مجلة وفاء wafaamagazine
كشفت دراسة حديثة نشرتها جامعة “ألتو” الفنلندية أنّ أقلّ من ثلث سكان العالم يمكنهم حالياً تلبية طلبهم على الغذاء المنتج في محيطهم المحلي، وذلك بالتزامن مع بروز أهمية الإنتاج المحلّي والإكتفاء الذاتي خلال الأزمات العالمية الكبرى مثل جائحة فيروس “كورونا” المستجدّ التي تغزو العالم.
ووجد الباحثون في الدراسة التي نشرت في مجلة “نيتشر فود”، يوم 17 نيسان الحالي، أن هناك تبايناً كبيراً بين المناطق المختلفة في العالم، من حيث حصولهم على المواد الغذائية الأساسية.
عولمة الاستيراد
فسكان أوروبا وأميركا الشمالية، على سبيل المثال، يمكنهم الحصول على المحاصيل المعتدلة، مثل القمح، داخل دائرة نصف قطرها خمسمئة كيلومتر في الغالب، في حين أن باقي العالم يحصل على هذه المحاصيل نفسها في دائرة يبلغ نصف قطرها حوالي 3800 كلم في المتوسط. فخلال العقود الأخيرة، أحدثت العولمة ثورة في إنتاج الأغذية واستهلاكها حيث أصبحت عملية الزراعة تتم بشكل أكثر كفاءة وتنوعت النظم الغذائية وزاد توفر الغذاء في أجزاء مختلفة من العالم.
غير أن ذلك أدى أيضاً إلى اعتماد غالبية سكان العالم في البلدان المختلفة على الغذاء المستورد جزئيا على الأقل. وهذا أدى إلى العديد من نقاط الضعف التي تفرض نفسها خلال أي نوع من الأزمات العالمية، حيث يتم تعطيل الإمدادات الغذائية.
نموذج المسافة الأدنى
وبحسب ما نقلت “الجزيرة”، فإنّ الدراسة التي قادها بيكا كينونين الباحث بجامعة “آلتو” وضعت نموذجاً للمسافة الأدنى بين مكان إنتاج المحاصيل وبين مكان استهلاكها من قبل البشر في جميع أنحاء العالم، ليتمكنوا من سد احتياجاتهم من الغذاء. وأجريت الدراسة بالتعاون مع جامعتَيْ “كولومبيا” و”كاليفورنيا” و”الجامعة الوطنية الأسترالية” وجامعة “غوتنغن” بألمانيا.
وقد أخذ في الحسبان 6 مجموعات من المحاصيل الرئيسية التي لا غنى عنها للبشر، وهي الحبوب المعتدلة (القمح والشعير والجاودار) والأرز والذرة، والحبوب الاستوائية (الدخن والذرة الرفيعة) والجذور الاستوائية (الكسافا) والبقول.
قام الباحثون بوضع هذا النموذج العالمي للمسافات بين مرحلتي الإنتاج والاستهلاك، في ظروف الإنتاج العادية، وكذلك في ظل سيناريوهات أخرى حين تصبح سلاسل الإنتاج أكثر كفاءة بسبب انخفاض هدر الطعام وتحسين أساليب الزراعة.
وقد تبيّن أنه في دائرة نصف قطرها أقل من مئة كيلومتر يمكن لـ 27% من سكان العالم الحصول على حبوبهم المعتدلة، و22% يمكنهم الحصول على الحبوب الاستوائية، 28% يمكنهم الحصول على الأرز و27% يحصلون على البقوليات. أما بالنسبة للذرة والجذور الاستوائية، فكانت النسبة 11-16% فقط.
ويعلق قائد فريق البحث على هذه النتائج قائلا إنها تظهر مدى صعوبة الاعتماد على الموارد المحلية فقط.
مخازن الغذاء
وقام الباحثون أيضا بتحديد معنى “مخازن الغذاء” وهي المناطق التي لديها اكتفاء ذاتي من إنتاج الغذاء. وإضافة إلى إنتاج الغذاء والطلب عليه، تم وضع تأثير البنية التحتية لوسائل النقل على المكان الذي يمكن الحصول على الغذاء فيه في الاعتبار.
وأظهرت الدراسة أن مخازن الغذاء في الغالب مناطق صغيرة نسبيا في حال النظر فقط إلى كل محصول على حدة وبشكل فردي، ولكن حين يتم النظر إلى المحاصيل ككل، تشكل مخازن الغذاء التي يمكنها الاكتفاء ذاتيا مناطق أكبر تمتد عبر العالم. وهذا يشير إلى أن تنوع الأنظمة الغذائية الحالية لدينا يخلف تبعيات عالمية معقدة.
ووفقا للأستاذ المساعد ماتي كومو – الذي شارك في الدراسة – تظهر النتائج بوضوح أن الإنتاج المحلي وحده لا يستطيع تلبية الطلب على الغذاء، على الأقل في غياب أساليب الإنتاج الحالية وعادات الاستهلاك.
ويضيف أنه من المحتمل أن تؤدي زيادة حصة الإنتاج المحلي المدار بفعالية إلى الحد من النفايات الغذائية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جديدة مثل تلوث المياه وندرتها في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية جداً.
ويقول كومو إن وباء “كوفيد-19” الذي يعاني منه العالم حاليا يؤكد أهمية الاكتفاء الذاتي وإنتاج الغذاء محليا، ولكن سيكون من المهم أيضا تقييم المخاطر التي قد يسببها الاعتماد على المدخلات الزراعية المستوردة مثل بروتينات العلف الحيواني والأسمدة والطاقة.
المصدر: الجزيرة