مجلة وفاء wafaamagazine
أشار رئيس الحكومة حسان دياب، في كلمة له، إلى أنّ “الدولة أصبحت تمتلك لأوّل مرة خطة اقتصادية متكاملة”، لافتاً إلى أنّ “الحكومة تسير بالإتجاه الصحيح لإنقاذ البلد من أزمته المالية”. وقال: “ما يمرّ به لبنان ليس ظرفاً عادياً أو عابراً، وهذه الحكومة جاءت من خارج المألوف فاذا بها تواجه واقعاً غير مألوف على كلّ المستويات، ومنذ 17 تشرين الأول بدا واضحا ان مشكلة الفساد هي دولة داخل الدولة”.
وجاء في كلمة دياب التالي: “مبروك للبنان. نعم… بكل ثقة أستطيع أن أعلن للبنانيين أن الدولة أصبحت تملك، لأول مرّة في تاريخها، خطة مالية مكتملة ومتكاملة، تنتهي بها وعبرها مرحلة التخبّط في سياسات مالية أوصلت البلد إلى حالة الانهيار الحالية. مبروك للبنان. أن الدولة صار لديها خريطة طريق واضحة لإدارة المالية العامة. اليوم أستطيع القول أننا نسير في الطريق الصحيح لإخراج لبنان من أزمته المالية العميقة. خريطة الطريق للتصحيح المالي، تأتي بعد أيام على قرار استرداد الدولة لقطاع الهاتف الخليوي، لنثبت أن الدولة يمكن أن تكون مديراً ناجحاً وليس بالضرورة أن تكون إدارة فاشلة.
أيها اللبنانيات واللبنانيون، ما يمرّ به لبنان ليس ظرفاً عادياً أو عابراً. ثلّة كاملة من الأزمات المتراكمة، والحديثة، تجمّعت كلّها في أسابيع، فأثقلت على البلد أحماله، وأثقلت على اللبنانيين الهموم. جاءت هذه الحكومة من خارج المألوف، فإذا بها تواجه وضعاً غير مألوف في مختلف المجالات، وعلى كل المستويات.
أيها اللبنانيون
منذ 17 تشرين الأول، عندما انتفض اللبنانيون ضد الفساد، بدا واضحاً أن مشكلة البلد تكمن في أن الفساد هو دولة داخل الدولة، وأن مؤسسات الفساد قائمة ومتجذّرة في شرايين ومؤسسات الدولة. بدا واضحاً أيضاً أن الدولة في حالة انهيار شبه كامل، وأن الواقع المالي يستند إلى أرقام غير واقعية، وأن استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية هو وهم نعيشه ونصدّقه. وبينما كانت الحكومة تتلمّس خطواتها الأولى في الحكم، وتتّخذ قراراً تاريخياً بالتوقّف عن تسديد الديون وفوائدها، تمهيداً لمعالجة الوضع المالي للبلد، فرض وباء كورونا نفسه كأولوية، واستنزف كثيراً من الجهد والقدرات. لكن الحكومة التي تعاملت مع هذا الوباء بحرص شديد، وإدراك لمخاطره، لم تتوقّف ورشة عملها لتنفيذ برنامجها الوزاري.
ثمة برنامج عمل التزمنا به في بياننا الوزاري، يتضمّن تقديم 26 مشروع قانون إصلاحي خلال مئة يوم من نيلها الثقة. حتى اليوم أنجزنا 14 مشروع قانون وهناك 3 مشاريع قوانين أخرى ينتهي إعدادها خلال أيام. على أن يتم إنجاز المشاريع الثمانية المتبقية خلال المهلة المحدّدة.
