مجلة وفاء wafaamagazine
“تحت عنوان : ” اللقاح السياسي” لم يعد مجدياً… “كورونا” الأزمة الحكومية في لبنان “تتحوّر
كتب وسام ابو حرفوش وليندا عازار في “الراي الكويتية”
تَمْضي الأزمةُ الحكومية في لبنان في “تَحَوُّراتها” السريعة “هاربةً” من كل محاولاتٍ لابتكار “لقاحٍ” سياسي يُحصِّن البلاد ضدّ مضاعفاتها المتسلسلة التي تشي بأن السيناريوات الأسوأ، مالياً واقتصادياً، والأخطر على صعيد تَفَشّي وباء ««كورونا»، مرشّحة لمزيد من الفصول العاتية.
فبعد شهرٍ على آخِر لقاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري خلُص إلى تثبيت الـ”لاءات المتبادلة” حيال التشكيلة الحكومية ومعاييرها وتوزيع الحقائب فيها، انتقل الخلافُ المستحكم بين الطرفيْن إلى مرحلةٍ أشدّ احتداماً في الساعات الماضية كرّستْ صحة كل المناخ الذي ساد في الأسابيع الأخيرة حول معركة “كسْر عظْم” على خط الرئاستيْن بات معها إمكان تعايُشهما “تحت سقف” حكومةٍ تحتاج ولادتها لتوقيع كليهما أمراً شبه مستحيل.
وفيما لم يكن “برد” بعد جمر “فيديو الإساءة” التي وجّهها عون إلى الحريري متّهماً إياه بـ”الكذب”، وعلى وقع الانتظار الثقيل الذي كان سائداً لمَن يبادر بين الرجلين للاتصال بالآخر لطلب لقاءٍ يلحّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على رئيس الجمهورية أخذ المبادرة لعقده، باغت عون الجميع ببيان تصعيدي حَمَل رسائل بأكثر من اتجاه.
– أولاً برسْم الحريري نفسه عبر إشارة هي الأكثر وضوحاً إلى «ردّ» التشكيلة التي سبق أن أودعها إياه وإلى ضرورة «الصعود» بمسودّة ثانية وفق شروط فريق رئيس الجمهورية وخصوصاً لجهة الإصرار على وزارتيْ الداخلية والعدل مع الدفاع والتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين أو الغالبية الساحقة منهم (ما سيعني منْح هذا الفريق الثلث المعطّل منفرداً).
وقد عبّر عن هذا الأمر كلام البيان عن أن «اختيار الوزراء وتسميتهم وتوزيعهم على الحقائب الوزارية ليس حقاً حصرياً لرئيس الحكومة وأن للرئيس عون حقاً دستورياً بأن يوافق على التشكيلة كاملة قبل التوقيع» و«ليس لرئيس الجمهورية أن يكرر دعوة رئيس الحكومة المكلف الى الصعود إلى بعبدا، ذلك أن القصر لا يزال بانتظار أن يأتيه الرئيس المكلف بطرح حكومي يراعي معايير التمثيل العادل».
– ثانياً رسالة دعم لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عبر «تبرئته» من «الادعاءات بأن يكون يعرقل تشكيل الحكومة»، تَزامُناً مع نفي طلب رئيس الجمهورية الحصول على الثلث المعطل، وهو ما اعتُبر بمثابة تكرار عون استراتيجية «المعركة معي» آخذاً بصدره إقامة خط دفاع أمام صهره ووريثه السياسي الذي لا يمكن فصْل الحسابات التي تحكم مقاربته الملف الحكومي عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في ضوء احتمال أن تتحوّل الحكومة العتيدة رئاسية في تكرارٍ للسيناريوات التي رافقت هذا الاستحقاق تباعاً منذ العام 2007.
– ثالثاً برسْم «حزب الله» الذي كان يستعدّ لمسعى لـ«إعادة بناء الثقة» بين عون والحريري، وهو ما عكستْه إشارة البيان إلى ادعاء «البعض» أن «حزب الله» يضغط على رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة، وهذا غير صحيح في المطلق لأن الحزب لا يتدخل في أي قرار لرئيس الجمهورية، بما في ذلك تأليف الحكومة.
وبإزاء هذا الجو المحموم الذي لاقتْه مصادر الحريري بتأكيد أن قصر بعبدا يصرّ «على تبنّي معايير باسيل في تشكيل الحكومة رغم النفي المتواصل لذلك فيما الرئيس المكلف لا يريد إلا حكومة بمعيار الدستور والمصلحة الوطنية والقواعد التي حددتها المبادرة الفرنسية»، اعتبرت مصادر واسعة الاطلاع عبر «الراي» أن مبادرة الراعي تعرّضت لتهشيمٍ متعمّد يصعب أن تبقى معه قادرة على تحقيق أي اختراق، في حين أن مسعى «حزب الله» بدا في جانب منه «مفخّخاً» بفعل ربْطه من إعلام قريب من الحزب بأن الحريري يفترض أن يكون «تَحَرَّر» من ضغوط خارجية بعد مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض.
وإذ جاء موقف المجلس السياسي لـ«التيار الحر» أمس مكملاً لتصعيد عون بدعوته الحريري إلى «التزام قواعد الميثاق والدستور والإقلاع عن محاولات وضع اليد على الحقوق السياسية لأي مكوّن لبناني»، مذكراً بأنّ «زمن الوصاية الخارجية انتهى ومن الوهم أن يحاول البعض استبداله بهيمنة داخلية»، ومصوّباً بعنف ضمناً على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وفريقه بعد مواقف الأخير النارية ضد العهد، اعتبرت الأوساط أن المأزق الحكومي يراوح بين حدّ داخلي ظاهره مَن يتصل بمَن، وحدّ خارجي يمرّ بواقع لبنان كحلقةٍ ما فوق استراتيجية في «قوس النفوذ الإيراني» وصولاً إلى المتوسط، ولا ينتهي بالعين الحمراء الدولية – العربية على الإمعان في تظهير انزلاق بيروت إلى المحور الإيراني بما يجعل أي مدّ لها بيد الإنقاذ المالي مربوطاً بمعاودة التموْضع الاستراتيجي للبلاد والتصدي لـ«مشكلة حزب الله» إلى جانب الإصلاحات.
وفي حين اعتبرت هذه الأوساط أن موقف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول أن «لبنان لن يزدهر من دون إصلاح سياسي ونبذ حزب الله» وأن «لبنان يملك مقومات للنجاح لكنه يحتاج للإصلاح» شكّل أفضل تعبير عن هذا الواقع، لفتت إلى «ثلاثيّ» متشابك يحكم الأزمة الحكومية في هذه المرحلة، أوّل ضلع فيه أن الحزب وحتى لو أراد فعلاً القيام بمبادرة جدية للإفراج عن الحكومة في «الوقت الضائع» ريثما يرتّب جو بايدن أوراقه في المنطقة، فهو يصطدم بتصلُّب فريق عون وحساباته التي لن يقفز فوقها، والضلع الثاني أنه إذا كان الحزب لا يريد حكومة في هذا التوقيت ربْطاً بحاجة طهران لتقديم أواق اعتماد للإدارة الأميركية الجديدة فإنه يستفيد من شروط عون.
أما الضلع الثالث فأن أي تشكيل للحكومة بموازين القوى الداخلية والغالبية التي يملكها الائتلاف الحاكم (فريق عون – حزب الله) سيعني ترْك البلاد تتدحرج في الطريق إلى جهنم ما لم يتم كسْر التوازن السلبي الخارجي الذي يظلّل الواقع اللبناني.