مجلة وفاء wafaamagazine
لا تبدو الطريق الى الحصول على العملات الأجنبية في لبنان، وخصوصا «الأصعب منها» اي الدولار الأميركي، سالكة.
العملة الخضراء وغيرها الزرقاء او البرتقالية اي «اليورو» متاح الوصول اليهما عبر طرق فرعية، اي غير تلك الرسمية، والمقصود بها المصارف ومحلات الصيرفة.
في التفاصيل، انه منذ تداعيات احتجاجات 17 أكتوبر 2019 غير المسبوقة في تاريخ البلاد، فرضت المصارف قيودا على السحوبات بالعملات الأجنبية، وصولا الى قطعها تماما أمام المودعين، وتمكينهم فقط من الحصول على ما بات يعرف بـ «الأموال الطازجة» التي يتلقونها من الخارج.
وهذا الأمر غير متوافر في جميع المصارف، ومتاح بقلة قليلة لدى مصارف لا يتخطى عددها الثلاثة (قد يرتفع العدد الى خمسة في الأيام القليلة المقبلة) لجهة الالتزام بالتسديد عبر أجهزة الصراف الآلي للمودعين، ابرزها بنك بيبلوس، الذي يتيح للمودع لديه الحصول على «الأموال الطازجة» بنسبة كاملة من أجهزة الصراف الآلي العادية، بسقف يصل الى 20 الف دولار شهريا، موزعة بدفعات تصل قيمتها الى الفي دولار يوميا وخمسة آلاف أسبوعيا.
خارج الأموال الطازجة المصرفية، باتت الطريق مسدودة أمام الراغبين الحصول على عملات أجنبية حتى من الصرافين، الذين يتذرعون بعدم توافرها لديهم، ويقصرون عملياتهم على شرائها من الزبائن وخصوصا الدولار، تفاديا للدخول في مشكلات قانونية مع السلطات اللبنانية التي حددت سعرا لبيع الدولار لا يمكن الاستناد اليه، لعدم توافر أوراق العملة الخضراء بوفرة في الأسواق المالية الرسمية اللبنانية.
وكان مصرف لبنان ألغى فرصة حصول المقيمين على تحويلات خارجية بالعملة الصعبة عبر شركات تحويل الأموال الكترونيا، بجعله الأخيرة تسدد التحويلات بالعملة الوطنية بسعر 3200 ليرة لبنانية للدولار، الذي تجاوز سعره في سوق الصرف عتبة الـ 4200 ليرة.
وفي هذا الإطار، يقبل عدد كبير من اللبنانيين على شراء الدولار «مهما كان الثمن»، بعد شعورهم بعدم وجود طرق للحصول عليه في ظل إقفال مؤسسات الصيرفة بداعي اضراب نقابة الصرافين تارة، والخشية من ملاحقات الأجهزة الأمنية لضبط أسعار المبيع طورا.
وبات اللبنانيون أمام حل لا مفر منه: السوق السوداء لتأمين الدولار، لمن استطاع الى ذلك سبيلا، والمقصود هنا ان العمليات تتم خارج محلات الصيرفة، وصولا الى «خدمة الدليفري» بتأمين العملات الأجنبية لزبائن موثوقين من قبل تجار العملة، عبر وسطاء بين الطرفين يتولون نقل الأموال وتسلم العملة الوطنية.
لا داعي للحديث عن قلق يساور الزبائن لدى شرائهم دولارات او يورو من وسطاء. قلق لا يبدده الا التأكد من سلامة الأوراق المالية بتمريرها على أجهزة خاصة للتدقيق بها لدى صيارفة أو فروع المصارف، بعد إنجاز المخاطرة في عملية الشراء.
قبل ذلك، لا بد من الإشارة الى خطوات يجب اتباعها للوصول الى العملات الأجنبية، مع مراعاة السرية في التواصل مع الوسطاء او الصرافين الذين اختاروا العمل خارج مؤسساتهم. الجميع يتفادى الحديث على الهاتف، ويحصر التداول مع الزبائن بالاتصال عبر تطبيق «واتساب» دون تدوين الرسائل النصية او اعتماد التسجيلات الصوتية.
لا أحد يسأل مسبقا عن الأسعار التي تحدد عند تأمين الأموال. لكن لا بد من الإشارة الى ليونة في بيع اليورو، بعدما كان يشترط تأمين الدولار الأميركي للحصول على العملة الأوروبية. بات الأمر ممكنا منذ اقل من اسبوع الحصول على اليورو مقابل تسديد ثمنه بالليرة اللبنانية. وفجأة بات هم البائعين «التخلص من هذه العملة»، في إشارة الى تكديسها لديهم. اما أسباب إقبال اللبانيين على شراء اليورو، فيعود الى قرب فتح حركة السفر في مطار بيروت الدولي، ورغبة القسم الأكبر في التوجه الى البلدان الأوروبية.
كذلك لا بد من الإشارة الى وقف التحويلات المالية من لبنان الى الخارج، ما جعل اللبنانيين يعتمدون شراء العملات الأجنبية نقدا، لإرسالها الى أولادهم المقيمين في الخارج بداعي التحصيل العملي، فضلا عن هموم أخرى كتسديد ثمن مشتريات خاصة بات متعذرا الحصول عليها في بيروت.
حركة كثيفة سجلت من أقل من اسبوع في تبديل العملة الوطنية بالدولار او اليورو، بأرقام تعتبر عالية بالنسبة الى الأفراد، ذلك ان متوسط عمليات الشراء يتراوح بين ثلاثة آلاف دولار وعشرة آلاف. اما «التكديس»، ففي المنازل، وفي مرات قليلة في خزنات مصرفية حجزها الأفراد في ظاهرة غير مسبوقة في حياة اللبنانيين.
وتحت شعار كل محجوب مرغوب، يزداد الطلب على العملة الأجنبية. طلب لن يهدأ إيقاعه الا مع جعل الدولار متوافرا في الأسواق المالية اللبنانية، وإتاحة الوصول اليه للراغبين في شرائه، دون سلوكهم طرقا جانبية غير معهودة.