مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة ” النهار ” : قبل ان يغادر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزف بوريل بيروت امس، بعدما اطلق من بعبدا السبت الرسالة الحازمة والصريحة للمسؤولين والقادة اللبنانيين حول شروط دعم الاتحاد للبنان، سارع “الممثل الأعلى” للعهد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى صرف الأنظار عن التضارب الواسع بين المواقف الأوروبية واتجاهات العهد وتياره المعطلة لتأليف الحكومة ناقلا الازمة الى مرحلة أشد تعقيداً وقتامةً واكثر كلفة بما يستحيل تقديره. ومع ان تاريخ “التيار” في علاقته مع”حزب الله ” منذ تفاهم مار مخايل لا يستدعي فرك اليدين استغراباً لاي تبادل خدمات استراتيجية او تكتية بين الفريقين، فان باسيل ذهب أبعد بكثير مما تصوره كثيرون في الداخل والخارج في اللحظة الحالية، حين أعلن بالفم الآن امس تسليمه الكامل لمشيئة الحزب والسيد حسن نصرالله في الملف الحكومي، بل اعلن جهراً وعمداً انه يطلب من السيد ان يتولى هو الحسم في الخلاف الحكومي مسقطاً بالضربة القاضية مبادرة رئيس مجلس النواب نبًيه بري.
واتخذ ما سماه باسيل “مبادرة ” في استجارته بتدخل “حزب الله” مجموعة دلالات بالغة السلبية بدءاً بمبدأ التسليم بذاته للحزب بهذا التفرد، علما ان تزامن اعلان باسيل لموقفه هذا مع وجود المسؤول الثاني الارفع في الاتحاد الأوروبي في بيروت سيترك ترددات وتداعيات سيئة في اظهار كتلة العهد النيابية وتياره السياسي في مظهر المناوأة المتعمدة والتحدي السافر للأسرة الدولية المعروف موقفها من الحزب وسلاحه والمتخذة بحقه عقوبات أميركية وغربية وعربية.
وعلى الصعيد الداخلي بدت “مبادرة” باسيل فاضحة لجهة “عزلتها” سياسياً ودستورياً وتفردها وكأنها اطلقت للنكد والنكايات السياسية في مواجهة مروحة واسعة من القوى السياسية بدءاً برئيس المجلس والرئيس المكلف سعد الحريري. أما الدلالة السلبية الثالثة فتمثلت في البعد الطائفي الذي أثاره موقف “كتلة العهد” التي يفترض ان تكون رأس الحربة في منع أي انحرافات سيادية. ولم يقف الامر عند هذا الحد بل استكمله باسيل بإلهاب جبهة العداوة مع “القوات اللبنانية” نابشاً التاريخ الدامي عشية فجر الطائف بما تسبب باشتعال عنيف بين “التيار” و”القوات”. بذلك وعلى رغم المواقف الشديدة الأهمية التي اعلنها بوريل السبت في بداية زيارته ومن ثم عصر امس مع نهاية الزيارة بدت كل حظوظ احياء الجهود لتأليف الحكومة وكأنها ذهبت ادراج الرياح. ذلك ان باسيل انقض واقعياً على مبادرة بري حين انبرى لتبرير طلب مبادرة “صديقه” السيد نصرالله متذرعاً بان ”أزمة التشكيل كشفت أزمة النظام والدستور والممارسة والنوايا، وهذا الأبشع، وكشفت أن معركة الدفاع عن الحقوق التي نقوم بها، ليست من باب المزايدة ولا العرقلة، بل من باب حماية وجودنا الحر”.
وسأل: “أي ردة فعل تنتظرون منا، عندما تستشهدون بالبابا والبطريرك لتكذبوا عليهما بالمناصفة، وتعودون لنا بالمثالثة المقنعة وبصيغة ثلاث ثمانات بالحكومة؟ المناصفة الفعلية هي 12 بـ 12، يسمونهم بالتوازي والتساوي المسيحيين والمسلمين، وليس 8 يسمونهم المسيحيين و 16، 8 بـ 8 يسمونهم المسلمين… هذه مثالثة ومرفوضة”. وقال : ”السيد حسن استعان بدولة الرئيس بري كصديق له ليقوم بمسعى حكومي، وليس بمبادرة، لأن لا عناصر لها او على الأقل لا نعرفها او تبلغناها، ولكن نعتبره مسعى وجهداً مشكوراً اذا كان متوازنا وعادلا، اي اذا كان هناك وسيط نزيه، ويصير غير مرغوب به، اذا طلع منحازاً ومسيئاً لنا كما تظهر أخيراً. اليوم أريد الاستعانة بصديق هو سماحة السيد حسن نصرالله، لا بل اكثر، أريده حكما وأأتمنه على الموضوع… أنا لا اسلم أمري ومن أمثل الى السيد حسن بل أأتمنه على الحقوق. هو يعرف اننا مستهدفون، وكل ما يحصل هو للنيل منا، ويعرف اننا تنازلنا بموضوع الحكومة عن أمور كثيرة. يا سيد حسن، اعرف انك لا تخذل الحق. انا جبران باسيل، من دون أن أحملك اي عبء، أقبل بما تقبل به انت لنفسك. هذا آخر كلام لي بالحكومة”.
