية حول كيفية تمضية الوقت في الحجر الصحي مع طفلنا الذي يعاني التوحد، من الجدير بالذكر أننا قرأنا وسمعنا في الآونة الأخيرة جملاً كـ»سأصاب بالتوحد بسبب انغلاقي في البيت» أو «صرت متوحداً بسبب العزلة المنزلية»… وغيرها من الجمل المؤذية. لذا، يجب أن ندرك أن لا علاقة بين متلازمة التوحد والنتائج النفسية للحجر المنزلي. ويعني ذلك أنه لا يمكن للشخص أو للطفل أن «يصيبه» التوحد بسبب الحجر الصحي. ونتمنى أن نكون علميين وعطوفين خلال استعمالنا للمصطلحات، لأنّ استعمالها بشكل خاطئ قد يكون مؤلماً للبعض أحياناً. بالعودة إلى موضوعنا – التوحد: تعتبر بعض المدارس النفسية أنّ الطفل يولد مصاباً بالتوحد. ويعاني الشخص أو الطفل المتوحد عدم القدرة على استيعاب الدماغ للمعلومات الحياتية وعلى معالجة الأمور والمشاكل وتحليلها إلّا من خلال طريقته الخاصة.

التوحد في بضعة سطور

يلازم مرض التوحد مدى حياة الفرد، فهو لا يصيب الأطفال فقط، ثم يختفي خلال عمر المراهقة ولاحقاً في مرحلة الرشد، بل تستمر هذه الحالة طوال حياة الشخص. المتابعة النفسية والسلوكية والإجتماعية أساسية في حالة التوحد الذي يصيب الذكور أكثر من الإناث، بمعدل 4 ذكور مقابل أنثى واحدة. كما يصيب جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأجناس والأعراق. ويؤدي التوحد إلى اضطرابات في اكتساب مهارات التعلّم السلوكي والاجتماعي. لذا، نجد أنّ الشخص المصاب بالتوحد يعاني صعوبات جمّة في مجال التواصل اللفظي وغير اللفظي. وعدم القدرة على التواصل يمكن أن يؤدي إلى عدم التفاعل الاجتماعي مع العائلة أو الأقران، وصولاً إلى صعوبات في ممارسة النشاطات الترفيهية. لم تؤكد دراسة علمية سبب أو أسباب التوحّد بشكل قاطع، فيعتبر الطب وعلم الوراثة أنّ التوحد سببه جيني أو خلل عصبي ووظيفي في الدماغ، كما يعتبران أنّه ربما يكون بسبب إصابات الدماغ قبل الولادة أو بعدها. وهناك فرضيات أخرى لظهور التوحّد، منها: فرضية نقص فيتامين «أ»، وفرضية الاستعداد الجيني، وفرضية التلوث البيئي. أما بالنسبة لعلم النفس التحليلي، فإنه يعتبر أن التوحّد سببه نفسي ـ عائلي… كل هذه الفرضيات وأخرى لا تساعدنا على أن نجزُم بصورة قاطعة السبب الرئيسي للإصابة بهذا المرض.

التواصل في زمن كورونا

خلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها العالم أجمع بسبب «كوفيد-19»، لم يتأزّم فقط القطاع الصحي بل انّ التواصل الإجتماعي يعاني أيضاً بسبب الحجر المنزلي الأساسي والمهم، والذي يفرض الإنغلاق في المنزل وتقليص التواصل الإجتماعي قدر الإمكان. ولكن كل شخص منّا وجد طريقة للتفاعل الإجتماعي وللتواصل من خلال الرسائل القصيرة، واستعمال وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها. وللطفل الذي يعاني متلازمة التوحد طريقته الخاصة في التواصل مع أهله أو أصدقائه من خلال سلوكه المتكرر، كتكرار كلمات أو جمل أو خلال اللعب، وعادةً يكرر الطفل المصاب بالتوحد أيضاً طريقة لعبه وربما بنوع واحد من اللعب، مثل اللعب فقط بإطارات السيارات، من دون أن يحاول التغيير إلى لعبة أخرى. وطبعاً إنّ تكرار حركات في يديه، أو في جسمه لها عدة مَعان خاصة. ولكنّ المشكلة الأكبر في هذا الخصوص هي فهم طريقة التواصل مع طفلنا الذي يعاني مرض التوحد، خاصة أنّ له دراجات، منها خفيفة حيث يستطيع الاهل وبسهولة الدخول إلى عالمه الخاص وبناء حوار فعّال معه. ولكن ماذا عن الأطفال الذي يعانون درجة توحد عميقة (Autisme profond). فالمهمة هنا أصعب والمحاولات بشتى الطرق للتواصل معهم متعبة ولكن مجدية. إنّ حسّ الأمومة والأبوّة أساسيان في هذه المرحلة، كما يمكن طلب المساعدة من أخصائيين في التربية المختصّة، كالمربية التي تعمل مع الطفل في المركز أو المؤسسة التي ينتمي إليها. فطبعاً للمربيّة طرق خاصة يمكن أن تساعد الأم والأب وطبعاً الإخوة والأخوات في بناء جسر التواصل معه، خاصة خلال الحجر المنزلي.