وأبرز مشاريع القوانين التي تقدّمنا بها تتعلّق بالسرية المصرفية وتعليق المهل القانونية والقضائية وتشارك الحكومة عبر وزارة العدل بالبحث في اقتراحات ومشاريع القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وباستقلالية السلطة القضائية التي هي قيد الدرس أمام اللجان البرلمانية. بالتوازي، كانت ورشة الحكومة تعمل بشكل مكثّف لإعداد الإطار العام لخطة الإصلاح المالي في سياق التحضير للخطة الاقتصادية الشاملة للبنان. لكن، وبكل أسف، هناك أزمة اجتماعية تتفاقم، وتدفع اللبنانيين إلى التعبير عن غضبهم من الواقع المعيشي والاجتماعي الصعب، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير ربطاً بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وهو أمر يفترض أن تضبطه إجراءات من مصرف لبنان المسؤول عن استقرار العملة الوطنية.
لا يمكن لعاقل أن يلوم الناس على صرختهم من الوجع الاجتماعي. لكن لا يمكن لعاقل أيضاً أن يقبل بتدمير الممتلكات، ولا يمكن لعاقل الاقتناع أن هذا الشغب عفوي ولا يحمل أهدافاً سياسية. بعض هذا الشغب منظّم ويدمّر ممتلكات الناس، ويزيد من خسائر اللبنانيين، ويشوّه صورة المناطق. التعبير الديموقراطي شيء، والفوضى والشغب والاعتداء على القوى العسكرية والأمنية والأملاك العامة والخاصة شيء آخر لا علاقة له بالجوع ولا بالديموقراطية.
كما أنني أخشى أن تشكّل هذه الممارسات نكسة للإجراءات التي نجحنا من خلالها في منع انتشار وباء كورونا، ونحن ندرك أن موجة ثانية من هذا الوباء قد تكون أكثر انتشاراً. لقد كنّا قد بدأنا في مطلع هذا الاسبوع، خطتنا لإعادة فتح البلد تدريجياً بناءً على أسس منهجية وعلمية. يوم الاثنين المقبل، سنبدأ المرحلة الثانية، ولكني أدعو المواطنين إلى الامتثال الكامل والتقيد بالتدابير الوقائية اللازمة. يمكن لمخاطر رفع الحظر الجزئي أن تعيدنا مرة أخرى إلى نفس القارب الذي كنا عليه قبل بضعة أسابيع لأننا ما زلنا في منتصف جائحة الوباء (pandemic). استخدمنا نموذج تنبوئي متطور(robust prediction model) لتقدير عدد الاصابات في الأشهر المقبلة. إذا امتثلنا تماماً للخطة واتبعنا إجراءات الوقاية، يُتوقع أن تكون الموجة الثانية في شهر تموز أقل من الموجة الأولى في شهر آذار الماضي.
أما إذا امتثلنا جزئياً، فستكون الموجة الثانية أكثر بنسبة 35٪ من الأولى وستكون النسبة الإجمالية للمصابين 56٪ أكثر من الموجة الأولى، وأكرر ستكون أكثر بكثير من الموجة الأولى. ان مواصفات covid 19 تجعله يظهر مراراً وبقوة متجددة، مما يتسبب في ارتفاع عدد الإصابات، ويُنهك نظام الرعاية الصحية لدينا ويؤدي إلى المزيد من الوفيات، مما دفع العديد من الدول إلى إعادة فرض عمليات الإغلاق بعد إعادة الفتح. لا نريد لهذا الوباء الانتشار مرة أخرى وحصد أرواح أحبائنا. لقد كنا فعّالين للغاية في احتوائه في الموجة الاولى، مما أدى إلى خلاص العديد من الأرواح، ولذلك فإن معدل الوفيات في لبنان أقل بكثير من العديد من البلدان الأخرى.
ان دول العالم هي حالياً في مستويات مُختلفة لانتشار الوباء مما يُشير الى أن الأزمة العالمية ستكون طويلة. نحن لسنا في المراحل النهائية من أزمة covid 19 وسوف نعيش معه لفترة طويلة. أحثكم جميعاً على عدم إضاعة تضحياتنا وإنجازتنا. فلنبق جميعًا على المسار الصحيح للخطة بطريقة واعية ويقظة وحذرة. إن تصرف البعض بعدم المسؤولية واللامبالاة سيرتد بنتائج كارثية على كامل المجتمع، لذلك هناك مسؤولية على عاتق الجميع للالتزام بإرشدات الوقاية والحماية.
