الأخبار
الرئيسية / مقالات / الدكتورة ليلى شمس الدين : في زمن الكورونا .. تتكشّف العورات!

الدكتورة ليلى شمس الدين : في زمن الكورونا .. تتكشّف العورات!

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت الدكتورة ليلى شمس الدين

يستوقفني الأمر بشدّة عندما نتقاذف الاتهامات والمسؤوليات!! كلّنا نعرف أنّنا في الأيام الأخيرة، عدنا إلى المربع الأول. فأعداد المصابين بفيروس كورونا تزداد وتزداد، وهذا لا شك مصدر قلق وخوف لنا جميعاً.

ولكن وفي مقلب آخر، يستوقفني الأمر أيضاً وبشدّة عندما أرى وزيراً يحمّل مسؤولية هذا التفشّي إلى مغترب هنا عاد إلى الوطن واستقبل المهنئين في منزله، أو إلى مواطن هناك خرج من بيته ضارباً عرض الحائط بكل إجراءات السلامة المفترضة.

صحيح الأمر لافت ومدان وجدير بالرصد والتعليق، ولكن اسمح لي أيها المسؤول أن اسألك من موقعي كمواطنة في هذا الوطن، أو بالأحرى اسمحوا لي أن أجيّر سؤالي لكل المعنيين الرسميين في بلدي. أين هي مسؤولياتكم عندما قررتم اتخاذ القرار بعودة المغتربين؟ وأين هي مسؤولياتكم عندما قرّرتم فك إجراءات الحظر وفق خطة من خمس مراحل؟ قبل أن أجزم بالإجابة التي أمتلكها بالتأكيد، أسألكم أيضاً وأيضاً، هل تعتقدون أنّ هذه الإجراءات الذي اتخذتموها لا يُمكن إلاّ أن تُشكّل خطوة من سلسلة خطوات متّصلة، إذا انزلقنا في إحداها عندها تُسقطوننا جميعنا. أجل أنتم من تُسقطوننا جميعنا في أتون دوّامة عدوى كورونا.

اسمحوا لي هنا أن أشير عليكم بأصابع الاتهام المحبة بحق، هنا ينطبق عليكم المثل القائل “القاه في اليم مكتوفاً، وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء”. اليم هنا أيها المسؤولون والمعنيون المفترضون، هو الطائرات التي تستقدمون فيها أولادنا دون مراعاة لأدنى شروط للسلامة المطلوبة .

اليم يا سادة هنا هو ترك المغتربين بعد إجراء فحوص الـ PCR ليذهبوا إلى مقرّات إقاماتهم متكلين على وعيهم وحسن إداراتهم للأمور .. اليم يا سادة هنا هو المؤسسات التي دعوتم لأن تفتح أبوابها دون أن يواكبها أي تحضير لكيفية العودة .

اليم يا سادة هنا هو كل قرار تعلنون عنه دون أن تؤازروه بمجموعة ملزمة من خطوات المتابعة الدقيقة ضمن خطّة مرسومة واضحة المعالم، يرسم مسارها اختصاصيون وخبراء معنيّون، ويتابع تطبيقها بحذافيرها فرق متعدّدة على امتداد الوطن.
اسمحوا لي أن اسألكم ايضاً، فأسئلتي كثيرة وإن لم تحصل منكم يوماً على إجابة، أين الرقابة الرسمية المفترضة؟ أين الاجراءات التي تقومون بها من بلديات ومؤسّسات حكومية منطلقين من مبادئ بديهية في الرقابة والمحاسبة وصولاً إلى إنزال عقوبات تتلاءم وتتواءم مع حجم الجرائم التي نرتكبها عندما نتجاوز قراراتكم؟ هل منكم من يسمع، ويراقب، ويتابع، ويتّخذ القرارات اللازمة عند وجود خلل ما؟ وللعلم فقط تبعات أي خلل هو مسؤوليتكم، أجل في أزمة كورونا هي مسؤوليتكم أنتم، وهي ليست إرث ورثتموه، هنا الامتحان الصعب الذي تجتازونه معنا، هنا تقيّمون أدائكم، وهو حق لنا لن نمنحكم التخلّي عنه.

لا تكمن البطولة، ولا الإنجازات في حجرنا جميعاً في منازلنا، ومنعنا من ممارسة أعمالنا أو الترويح عن أنفسنا، الإنجاز يكمن في وضع خطط تساعدنا على أن نشعر بوجودنا كبشر في هذا العالم، وأن نعرف كيف نلبي حاجاتنا المادّية والحياتية في ظل وباء يُحاصرنا وأزمات تخنقنا. نرجوكم ونتوسّل إليكم لا تتكلوا على وعينا، اتكلوا فقط على تخطيطكم وإجراءات تنفيذ مسؤولياتكم عملياً لا إعلامياً، فهذا هو دوركم الأساس والغاية من وجودكم في مناصبكم.

ما أقوله ليس تبريراً لأحد، ولا تخلّي منّا عن تحمّل المسؤولية، وإنّما لا تُدار الأمور بالمَونِة أي بالتمنيات والينبغيات والافتراضات. في أزمة كورونا شهدنا في كل دول العالم، في أوروبا وأميركا والصين وغيرها، تجمعات كبيرة للناس دون الالتزام بتطبيق أدنى معايير للسلامة، ولم تتمكّن الحكومات من ضبط الأمور إلاّ عندما فُرضت سلطة القانون تطبيق إجراءات صارمة وعقوبات متعدّدة. أعتقد جازمة أنّه هنا تكمن مسؤوليتكم، وهذا هو المفروض الوحيد في هذا الزمن وفي هذه القضية والمسألة.

عندما نتقاذف الاتهامات، لن نصل بالتأكيد إلى حلول، الحل الوحيد حينها هو سقوطنا إلى الهاوية. كلامي ليس اتهاماً لأحد، وإنّما صرخة نابعة من وجع وحسرة. صرخة في وجه كل متبوأ للمسؤولية. صرخة في وجوههم وفي آذانهم علّهم يسمعون ويتنورون بالبصيرة. كل ما أخشاه واقعاً أن يصيبنا مع ضمائر وآذان المعنيين والمسؤولين المفترضين أن ينطبق عليهم “على من تقرع مزاميرك يا داوود”.
* باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام.