الرئيسية / سياسة / بريّ يدير ماراتون مفاوضات على خطوط التماس الطائفيّة… ويرسم الخط الأحمر لحماية الوحدة والمجلس

بريّ يدير ماراتون مفاوضات على خطوط التماس الطائفيّة… ويرسم الخط الأحمر لحماية الوحدة والمجلس

مجلة وفاء wafaamagazine 

كتبت صحيفة “البناء” 

 بمقدار ما كانت الجلسة التشريعية تعبيراً عن عودة الحياة للمجلس النيابي، كمنصة للحياة السياسية في البلد، كان هذا التعبير صاخباً ومليئاً بالانفعالات والمواقف المرتكزة على العصبيات، ومخاطبة الغرائز الطائفية، كما أظهرت مناقشات اقتراح قانون العفو العام، الذي كان نجم الجلسة، رغم إقرار قانون سلفة الـ 1200 مليار ليرة للحكومة لتأمين شبكة ضمان اجتماعي للفئات الأشد فقراً، وإقرار قانون رفع السرية المصرفية الذي بقي رهينة تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وبدء أعمالها، وقانون آلية التعيينات في الفئة الأولى الذي سيكون ضيف تجاذبات ومشاحنات لاحقة خلال التطبيق، في ظل الموقف السلبي الذي اتخذه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، معتبراً أن القانون مخالف للدستور بانتقاص صلاحيات الوزير، فاتحاً الباب لإمكانية اللجوء للطعن بالقانون أمام المجلس الدستوري.


رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قاد يوماً مجلسياً ماراتونياً، خاض مفاوضات شاقة مع الأطراف التي يمثل كل منها قضية من قضايا قانون العفو، أملاً بالتوصل لتسوية تخرج بتوافق، مؤكداً حرصه على الوحدة الوطنية كخط أحمر لا تجوز إصابتها بنص قانوني يكسر إرادة أحد المكوّنات، وتمسكه بالتوازي بوحدة المجلس النيابي ومراعاة توازناته وحساسيات المعادلات الطائفية والحزبية فيه.


في مناقشات قانون العفو كان واضحاً تمترس كل فريق وراء خط تماس طائفيّ، مع وقوف الكتلة القومية الاجتماعية بعيداً عن الخطوط الطائفية التي تثيرها محاور القانون باستهدافات العفو، واكتفائها بالتعامل مع محظور تضمين القانون للمادة الثامنة التي تتيح استفادة العملاء الذين فرّوا إلى كيان الاحتلال من مفاعيله، وكان لرئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان مداخلات في المناقشات التي جرت في الجلسة، وفي الخلوة التي عقدها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مكتبه مع رؤساء الكتل سعياً للتوصل لتوافق على تصوّر موحّد للقانون، وتركّزت مداخلات حردان على التساؤل عن مبرر البحث عن صيغة قانونية جديدة في التعامل مع ملف العملاء، فيما الصيغة التي اعتمدت منذ العام 2000 أثبتت نجاحها ولا تزال قائمة وصالحة. وشرح حردان موقف الكتلة القومية لـ “البناء” قائلاً إن الصيغة التي اعتمدت عالجت نسبة 98% من قضايا هؤلاء، وبقي 2% هم الأشد التصاقاً بالاحتلال، وتنطبق عليهم أكثر من سواهم صفة العمالة، فيُراد بتضمينهم للقانون منحهم خصوصية تبدو أقرب للتكريم ومنح الجائزة على العمالة، وهذه خطيئة وطنية كبرى، وفتح الباب لفتنة أهلية. فالحديث عن الوحدة الوطنية، وتصوير العفو عن العملاء كطريق لها ينطوي على الخداع، لأن أكبر تهديد للوحدة الوطنية هو استفزاز المجتمع الذي احتوى بتسامح النسبة الأغلب من الظاهرة وعض على جراحاته، بنكء هذه الجراحات، ودفع ضحايا لأخذ حقوقهم بأيديهم من هؤلاء الذين بقوا يحملون السلاح ضد دولتهم رغم حل الميليشيات ويقتلون أبناء شعبهم ويخدمون المحتل. وقال حردان إن الكتلة التي تثمن مواقف رئيس مجلس النواب وتقدّر حرصه الوطني العالي وتمسكه بالوحدة الوطنية، أيّدت مقترح وزيرة العدل لحل القضية بترك الأمر للحكومة بدون نص قانوني جديد، محذراً من أن أي تخصيص للعملاء بنص قانوني سيفتح الباب لأكثر من عامر فاخوري جديد، متسائلاً هل نحن أمام إزالة آثار الاحتلال أم إزالة آثار التحرير؟


بالتوازي وقف كل من نواب كتلة التنمية والتحرير ونواب كتلة الوفاء للمقاومة بقوة مع هذا الشرط وقدّم نواب الكتلتين مداخلات عديدة في هذا السياق، بينما وقفت كتلة المستقبل في موقع التأييد لهذا الشرط سعياً لمقايضة بالحصول على موافقة الكتل الأخرى لمسعاها في تضمين العفو نصاً شاملاً يخصّ المطلوبين والمحكومين بجرائم، يتصل بعضها بجرائم الإرهاب والاعتداء على الجيش والأجهزة الأمنية، من ضمن ما يُعرَف بملف الموقوفين الإسلاميين، وساند اللقاء الديمقراطي شرط استبعاد العملاء من بين المستفيدين من العفو أملاً بتشكيل كتلة وازنة تحاصر التيار الوطني الحر، بينما كان موقف التيار كما عبّر عنه رئيسه النائب جبران باسيل غير متحمّس لكل مناقشات قانون العفو، خصوصاً أنه كما قال باسيل لا يرى أن قضايا المطلوبين بجرائم المخدرات أو قضية الذي فروا مع جيش الاحتلال أو قضية الموقوفين الإسلاميين، تشكل أولوية اليوم في ظل خطر انهيار البلد اقتصادياً، ولا هي أولوية الناس أمام القضايا المعيشية الضاغطة وفي طليعتها قضية الودائع المحجوز عليها في المصارف، وقد ثمّن باسيل في تعليق على الجلسة لـ “البناء”، موقف الرئيس بري القلق على الوحدة الوطنية والبلد، قائلاً إنه لولا موقف رئيس المجلس لما بقي نواب تكتل لبنان القوي في الجلسة، مضيفاً أن قانون العفو بكل مندرجاته لا يشكل أولوية ضمن أولويات التيار الوطني الحر المركزة حول الشأن الاقتصادي وسبل الخروج من خطر الانهيار، والدعوة لتكون أولويات السياسة هي أولويات الناس، متسائلاً عمّا إذا كان الهدف من إضافة بند يتصل بالذين فروا إلى كيان الاحتلال إلى قانون العفو يهدف لإحراج التيار الوطني الحر شعبياً.


وكما كان متوقعاً “تطيير” اقتراح قانون العفو الجلسة التشريعية التي عقدها المجلس النيابي أمس، في قصر الأونيسكو، برئاسة رئيس المجلس نبيه بري وحضور الحكومة ورئيسها الدكتور حسان دياب ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والكتل النيابية.


وبعدما أقرّ المجلس النيابي عدداً من اقتراحات القوانين كآلية التعيينات ورفع السرية المصرفية ودعم الأسر الفقيرة بـ 1200 مليار ليرة، طارت الجلسة بعد طرح اقتراح قانون العفو على النقاش الذي شهد أخذاً ورداً وسجالاً وشد حبال وحمل أبعاداً طائفية بعدما فرزت مواقف الكتل النيابية على قاعدة طائفية لا سيما أن أغلب العملاء هم من المسيحيين وأغلب الموقوفين الإسلاميين وموقوفي ومحكومي تجار المخدرات في البقاع هم من المسلمين.


ففي حين التقت أحزاب المستقبل وحزب الله وحركة أمل والاشتراكي واللقاء التشاوري على الموقف نفسه من القانون، تقاطعت مواقف الأحزاب المسيحية حول التمسك بتمرير قانون العفو عن العملاء الفارين الى فلسطين المحتلة مقابل قانون العفو عن المحكومين بجرائم قتل وإرهاب مع اشتراط إدخال تعديلات عليه. إلا أن مصدراً نيابياً بارزاً أكد بحسب مصادر إعلامية أن التيار الوطني الحر والأحزاب المسيحية الأخرى لم تكن في وارد المقايضة في موضوع قانون العفو العام بين المبعدين إلى “إسرائيل”‏ والمحكومين بجرائم قتل وإرهاب ولا سيما ضد الجيش اللبناني ومن كان يتعاطى مع هذا الموضوع بعقلية المقايضة هو الذي غادر جلسة مجلس النواب وكشف عن نفسه. في إشارة الى الرئيس سعد الحريري.


في المقابل قال باسيل: “نحن أساساً موقفنا المبدئي ضد فكرة العفو عن المجرمين، لأن فيه إساءة للأخلاق وللوطن وتمّ التدخل معنا لنقبل بالنقاش، ولكننا لم نتوصل إلى أي اتفاق ولا سيما في موضوع خفض العقوبات ضد المجرمين”، وأضاف: “ونحن ضد القانون بصيغته الحالية وإذا كان التصويت ضدّه ممنوعاً فنحن مستعدون للمغادرة”. وردّ الرئيس بري على باسيل: “الكلمة الأخيرة ما بدّي اسمعا”. ثم رفع بري الجلسة 10 دقائق لمزيد من التشاور حول قانون العفو العام. وعقدت خلوة في مكتب رئيس المجلس جمعت الرئيس الحريري والنواب أسعد حردان وجورج عدوان وباسيل ومحمد رعد وبعد انتهاء التشاور وعودة النواب إلى داخل المجلس، قال بري: “ضعوا قانون العفو جانباً الآن “بركي إن شاء لله بتنزل الرحمة بعد شوي”.


الخلاف بين الكتل النيابية دفع بتيار المستقبل للانسحاب من الجلسة بعدما طلب منهم الرئيس سعد الحريري المغادرة. كما غادر الجلسة النائب فيصل كرامي.


وأعلن الحريري أنه “طلب من كتلة المستقبل الانسحاب من الجلسة التشريعية المسائية، لأن هناك مَن يريد إعادتنا إلى نقطة الصفر”، وأشار الى أنه “كالعادة نعمل بكل حسن نية لنصل الى قانون عفو عام يشمل أكبر عدد من الناس بغض النظر عن بعض التحفّظات التي أبدتها بعض الكتل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري حاول السير بين التناقضات، ولكن هناك محاولة تذاكٍ من البعض”.


وحينها رفع الرئيس بري الجلسة في شكل مفاجئ وكان النواب ما زالوا يتداولون في مشروع “الكابيتال كونترول”، وسقطت صفة العجلة عنه وأحيل الى اللجان. ولم تستكمل مناقشة مشروع قانون العفو العام.


وعلمت “البناء” أن الاتصالات استمرّت حتى ما بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس بين الكتل النيابية المسيحية وبينها وبين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري للتوصل الى صيغة وسطية، لكن التيار الوطني الحر عاد وتراجع عن موافقته لأسباب سياسية وتمسّك بأن يشمل القانون استرداد الفارين الى فلسطين المحتلة فيما حمّل المستقبل التيار الوطني الحر مسؤولية بقاء الموقوفين في السجون وعدم محاكمتهم منذ أحداث عرسال حتى الآن لأن وزارة العدل كانت محسوبة على التيار. وقد دخل قانون العفو في دائرة التجاذب والمزايدات الطائفية من جهة وداخل الساحة المسيحية من جهة ثانية، إذ أن التيار الذي حاول استثماره مسيحياً وانتخابياً لا يستطيع ترك الملف لخصومه المسيحيين من القوات والكتائب، اما الحريري فحاول تسجيل موقف شعبوي في الساحة السنية بانسحابه من الجلسة بعدما شعر بأن قانون العفو لن يمرّ خلال التصويت. فيما سجل رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان موقفاً متمايزاً وخرق الانقسام الطائفي، إذ أعلن رفض الكتلة القومية الاجتماعية المادة الثامنة من اقتراح قانون العفو التي تنصّ على السماح بعودة اللبنانيين الذين فرّوا إلى فلسطين المحتلة جملة وتفصيلاً.