أيها اللبنانيون
لقد صوّت مجلس الوزراء اليوم بالاجماع على تبني الخطة المالية الاقتصادية التي ستضع لبنان على المسار الصحيح نحو الانقاذ المالي والاقتصادي. تعتمد هذه الخطة على ستة مكونات رئيسية متداخلة: المالية ، الاقتصادية ، المصرفية والنقدية، والحماية الاجتماعية والتنموية. قدمنا هذه الخطة لأول مرة إلى مجلس الوزراء في 6 نيسان 2020، وعلى مدى 24 يومًا توصّلنا إلى هذه الصيغة. لقد ناقشنا هذه الخطة في اجتماعات مجلس الوزراء، ومع العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، والنقابات، وممثلين لمختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والمؤسسات الأكاديمية وهيئات المجتمع المدني. وأسفرت تلك الاجتماعات والمناقشات عن خطة منهجية شاملة وذات مصداقية يمكن لجميع اللبنانيين أن يتّحدوا خلفها ويدعموها. أنا فخور جداً بالعقول والكفاءات والخبرات الاستثنائية لجميع اللبنانيين، الذين كرسوا وقتهم وجهودهم للمساهمة في بلدهم من خلال إنتاج هذه الخطة. أشكرهم من أعماق قلبي. الآن، مع هذه الخطة، كقاعدة، يمكننا من خلالها بناء لبنان الغد.
سنمضي في طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي، وإضفاء الطابع الرسمي على مفاوضاتنا مع الدائنين لسندات اليوروبوند والمضي قدمًا فيها، وبالتالي تخفيض عبء الدين عن مواطنينا، وتقديم رؤيتنا لطريقة التعافي الاقتصادي إلى أصدقائنا الدوليين وشركائنا والمستثمرين في الداخل والخارج. أدعو جميع اللبنانيين إلى إعتبار هذا اليوم نقطة تحول لمستقبل أفضل لبلدنا. لن يكون الطريق أمامنا سهلاً، لكن تصميمنا وتفاؤلنا، سيساعداننا على تجاوز صعوباتنا حيث نتطلع إلى أيام أفضل أمامنا. اذا اتحدنا جميعاً سنصل الى النجاح الأكيد الذي نراه في مستقبلنا. تنطلق الخطة من ضرورة البدء فوراً بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، وهي على مستوى إدارة الدولة، والسياسة المالية، والقطاع المالي، والمصرف المركزي، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات، وهي حدّدت أهدافاً على مدى خمس سنوات، هي:
انحسار العجز في الحساب الجاري إلى 5.6 بالمئة، والحصول على دعم مالي خارجي يفوق 10 مليار دولار بالإضافة إلى أموال مؤتمر سيدر، والعودة إلى النمو الإيجابي اعتباراً من العام 2022، واعتماد الدعم المباشر وغير المباشر للفئات غير الميسورة وتنفيذ برامج اجتماعية في هذا المجال.
كما يهدف البرنامج إلى العودة إلى الفائض الأولي في المالية العامة في العام 2024، وهيكلة محفظة الدين السيادي وتقليص نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى ما دون 100 بالمئة، وهذا سوف يحمي لبنان في المستقبل من الصدمات والتقلبات.
كما تهدف الخطة إلى إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي للسماح للإقتصاد بإعادة الإنطلاق وتوفير فرص عمل جيدة ومستدامة، وإطلاق قطاعات اقتصادية واعدة جداً تتماشى مع قدرات اللبنانيين العالية.
لقد بنيت الخطة على أسس تسمح للبنان بالحصول على الدعم الدولي المطلوب لجهة إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، وإعادة رسملة المصارف والمؤسسات، وتأمين شبكات الأمان الضرورية والبنى التحتية التي طال انتظارها، وذلك لإعادة إخراج معظم اللبنانيين من حالة الفقر والعوز.
