الجمعة 13 كانون الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
دخل البلد في أزمة سياسية طويلة. إعلان جبران باسيل انتقاله إلى المعارضة ليس سوى وجه من وجوه هذه الأزمة. الاثنين، يفترض أن يعود سعد الحريري رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة، بأكثرية محدودة. كيف سيتصرّف من بعدها؟ هل يستمر برفع السقوف، متسلّحاً بدعم أميركي دخل على خط التأليف، أم يتواضع، فيعود إلى التفاوض مع الكتل الأخرى، أم يترك المهمة لشخصية أخرى؟حسم جبران باسيل أمره. التيار الوطني الحر لن يشارك في الحكومة، التي يتوقع أن يُكلف سعد الحريري بتأليفها يوم الاثنين.
أبلغ موقفه هذا لحزب الله وللرئيس نبيه بري قبل أن يعلنه على الملأ في مؤتمر صحافي أعقب اجتماع تكتل لبنان القوي. قال إنه طالما أن الحريري أصر على «أنا أو لا أحد» وأصر حزب الله وأمل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، فإن التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي لن يشاركا في هكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً. وعليه، فإن التيار سينتقل إلى الصفوف المعارضة، في ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل بوجود عون في الرئاسة والعونيين في المعارضة. لكن باسيل كان حاسماً «لا نُشارك ولا نُحرّض، ولكن نقوم بمعارضة قوية وبنّاءة للسياسات المالية والاقتصادية والنقدية ونقوم بمقاومة لمنظومة الفساد القائمة منذ 30 سنة والتي يريد البعض الاستمرار فيها من خلال الحكومة نفسها».
بالنسبة إلى التيار، فإن باب الحل ليس بحكومة تكنوسياسية، بل بحكومة إنقاذ من الاختصاصيين يكون رئيسُها وأعضاؤها من أصحاب الكفّ النظيف وفي الوقت نفسه مدعومين من الكتل السياسية على قاعدة احترام التوازنات الوطنية.
بحسب كل المعطيات التي سبقت قرار التيار، فإن باسيل لم يكن ليتخذ قراره لو تم الاتفاق على حكومة من ثلاثة: حكومة تكنوسياسية يرأسها الحريري وتضم وجوهاً سياسية تختارها الأحزاب من دون أي فيتو على الأسماء، حكومة اختصاصيين لا يترأسها الحريري وحكومة أحادية يترأسها فؤاد مخزومي أو جواد عدرا.
كان الاحتمال الأخير مرفوضاً من قبل حزب الله، فيما الاحتمال الأول رُفض من الحريري، الذي يضع فيتو على عودة باسيل إلى الحكومة. تبقى حكومة الاختصاصيين، وتلك كادت تمر الأسبوع الماضي، لولا تطييرها من قبل الحريري وباسيل معاً، كل لأسبابه.
لم يبق أمام باسيل في تلك الحالة سوى إعلان عدم المشاركة في الحكومة. فهل يؤدي هذا القرار إلى تسهيل ولادتها؟ الانطباع الأول لأكثر من طرف أن الحكومة بعيدة. ما هو مرجح حتى اليوم، هو أن الحريري سيُكلّف تأليف الحكومة. أما التأليف نفسه، فيحتاج إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة: على أي حكومة يوقّع رئيس الجمهورية؟ ومن يمثّل المسيحيين في غياب أكبر كتلة مسيحية؟ ومن يختار هؤلاء الوزراء، هل هو الحريري أم عون أم من؟ وهل إعلان باسيل عدم مشاركة التيار في الحكومة يعني أن الحريري لن يكون مضطراً إلى التفاوض مع باسيل؟ وإذا كان باسيل قد ركّز في حديثه على الميثاقية، مؤكداً عدم تخطي الموقع الميثاقي للحريري، فهل سيكون بمقدور الأخير تخطي الموقع الميثاقي للتيار الوطني الحر؟
الأسئلة الكثيرة تقود إلى عدم توقع حكومة في القريب، وخاصة أنه لم يعد معروفاً إن كان الاتفاق الذي عقد مع سمير الخطيب لا يزال صالحاً. فهل الحريري يوافق على حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها حزب الله وأمل صراحة؟ وإذا كان يريد العودة إلى شرطه السابق، أي ترؤس حكومة اختصاصيين، فهل يريدها غير حزبية؟ وهل يوافق حزب الله وأمل على التراجع عن مطلبهما التمثّل بسياسيين أم يوافقان على الاكتفاء بتسمية اختصاصيين؟ ماذا لو رفض الحريري؟
ديفيد هيل يدخل على خط التأليف
الأزمة عميقة. والحريري سيواجه تكليفاً بلا قدرة على التأليف (تلك حالة لطالما خبرها في السنوات السابقة). يفتقر إلى الغطاء المسيحي، وخاصة إذا استمرت «القوات» في إصرارها على حكومة من الاختصاصيين، مع توقعات بأن لا يسميه المردة أيضاً، وخاصة إذا رفض حزب الله تسميته. سيكون الحزب أمام معادلة جديدة. حماسته لعودة الحريري ليست مطلقة. يفضّل ترؤسه للحكومة، لكن لا يمكنه أن يقبل بأن يقود الحكومة مطلق اليدين في تسمية الوزراء وتنفيذ السياسة التي يجدها ملائمة للخروج من الوضع الحالي. وحتى إذا كان الحريري يرى أن هكذا حكومة هي الفرصة الوحيدة لكي يحصل على الدعم الأميركي والسعودي، فقد وجهت الرياض له رسالة عدم اهتمام بغيابها عن مؤتمر باريس (أول من أمس)، فيما يأتي الموفد الأميركي ديفيد هيل الأسبوع المقبل، معلناً الدخول المباشر للولايات المتحدة على خط التأليف.
مكابرة الحريري تزداد مع الوقت، لكنه لم يتنبّه، ربما، إلى أن ميشال عون ينتظره في بعبدا. شخصيته التي يعرفها الحريري جيداً، لا تسمح له بالموافقة على أي حكومة تعرض عليه. كيف سيحلّ الحريري هذه المعضلة؟
استهتار الحريري وعناده قد لا يفيدانه كثيراً. حلف عون ــــ حزب الله سيكون بالمرصاد إلى أن تخرج حكومة لا يشعران بأنها تستهدفهما. عندها قد لا يجد الحريري حلاً سوى بتسليم الأمانة إلى شخصية يختارها هو.
يفترض بالأجوبة أن تبدأ بالظهور منذ الاثنين، مع احتمالات مفتوحة على كل الاتجاهات، بما فيها احتمال الاتفاق مع باسيل. يكفي التذكير بإصرار الحريري على «ليس أنا بل أحد غيري» والتي انتهت، كما بدأت، إلى «أنا أو لا أحد غيري».
بالنتيجة، قد يتأخر الحل السياسي، لكن الانهيار صار راسخاً ومتجذّراً. وقد عُزّز أمس بإشارتين سلبيّتين: تخفيض «فيتش» لتصنيف لبنان الائتماني، وطلب الحريري مساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن ذلك لا يبدو أنه سينعكس تسريعاً في تأليف الحكومة أو تحمّل السياسيّين للمسؤوليّة.
الأخبار