الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / «نوبل للسلام» جائزة لمن لا يستحقها

«نوبل للسلام» جائزة لمن لا يستحقها

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب مبارك بيضون في “اللواء” :

مع انطلاق التحضيرات لتوزيع جوائز نوبل 2025، فإنّ الأضواء انصبّت على البحث عمَّنْ سيكون صاحب الحظ باستلام أبرز الجوائز العالمية السنوية «نوبل للسلام»، في زمن أصبحت الحروب وسفك الدماء، مادة دسمة على موائد الزعماء المتناحرين، ووسائل الإعلام المقتنصة لفُرصة «الخبر الحدث»!!
وعلى مسافة أقل من 6 أشهر من كانون الأول المقبل، موعد توزيع الجوائز، عادت فكرة منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب «جائزة نوبل للسلام» إلى واجهة الأخذ والرد بين مَنْ اعتبره أكثر مَنْ يستحقها لدور الفاعل في اتفاقيات التطبيع العربي – الإسرائيلي، وبين مَنْ رأى أنّه أبعد ما يكون عن الحق بالحصول عليها لما له من دور هدّام في تزّعم قوى الاستكبار العالمي.

يُعتبر الأب الروحي لـ«جوائز نوبل» الصناعي السويدي ألفريد نوبل، وهي عبارة عن 5 جوائز تكريم عالمية في مجالات: الفيزياء، الكيمياء، الطب، الأدب، الاقتصاد والسلام، منحتها شراكة بين مؤسسات سويدية ونرويجية للمرة الأولى في العالم 1901. أما الأسس التي اعتمدت لمنح «جائزة نوبل للسلام» إلى شخصيات طبيعية أو معنوية فهي «لمَنْ قاموا بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه».

فكرة ترشيح ترامب!!!

في السنوات الأخيرة، لا سيما خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى (2017-2021) طُرِحَتْ فكرة ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحصول على الجائزة، نتيجة رعاية إدارته لاتفاقيات التطبيع المعروفة بـ«اتفاقيات إبراهام» (2020)، بين إسرائيل وبعض الدول العربية (الإمارات – البحرين – السودان – المغرب).
سوّق «البيت الأبيض» آنذاك، ويعود اليوم إلى تسويق هذه الاتفاقيات كإنجاز تاريخي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ليؤكد ترامب نفسه أنّ عمله هذا «خطوة تستحق نوبل للسلام»، وقد ساهم بعض السياسيين الداعمين خطط ترامب سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو أوروبا، في توجيه الرأي العام العالمي ناحية ضرورة منح الرجل الأميركي الحديدي هذا الترشيح، إلى أنْ تقدّم برلمانيون نرويجيون فعلياً بترشيحه رسمياً.

بلبلة وتناقضات حول الترشيح

لكن سرعان ما تحوّل هذا الترشيح إلى موضع جدل واسع، نتيجة ارتباط اسم مجرم الحروب والإرهابي الدولي بنيامين نتنياهو بهذه الاتفاقيات، لا سيما مع ما أعقبها من أحداث كبرى أبرزها مشروع الإبادة الجماعية للشعب العربي في قطاع غزة.
فيما سارع الإعلام الأميركي إلى تأكيد أحقية ترامب بالجائزة، عمل الإعلام العبري على بث فكرة أن نتنياهو نفسه يدعم ويشجّع منح ترامب الجائزة تقديراً لدورهما المشترك في «اتفاقيات إبراهام».
من هنا، برزت أولى التناقضات ما بين الحق بالجائزة الأرفع على صعيد السلام العالمي وبين قيادة نتنياهو لأكبر حرب في الكوكب وخلال الألف الثالث على قطاع غزة، مُتسبباً بمجازر تُندّى لها الجباه فيما مئات الآلاف من الشهداء المدنيين يرتقون يومياً في غزّة، ومثلهم يموتون جوعاً، حتى أنّه مُتّهم بارتكاب جرائم حرب وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان و«المحكمة الجنائية الدولية»، فكيف سيكون وترامب داعمه بالصواريخ والسلاح شريكان في صناعة السلام؟!
أما التناقض الثاني فيكمن في عجز ترامب عن إنجاز حل عادل ومُستدام للنزاع الجوهري الأساسي في منطقة الشرق الأوسط، وهو «الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ العام 1948»، لذلك فإنّ منحه «جائزة نوبل للسلام» في ظل قيادة «حليفه» نتنياهو لحرب دموية، بدأت من غزّة وامتدت إلى لبنان فسوريا واليمن وصولاً إلى إيران، يُعدّ بنظر الكثير من المطّلعين انتهاكاً صارخاً لمبادئ الجائزة، بل هو استهتار بقيم السلام الذي أُريقت على جانبيه دماء شعب كامل أُسر في أكبر سجن مفتوح في العالم.
فيما التناقض الثالث، يكمن في خشية الكثيرين ممَّنْ يعنيهم الشأن الإنساني وخطط التنمية المستدامة، أنْ تُستغل «جائزة نوبل للسلام» كغطاء سياسي دولي، يهدف إلى تحسين صورة ترامب الذي علّقت رئاسته الجديدة لأميركا سلاسل محاكماته بجرم احتيال ونصب، إضافة إلى إظهار ربيبه المجرم نتنياهو بصورة الحمل أمام حملات منظمات حقوق الإنسان، مع العلم بأنّ الجائزة لا تمنح أي «حصانة» من المثول أمام المحاكم الوطنية أو «المحكمة الجنائية الدولية».
وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ السجال الذي يشهده العالم اليوم بسبب ترشيح ترامب ليس الأول على الصعيد، حيث عشيّة ترشيح ثم منح الرئيس الأميركي هنري كيسنجر جائزة نوبل للسلام، رغم دور الدموي في حرب فيتنام، أو حتى حول الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي حصل عليها في بداية ولايته دون أن يحقق إنجازاً ملموساً آنذاك.
يُعتبر منح «جائزة نوبل للسلام» من أروع وأسمى الجوائز التي يمكن الحصول عليها، إلّا أنّ فكرة منح الجائزة للرئيس الأميركي تشوبها الكثير من العثرات، خاصة ارتباطها بـ«اتفاقيات إبراهام»، في ظل الإجرام الذي يمارسه نتنياهو بالشرق الأوسط، ما يجعل الترشيح موضع تناقض صارخ مع مبادئ الجائزة.