الأخبار
الرئيسية / مقالات / ليلى شمس الدين : أربعينية الإمام الحسين توأمة الإعلام والفكر المقاوم

ليلى شمس الدين : أربعينية الإمام الحسين توأمة الإعلام والفكر المقاوم

مجلة وفاء wafaamagazine


كتبت د. ليلى شمس الدين باحثة في الانثروبولوجيا والإعلام


في هذه الظروف التي تحيط بنا، زمن ثورة التكنولوجية الإعلامية وزمن كورونا في آن، في هذا الزمن لم يمنعنا شيء من أن نلتقي بالملايين من البشر على هذه المعمورة لنتوجّه إليهم ونتحدّث معهم بما نريد. فنحن نعيش في عصر الإعلام بامتياز وعصر الوصول إلى التواصل مع أي شخص، ولكن ليس بالضرورة الولوج إلى كل قلب وعقل كل منهم

دورنا هنا، كما يتراءى لي يتمحور حول الوصول الهادف، وحول الاستفادة من هذه الفرص اللامتنهاية لدور الإعلام الحالي والممكن. دور الاعلام برأينا، هو نقل التجربة وتحويل مغزاها إلى قيمة تأسيسية لمجتمع مقاوم في يومياته وطموحاته، وتهيّئتها لتكون نمط حياة.
والسؤال البديهي الذي قد يطرحه البعض: ماذا نعني بالمقاومة؟ بعبارة أخرى أين تتمحور أبعادها وتجلياتها؟

المقاومة ببساطة هي المواجهة، ولتحقيق أهدافها يجب أن تتمثّل ضمن دورة متكاملة وعلى صعد متعدّدة. من مقاومة ذاتية، وفكرية، وثقافية، ومجتمعية، وسياسية، وأخلاقية وصولاً ربما إلى المواجهة عسكرية. نتحدّث إذاً عن مقاومة شاملة تطال كل مناحي حياتنا .
هنا يُمكن أن نطرح السؤال التالي: لكن لماذا المقاومة، وعلى ماذا؟

يمكننا القول أننا نعني بها مواجهة الفساد والإفساد بكل تجلياته، وأيضا بكل الوسائل المتاحة. أما لماذا؟ فهي بالتأكيد تهدف إلى تحقيق انتصارات على الاستبداد والظلم بكل ابعاده. السؤال الذي يستحضرني أيضاً، كيف تحصل هذه المواجهة وبأي إمكانات وأي سبل؟
لا شك اننا سنحصل على إجابات متعدّدة، ولكنها تتمحور بالتأكيد حول تشكيل حصانة القوة القادرة على فرض إرادة المواجهة، وهنا لب المسألة. لكي تحقّق هذه الحصانة المطلوبة بأهدافها ومبتغاها، نحتاج بالتأكيد إلى سلوك درب طويل من البناء القيمي الاستراتيجي، بناء يعيدنا إلى القرن الأول للهجرة، وينقلنا بوعي إلى مسيرة الإمام الحسين في العام 61 للهجرة.
قد يسألنا البعض، كيف ولماذا سنخوض هذه التجربة؟
نحن نعتقد أنّ كنه هذه المسيرة يتمثّل في اعتقادنا بأنّ النهضة العاشورائية هي نهضة مقاومة، وبالتالي ينقلنا هذا كلام أيضاً إلى كربلاء، إلى كلام سيد الشهداء، وتحديداً في قوله: لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح، أي أريد الثورة لأجل الإصلاح لا لأجل الوصول إلى الحكم حتماً، أو إلى الشهادة حتماً.

لكن الإصلاح ليس بالأمر الهيّن، وإنّما يتطلّب الكثير من البناء والكثير من التضحيات. النظرة الأولى التي تكشف عن الحركة الظاهرية للإمام الحسين بن علي(ع)، نرى إنّه قام بها في مواجهة حكومة فاسدة ومنحرفة وظالمة وقمعية، وهي حكومة يزيد، وأما باطن القضية وعمقها، فتكشف عنه النظرة الثانية، وهي الحركة الأعظم والأعمق، لأنها ضد جهل الإنسان وضد ضلالته.

في الظاهر نجد أن الإمام الحسين (ع) قام بمقارعة يزيد، وسلطة يزيد، وتعسّف يزيد، إلا أن هذه المقارعة الواسعة التاريخية لم تكن ضد يزيد الفرد. بل كانت مقارعة مبدأيه ضد رضوخ الإنسان للذل والاستبداد، والمقارعة الفعلية هنا هي في مواجهة تدجين الإنسان وتدجين أفكاره وتحركاته وتطلعاته.

كان الطريق واضحاً وبيّناً. طريق مواجهة الظلم، والشرّ، والفساد، والتفرقة، والفقر والجهل بين الناس. والهدفُ هو إيصالهم إلى السعادة الكاملة ليصبحوا الأشخاص الكُمّل. نستعرض هذا الكلام ونحن نحيي ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع)، اليوم الأربعون هذا، له خصوصية الإحياء، وخصوصية الذكرى، وخصوصية أبعاد وكنه إحياء هذه الذكرى، لماذا؟ ليس لأنّه اليوم الذي جاء فيه الزوّار العارفون بما حصل للإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء للمرّة الأولى. ففي الحقيقة الأمر تكمن أهمية هذه المسألة بوصفها امتداداً لحركة عاشوراء، ولكنه هذه القضية.
أُريدَ من خلال هذا الفعل الإحيائي، أن يُعلموا ويعلّموا الناس في آن، وخاصة ممّن وقع تحت تأثير هذه الكارثة، إنّ الأمور لم ولن تنته هنا. فقضية أساسية ومحورية كهذه القضية، لا تنتهي بالقتل أو بالدفن أو بالأسر أو حتى فك هذا الأسر. التحرير هنا هو تحرير العقل بالفعل أولاً، بفعل إرادة المواجهة، ويجب أن يستتبع هذه الإرادة عمل ينهض بالقضية الأساس. إذاً، هي معركة مستمرة لا توقفها معوقات مهما كبر حجمها حتى ولو وصلت إلى الشهادة.
إنّ قضية محاربة الفساد والمفسدين ونبذ الظلم والاستبداد هي قضية محورية لا يجب أن تغيب عن ذاكرتنا ابداً، بل يجب أن تبقى حيّة دائماً وأبداً. ولإبقائها حيّة، علينا أن نخاطب الناس بالعقل والفكر وليس فقط بالعاطفة، لأنّ الغاية هنا، تتمحور حول بث الوعي والجرأة على مقاومة الظلم ونشر هذا الفكر، ونحن نعلم إنّ بث الجرأة في نفوس الناس لا تنجح ولا تؤتي أؤكلها باستنهاض عاطفي فقط. فاستنهاض الفكر يحتاج إلى وعي وتربية وإعلام، هو مسار متكامل غير مجزأ، واضح الأهداف، وهو ما شهدناه منذ مسيرة الإمام الحسين (ع) من عرفة وإلى ما بعد استشهاده وحتى إلى يومنا هذا.
المقاومة بعد عاشوراء استمرت، فالطريق فتحت، وهذه هي خصوصية الأربعين. في الأربعين كشفت الحقائق، وهكذا استكمل المسار لتحقيق الهدف. أي كان ثمة كشف للحقائق في الأربعين، وكان ثمة عمل. ولولا هذا المسار من التبليغ والإعلام لكانت طمست ولما تحقّقت الغاية من الثورة، كان هدف الزيارة الأربعينية أن تصنع مناً أناساً يحملون رسالة عاشوراء، وهمَّ عاشوراء، وفكر عاشوراء، وجهاد عاشوراء.
