مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى النائب جهاد الصمد كلمة في جلسة الثقة جاء فيها:
“أنا اليوم محرج، لكنني لست في حيرة، فلي في هذه الحكومة صداقات، ويشارك فيها حلفاء، ويرأسها صديق أكن له كل التقدير والإحترام. أنا اليوم محرج لكنني لست محايدا عملا بقول الإمام علي رضى الله عنه: “المحايد شخص لم ينصر الباطل، لكنه بالتأكيد خذل الحق”، ولأني لا أستطيع أن أخذل ناسي وشعبي الذين هم دوما على حق.
فعذرا يا دولة الرئيس لن أستطيع أن أمنح حكومتكم الثقة وإن كنتم تحوذون على ثقتي الشخصية. آملا أن لا يكون خلاف الرأي مفسدا للود والإحترام المتبادل.
لن أناقش البيان الوزاري فذلك مضيعة للوقت. سأتوقف عند مسار التأليف ومدى تقيده بمبدأين جوهرين:
أ – التزام الدستور وتطبيقه.
ب – التزام جوهر المبادرة الفرنسية.
منذ انتخاب فخامة الرئيس، أي تقريبا خمس سنوات، شهدت البلاد فراغا حكوميا ناهز السنتين أي 40 % من عمر العهد. كما شهدت البلاد إنهيارا سياسيا – إقتصاديا – نقديا – ماليا، نتيجة تراكم أداء سياسي – إقتصادي – نقدي – مالي تجاوز ربع قرن وأكثر. لذا كنت من الداعين ومنذ أكثر من سنة في تشكيل حكومة إنقاذ حقيقية من وزراء مشهود لهم بالإستقلالية والتجرد والكفاءة والنزاهة.
كنت من الداعين للإسراع بتشكيل أي حكومة طالبا التضحيات والتنازلات من الجميع، مناشدا أولي الأمر تغليب المصلحة الوطنية على الكيد والنكد والنكاية. لذا أقدمت على تسمية الرئيس سعد الحريري باعتباره المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة، ومن بعده سميت الرئيس نجيب ميقاتي باعتباره المرشح الأكثر قدرة على تأليفها.
لكن للأسف لم يطابق حساب البيدر حساب الحقل، فوقع الأول في سياسة الكيد والنكد والنكاية، أما الثاني فلقد كانت تنازلاته مؤذية، وتؤذن لولادة بدع جديدة في مسار تأليف الحكومة. وسأفصل ذلك في ما بعد.
لقد كانت هواجسي وحوافزي بضرورة تشكيل حكومة خوفا وخشية من الفراغ القاتل في السلطة، والممتد لأكثر من ثلاثة عشر شهرا، والذي أدى إلى اكتمال إنهيار الدولة والسلطة والنظام العام … فأصبحنا نقيم على أشلاء وطن.
فلا سلطة مركزية، ولا هيبة للحكم، ولا إستقلالية للقضاء، وأجهزة أمنية فاتحة على حسابها، وقطاع مصرفي مفلس عمليا ويحتجز أموال المواطنين، وحاكم مصرف لبنان يتحكم بالبلاد والعباد دون حسيب أو رقيب، ورئيس حكومة مستنكف عن تصريف الأعمال حتى في أضيق نطاقها، متذرعا بقراءة دستورية متزمتة، يغلب عليها ردة فعل على تحالف حاكم أسقطه وأسقط حكومته.
للإنصاف، والتزاما للنزاهة الفكرية والأخلاقية، فأنا ملزم بتوجيه التحية لبعض الوزراء الذين استمروا بتحمل كامل مسؤولياته رغم استقالة الحكومة، وأخص بالذكر الوزيرات السيدات: زينة عكر وماري كلود نجم ومنال عبد الصمد. والمؤسف أننا نشهد اليوم تراجعا في تمثيل المرأة في تشكيلة الحكومة الحالية، بحيث تراجع حضورها من ست وزيرات إلى سيدة واحدة أتمنى لها النجاح.
تنص المادة 53 من الدستور، الفقرة الرابعة: “يصدر رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول إستقالة الوزراء وإقالتهم”، وأنا أزعم أن كلمة الإتفاق وحق الإصدار والتوقيع المعطى لفخامة الرئيس يتيح له إذا أراد أن يكون صاحب كلمة أساسية في طبيعة شكل الحكومة، ولا يمكن تأليفها دون التشاور والتوافق مع فخامة الرئيس”.