في المالية العامة، سوف نقوم بالإصلاحات الأساسية، مثل قطاع الكهرباء ونظام نهاية الخدمة وتعويض الصرف والضرائب العادلة والتصاعدية التي لا تصيب العمل والإنتاج. وسوف تحظى مسألة استعادة الأموال المنهوبة حيزاً أساسياً من عمل الحكومة للتعويض على اللبنانيين عن الجرائم التي اقترفت بحقهم.
وتتضمن الخطة إصلاحات بنيوية في كافة مجالات الاقتصاد لخلق فرص العمل وتأمين البيئة الصالحة للعمل، بعيداً عن الفساد ونتائجه. كما تلحظ الخطة الإجراءات التي تسمح بزيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية لإقتصادنا.
أما على صعيد القطاع المصرفي، فتهدف الخطة إلى حماية أموال المودعين وتقوية المصارف وإعادة هيكلتها، لكي تستطيع تأمين أموال الناس والخدمات الأساسية للاقتصاد، على أن يعيد البنك المركزي التركيز على عمله الأساسي، أي حماية الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي.
توجد خسائر كبيرة في النظام، ويجب أن نتعاون في تحمّلها، دولة ومصرفاً مركزياً ومصارف، لكي نعاود الإنطلاق باقتصادنا في أسرع وقت. وسوف نسعى إلى امتصاص الخسائر بشكل عادل، أي من دون تحميل من لم يستفد من سياسة الماضي أية أعباء. نريد مساهمة من الفوائد الخيالية التي دفعت، ومن الذين جنوا أرباحاً من الهندسات، وايضاً من الذين خالفوا القوانين وسرقوا المال العام. كما يمكن الاتكال جزئياً على رساميل المؤسسات المصرفية وأموالها في الخارج، والعقارات التي تملكها، والعقارات المملوكة من مصرف لبنان، وغيرها من الأصول. وسوف نستمر بدراسة كل ما يمكن للتخفيف عن المواطن، والعودة إلى الإزدهار في أسرع وقت، في مجتمع ينبذ الفساد ويحاسب كما يجب، وتنمو فيه روح التضامن والوطنية.
أيها اللبنانيون
نحن اليوم أمام مفترق هام وتاريخي. ولذلك فإن لبنان، الوطن الذي ننتمي إليه طوعاً وحباً، يحتاج إلينا جميعاً. لقد أثبتت هذه المرحلة، أن اللبنانيين لا يستطيعون التخلّي عن وطنهم، وها هم يصرون على العودة إليه من كل العالم، لأنهم تأكدوا أن لبنان هو ملاذهم الحقيقي. هنا بيتهم الكبير وهنا عائلتهم الكبرى. صدقوني، لا يمكننا أن ندير ظهرنا لوطننا. لا يمكننا أن نتخلّى عنه. لبنان يحتاج اليوم إلى كل جهد، إلى كل دعم، إلى كل مساعدة. أوجه ندائي هنا إلى اللبنانيين جميعاً، إلى المقيمين والمغتربين. إلى كل لبناني قادر على مساعدة أخيه اللبناني. وأنا أعلم جيداً ثقتكم بنا ورهانكم علينا. لا تتركوا أهلكم في هذه المحنة العصيبة. أتوجّه إلى اللبنانيين المقيمين، أن نؤازر بعضنا. أن نتعاون، وأن نتكاتف، وأن نحمي بعضنا. أتوجّه إلى المغتربين، وأناشدهم أن يساهموا في دعم أهلهم وأقربائهم، كما يفعلون دائماً، وأن يقفوا إلى جانب وطنهم، كما عودونا على مرّ التاريخ.
نعم، نحن في أزمة.. ولكن، أنا على ثقة أننا سنتجاوزها، وأننا سننتصر عليها، وأننا سنخرج من هذه المحنة أكثر صلابة، وبمزيد من التلاحم الوطني، بين كل اللبنانيين، مقيمين ومغتربين.
أيّها اللبنانيون في لبنان، نستطيع اليوم أن نبني معاً لبنان الجديد، على قدر أحلامكم، وعلى قدر آمالكم.
أيها اللبنانيون في العالم، لا تنسوا وطنكم، عشتم وعاش لبنان