هدف هذه الزيارة أن تصنع منّاً أناساً وظفوا طاقاتهم، وقدراتهم، وإمكاناتهم وكفاءاتهم في خدمة الإنسان وصالح الإنسان على هذه المعمورة. لقد قامت هذه الثورة من أجل القِيَم ومن أجل المبادئ ومن أجل إبقاء هذا الوهج الجهادي. وعندما نتحدّث عن الجهاد، فنحن نتحدّث عن الكلمة المجاهدة الدَّاعية لتحقيق العدالة بكامل تجلياتها ومستوياتها وأشكالها. بدءاً من الدائرة الضيّقة التي تخصنا، وانتهاء بالدائرة الأوسع والأبعد وصولاً إلى العالمية والكونية. هذه هي المزايا العاشورائية، وخصوصية هذه المناسبة لا تنحصر في استذكار الفاجعة التي جرت على اهل البيت (عليهم السلام) وما رافقها من المآسي والآلام وتعريف الناس بجور وظلم بني امية وممارساتهم العدوانية والظالمة. خصوصية هذه المناسبة تقفز فوق هذه الدائرة لتقول لنا أنّ قضية عاشوراء كانت وما زالت تدافع عن كل مظلوم، وتسعى لتدحر كل ظالم. وهي الثورة التي هزت مشاعر وضمير الإنسانية أتت لتنقذنا من سُباتنا وغفلتنا.
لم تكن القضية قضية حكم أو خلافة شخصية، ولا قضية مكاسب ومصالح آنية وعائلية، وإنّما كانت قضية جامعة بكل امتداداتها الثورية ومفاهيمها الرسالية والإنسانية. لم تختص عاشوراء بمذهب من المذاهب أو دين من الأديان أو فئة محددة بل ضمت جميع الأديان والمذاهب والفئات على امتدادها وتعددها.
كانت عاشوراء ولا زالت قضية ثورة من أجل الإنسانية، ومن أجل إحقاق الحق ونبذ الباطل عن الجميع دون استثناء. هي قضية مقاومة مستمرة، وأهم ما فيها توفير المناخ الملائم لبنيانها وترسيخ تعاليمها ونقل انعكاساتها وتردّداتها الجلية بلغة لا لبس فيها تنسجم مع خصوصية كل عصر ومرحلة. وهنا يأتي دور الإعلام، دور الإعلام الهادف والمساند لهذا الفكر، وفي توضيحها وفهم أبعادها وفي تبيان الحقائق كما في التصدّي للشوائب من المواقف التي تعتري تصويرها أو نقلها. علينا أن ندرك إنّنا في هذا الزمن بتنا نعيش في مجتمع جماهيريّ، ونعيش أيضاً في زمن التوعّك الإعلاميّ كما التضليل الإعلامي.
علينا أن ننتبه أنّنا أمام نسخة جديدة في مواجهة الظلم والجور والفساد، كما إنّنا أمام نسخة جديدة لوظائف الإعلام وأمام تشكيلةٍ جديدةٍ لقادة الرأي وقوى الضغط في المجتمع. كل شخص فينا يقوم بهذه المهمّة أدرك ذلك أم لم يدرك.
أمام ما يحصل، تتضاعف مهماتنا ومسؤولياتنا المتمحورة حول تبيان الحقائق التي تخدم أهدافنا في المقاومة. نحن أمام تحدّيات ذات مخاطر عالية، تحدّيات تتمحور في جوهرها حول كيفية إبراز وإظهار أهمية رسالَتنا. نحن إذاً في مواجهة مستمرة، ولكنها في هذا الزمن تلبس لبوساً مختلفاً. من هذا المنطلق، علينا أن ندركَ أهمية وخطورة دور الإعلام في هذه المرحلة، الأهمية تكمن في إنتاج إعلام مناهض ومواجه لإعلام أضحى معطِّلًا لقوى الفكر، ومعوِّقًا لتطوّر الشخصية واستقلالها. مرتكزات المواجهة هنا تكمن في استخدام الممكنات الإعلامية للتوعية على هذه التعمية من خلال بث الحقائق مقابل إعلام سائد يسيطر على الناس ويسلبنا بأدواته الناعمة إمكانية تكوين آرائنا وبلورة أفكارنا.
في هذا العصر المتسارع بتقنياته الإعلامية، وفي ظل هذا الواقع، تُطرح الأسئلة حول الأهمية والكيفية كما حول حجم ونوع المصداقية المطلوبة في ظل هذا التشظّي الإعلاميّ بهدف تنشئة أجيال واعية لحقيقة ثورة كربلاء ومدركة لأبعاد وكنه زيارة الأربعين المتمثّلة في المسارات التوعوية الإعلامية لهذه الثورة القادرة على فرض إرادة المواجهة.