كيف نتواصل مع طفلنا المتوحد؟

عادةً، يساعد التواصل الإجتماعي، من خلال إرسال رسائل «شفهية أو كتابية أو حركية»، في معرفة «طلب» الآخر كمساعدة أو مشاركة فكرة… ولكن عند الطفل الذي يعاني التوحد (وحسب درجاته: توحد خفيف أو عميق) هذا التفاعل، في أغلب الأحيان، غير موجود. فنجد صعوبات كبيرة في اكتراثه للأحاديث مع أقرانه أو مع مختلف أفراد عائلته. ودور الأهل أساسي لتعزيز التفاعل والتواصل الإجتماعي معه.

وللأهل سلوكيات خاصة يجب الإنتباه إليها خلال تواصلهم مع طفلهم الذي يعاني متلازمة التوحد، هي التالية:

– طلب المساعدة من الأخصائيين النفسيين للدعم النفسي، ويمكن الاستفادة من تجارب وخبرات العائلات الأخرى التي لديها شاب مراهق مصاب بالتوحد أيضاً، وتَعلّم طرق جديدة تساعد الوالدين على التأقلم مع ولدهما المصاب بالتوحد.

– الإبتعاد عن الغضب والشعور بالحزن بسبب حالة طفلهم. وطبعاً من الصعب تَقبّل الواقع دفعة واحدة خاصة حين يقارن الأهل طفلهم بأطفال آخرين. ولكن ما يجب معرفته هو أنّ الطفل المتوحد هو كباقي الأطفال، لديه مشاعر وأحاسيس وحاجات يجب أخذها بعين الاعتبار.

– عدم النسيان بأنّ الطفل المتوحد لديه حاجات ويجب مراعاتها.

وأهم النقاط التي تبني علاقة تواصل مع الطفل المتوحد هي التالية:

– إستعمال الصور وإشارات الإصبع والإشارات الحركية والإيمائية عند المراهقين المتوحدين الذين لا ينطقون أبداً. وعدم كثرة الكلمات والجمل الطويلة، بل يجب أن تكون الكلمات بسيطة والجمل قصيرة.

– تحديد جدول النشاطات له (وحالياً نشاطات داخل المنزل).

– الإبتعاد بشكل قطعي عن العدوانية بكل أشكالها (اللفظية والجسدية).

– يجب الاستماع إلى الطفل المتوحد أو محاولة فهم ما يقصده، فالاستماع إلى ما يعبّر عنه بطريقة مباشرة، أي عبر «الكلام»، أو غير مباشرة، أي عبر «إشارة الإصبع»، يساعد في فهم مطلبه.

– الصبر وهدوء الأعصاب هما مفتاح نجاح التواصل مع الطفل الذي يعاني متلازمة التوحد، فعلى الأهل أن يفكروا بهذه الطريقة: إذا استعملت العدوانية والغضب، فإنهما لن يجديا في تعاملي مع طفلي. بينما إذا كنت هادئاً، فإنّ طفلي سيفهم طبعاً ما أطلبه حتى لو لزم الأمر وقتاً طويلاً.

– مشاركة الطفل المصاب بالتوحد في الحياة اليومية للعائلة. وهذا الأمر يعزز انتماءه كما ينمّي التواصل المباشر أو غير المباشر بين الطرفين.

 

 

الجمهورية 

عن WB