اشتعال
وقرن باسيل استجارته بالسيد نصرالله بهجوم عنيف ومقذع على رئيس حزب “القوات اللبنانية” قائلا “هل تعتقد انت يا جعجع انّك تخفي جريمتك بسكوتك، اذا تحجّجت انّنا نحن لا نقوم بمعركة حقوق، بل نعمل معركة مصالح فانت عملتها بالطائف بالـ 90 حين غطيته وكان عندك نواب ووزراء بوقتها، ولماذا فعلتها بالقانون الأرثوذكسي ولا تعملها اليوم؟! أو انّك تتلهى بتعمير القلعة فوق التلة من الخوات ومن المال السياسي وبيع الكرامة والحقوق؟”.
واستدرج هجوم باسيل رداً عنيفاً من حزب “القوات”سأل فيه “هل من المسموح لرئيس أكبر كتلة مسيحية ولديه رئاسة الجمهورية ان يستعين بالسيد نصرالله ويجعله حكماً في موضوع الحكومة؟ ما هو المثال الذي يعطيه باسيل؟ هل الحكم هو السلاح أم الدستور؟ فلم يصل لبنان إلى ما وصل إليه سوى بسبب الاستقواء إما بالنظام السوري او بسلاح ”حزب الله” في الوقت الذي يجب ان يكون رئيس الجمهورية وحزبه السياسي في طليعة الداعين إلى الاستقواء بالدولة”. وسألت أيضاً “أي مسيحي في لبنان يملك العزة والكرامة والشهامة يقبل بان يكون السيد نصرالله او غيره مؤتمناً على حقوق المسيحيين؟ ان أكبر استباحة لحقوق المسيحيين تكمن في جعلهم في ذمة سلاح غير شرعي، وإيصالهم إلى الذل الذي يعيشونه بسبب سياسة المصلحة والسمسرة والفساد”. وقالت “لا نستغرب متاجرة السيد باسيل بالكذب والتضليل لأنه من هذه المدرسة التي راكمت شعبيتها بالتزوير والفبركة.. كل العالم يعرف سرقاتك المباشرة من الدولة، والعقوبات الدولية عليك جاءت بسبب فسادك وسرقتك لمال الناس والدولة”.
رسائل بوريل
في غضون ذلك أنهى بوريل زيارته لبيروت بخلاصة “أن جوهر الأزمة الحكومية في لبنان ينبع من تناحر الزعماء اللبنانيين على السلطة”، وحثهم على “تنحية خلافاتهم جانباً وتشكيل حكومة أو المخاطرة بانهيار مالي كامل والتعرض لعقوبات”. وكشف إنه وجه رسالة صريحة مفادها أن بعض الزعماء قد يواجهون عقوبات إذا استمروا في عرقلة الخطوات الرامية لتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات تمس الحاجة إليها. ولفت الى أن “البلد يواجه مشكلات مالية كبيرة ومن أجل حل الأزمة الاقتصادية يحتاجون إلى حكومة.. أي سفينة في خضم العاصفة بحاجة إلى قبطان وإلى طاقم حتى يعمل النظام والإ سيكون مصيرها الغرق”.
وقال لمجموعة من الصحافيين قبل مغادرة بيروت: “من الواضح أنه تشاحن من أجل توزيع السلطة. لابد أن أقول إن هناك أيضا حالة كبيرة من انعدام الثقة”.
وأوضح بوريل أن لبنان بحاجة إلى حكومة تتمتع بقدرات فنية وسلطة حقيقية لتجنب ما حدث من إخفاق لحكومة حسان دياب المنتهية ولايتها والتي قال إنها قدمت خطة إصلاح مالي سليمة لكن الساسة وضعوا العراقيل أمامها.
وشدد على أن المساعدات الخارجية لن تتدفق بدون حكومة تعمل مع صندوق النقد الدولي وتنفذ إصلاحات لمعالجة الفساد وسوء إدارة الأموال. لكنه قال ان القادة الذين التقى بهم كانوا متشائمين بشأن إحراز تقدم.
وأكد أن عدم اتخاذ إجراء سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطات الأجنبية وجعل البلاد بدون عملات أجنبية لدفع ثمن السلع الأساسية أو مواجهة نقص الإمدادات بالمستشفيات. وأشار الى أن محادثاته سلطت الضوء على الانقسامات العميقة بين الطوائف اللبنانية سواء مسيحية أو سنية أو شيعية أو درزية، والطريقة التي يتم بها تقاسم السلطة. وقال “هذا البلد لديه مشكلة واضحة في نظام الحكم الخاص به”.
وهددت بعض دول الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا، بفرض عقوبات في محاولة منها لدفع الساسة إلى إنهاء الجمود . وأظهرت مذكرة دبلوماسية للاتحاد الأوروبي اطلعت عليها ”رويترز” أن معايير فرض العقوبات ستكون على الأرجح الفساد وعرقلة جهود تشكيل الحكومة وسوء الإدارة المالية وانتهاكات حقوق الإنسان.
ولم يقرر التكتل بعد النهج الذي سيتخذه.
وقال بوريل الذي يقدم تقاريره لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم الاثنين: “العقوبات هي احتمالية سيتم النظر فيها ونود بشدة عدم استخدامها. لكن لا يمكننا البقاء على هذا النحو”.