لكن ما يجب التأكيد عليه أن هذه الصلاحية الدستورية لصيقة بشخصه كونه رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويسهر على استقلاله كما نصت المادة 49 من الدستور، ويقسم اليمين على ذلك كما نصت المادة 50.
أكرر أن هذه الصلاحية لصيقة بشخص الرئيس وهو لا يحق له تفويضها لأحد أيا كان، وإلا نكون أمام خرق فاضح للدستور.
أما واقع الحال، وفعليا، فإن فخامة الرئيس قد فوض الصلاحيات المعطاة له دستوريا لولي عهده. ولقد سبق لمعالي الوزير المفوض أن صرح أنه لن يكرر الخطأ الذي وقع به أثناء تأليف الرئيس دياب حكومته، إذ وافق على توزير البعض الذي تبين له في ما بعد عدم إلتزامهم بكل توجيهاته، وهو لن يكرر هذا الخطأ وبالفعل هذا ما حصل.
الكل اليوم يلعب في المنطقة الرمادية، ويقول لم يحصل أحد على الثلث المعطل أو الضامن، وأنا أجزم أن معالي ولي العهد قد نال الثلث الضامن لحكومة ثلاثينية وليس لحكومة من 24 وزيرا، وسوف تثبت الأيام ما أقول، متمنيا أن أكون مخطئا، لأن مصلحة البلاد والعباد تتناقض مع هذه البدعة التي أخشى أن تصبح عرفا دستوريا.
بمزيد من الصراحة أتساءل أين دور الرئيس ميقاتي في تأليف الحكومة؟ حكومة المحاصصة والتبعية هذه التي خرج وحده من دون حصة . فكل فريق سياسي إنتدب ممثليه إلا هو. وما يجب التوقف عنده أن حصة “أهل السنة” سماها الرئيس الحريري، وشاركه وعاونه في ذلك الوزير باسيل، الذي كان له رأي في تسمية وزير الإقتصاد، أما وزير الداخلية فلقد خضع مرتين لامتحان قبول مع إكمال في اللقلوق، وإلا لماذا لم يتم توزير اللواء بصبوص أو اللواء مروان زين؟ لسبب بسيط أن الوزير المذكور قد نجح في امتحان التبعية، ولأن بعض المناصب الوزارية قد أصبحت رشوة وطعما للفساد والتبعية في القضاء.
ملاحظة: من نعم الله علينا أن تدخل معالي ولي العهد قد خص به أهل السنة، لذا نحن له من الشاكرين، وبالشكر تدوم النعم.
كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة وزير إقتصادها يحدثنا عن الضفادع؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة بعض وزرائها يضخمون سيرهم الذاتية؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة بعض وزرائها منفصلون عن شعبهم ويعيشون في كوكب آخر؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة وزير داخليتها في حقه شكاوى أمام التفتيش القضائي؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لوزير داخلية ملفاته الشخصية تجعله تابعا لجهاز أمني؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة تضم وزير داخلية شريك في فضيحة الـ”إيدن باي”؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة تضم قاضيا كوفىء بتوزيره لتقديمه خدمات تخالف القانون والضمير؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة شرط التوزير فيها إما أن توافق أو تنافق وإلا ما عليك إلا أن تفارق؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة تغير إسمها ثلاث مرات في ثلاثة أيام؟ كيف أستطيع أن أمنح الثقة لحكومة وأنا لا أزال أذكر، أنه في زمن مضى كان وزير داخليتنا من طراز ريمون إدة وكمال جنبلاط والرئيس سليمان فرنجية؟
أنا أعلم أنه ليس صدفة إنخفاض سعر صرف الدولار، وليس صدفة رفع الدعم، وليس صدفة كسر الحصار، وليس صدفة إستجرار الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر سوريا، وليس صدفة تحرير حصة لبنان من صندوق النقد الدولي والتي تناهز مليارا ومئة وثلاثون مليون دولار. أنا أعلم أن الطريق أمامكم معبدة نسبيا، فأحسنوا المبادرة واستمعوا لصوت الشعب. والله ولي التوفيق”.