مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: لم يتأخّر الفلتان الأمني في العودة إلى صدارة المشهد. المصارف التي سلبت الناس أموالهم، ترفض القبول بكونها هدفاً للمواطنين الذين يدافعون عن حقوقهم المسلوبة، والذين يقفون في وجه العنف الممارس ضدّهم يومياً، ومنذ سنين، في ظل نظام يحرمهم من الأساسيات لضمان تضخّم ثروات أصحاب المصارف وكبار المودعين والمحتكرين وشركائهم. بعد موقعة الحمرا أول من امس، خرجت المصارف لترمم واجهاتها، وسارعت إلى الهجوم. جنّدت كل رجالاتها وحلفائها في السلطة، بعد أن أصدرت جمعيتها بياناً حددت فيه أولويات “الثورة”، واعتبرت كل من يخرج عن تلك الأولويات مندساً.
مثلها فعل رئيس الحكومة سعد الحريري، بصفته عضواً “غير معلن” في جمعية المصارف، ليرسم خطاً أحمر حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويحوّل الاحتجاج على سياسات القطاع المصرفي إلى هجوم مذهبي على بيروت. لم يستخدم كلمات مذهبية، لكنه أطلق “شيفرة” يجيد اللبنانيون فكّها. وتحريضه المذهبي انفجر عنفاً في البقاع الأوسط، بعدما احتجز قاطعو الطريق التابعون لتيار المستقبل سائق سيارة كان يقصد مستشفى في بيروت للخضوع لجلسة علاج من مرض السرطان.
ولما لم تستجب القوى الأمنية للسماح له بفتح الطريق أمامه، استعان بأبناء عشيرته الذين فتحوا الطريق بالقوة، ليتبع ذلك اعتداء على حافلات ركاب من بعلبك، ما أدى إلى توتر مذهبي في البقاع الأوسط يكاد يكون غير مسبوق منذ أكثر من 10 سنوات. لم يتدخّل الجيش الذي شكا قائده، جوزف عون، قبل أيام، لمسؤولين سياسيين من أن العسكريين لم يعودوا قادرين على الاستنفار بالوتيرة ذاتها من الاستنفار الذي لامس الثلاثة أشهر بلا انقطاع.
وزيرة الداخلية، ريا الحسن، المصرفية هي الأخرى، ترأست أمس اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي، تبنّت فيه العنف ضد المنتفضين في الحمرا. فهي تتصرف بصفتها وزير داخلية الأجهزة الامنية، لا وزير داخلية اللبنانيين. ففي البيان الذي صدر عن اجتماعها، ذكرت الحسن عدد الجرحى في صفوف قوى الأمن الداخلي، من دون أن تأتي على ذكر الجرحى في صفوف المحتجين. المدير العام لقوى الأمن الداخلي، عماد عثمان، خرج بدوره ببيان يتزلّف فيه لأصحاب المصارف، إذ تعمّد القول إنه كان يتابع مواجهات الحمرا بنفسه من داخل غرفة عمليات شرطة بيروت. سلطة المصارف تتعامل مع المنتفضين كأعداء، فلا تأتي على ذكر جرحاهم. تباهى حصراً بعدد الموقوفين منهم. رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي كان يُنتظر منه أن يعلن حال الطوارئ الرقابية والتشريعية لإجبار المصارف على وقف سرق أموال المودعين، خرج أمس ليلعن الحراك الذي هاجم المصارف التي تحتجز رواتب العمال وموظفي القطاع العام و… مزارعي التبغ!
باختصار، سلطة المصارف كشّرت عن أنيابها. وبدأت تمارس العنف المفرط ضد المنتفضين، استكمالاً لحملة العنف المالي ضد جميع المودعين والموظفين، وضد كل دافعي الضرائب بلا استثناء. أطلقَت ماكينة تحريض سياسية وميدانية هدفت الى خفض الضغط عنها، وعن حاكمها رياض سلامة، بعدَ الضربة التي أصابتهما، رغم كل ما بذلته على مدى عقود لتلميع صورتها. وعملت هذه الماكينة على خطين: الأول تمثّل بعودة بعض المجموعات، بتوجيه من حزب القوات وتيار المُستقبل الى تحريك الأرض في بعض المناطق، عبرَ رفع منسوب الاحتقان الطائفي بشكل واضح ومتعمّد، و الاعتداء على مواطنين وإطلاق شتائم مذهبية وطائفية. والثاني، استنفار شبكة إعلامية وسياسية للدفاع عن سلامة تتهم المتظاهرين بأنهم ينتمون إلى جهات حزبية تريد إيصال رسالة الى سلامة نفسه، استكملها الحريري (كونه يملك مصرفاً وأحد أبرز المُستفيدين من الهندسات المالية) بالقول إن “الحاكم لديه حصانة ولا أحد يستطيع عزله”.
ساعات ثقيلة عاشتها مختلف المناطق والأحياء في الطريق الى ولادة الحكومة الجديدة التي من المفترض أنها “أُنجزت” في السياسة بعدَ مخرَج توافقي أمّنه اللقاء الأخير بين برّي ورئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل في عين التينة، بدفع من حليفهما حزب الله، بانتظار الاجتماع الذي سيُعقد اليوم بينَ برّي ودياب والذي من المفترض أن يخرج منه الدخان الأبيض ليتوجّه بعدها الرئيس المُكلف الى بعبدا حاملاً “التشكيلة” النهائية، اللهم إلا إذا دخلَ الشيطان في التفاصيل. خاصة وأن الإنذار الأخير بوجوب تشكيل حكومة اختصاصيين قد وصل الى مسامِع المسؤولين من الخارج، إذ علمت “الأخبار” أن رسائل بالغة السلبية بعثت بها وكالات التصنيف الى المعنيين أبدت استياءً كبيراً من “خفّة تعامل القوى السياسية مع الوضع الحالي”، مؤكدة أن البلاد “باتت في حكم المفلسة”! وإلى جانب وكالات التصنيف التي وضعتها السلطة في منصب الوصي، خرج المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش أمس ليقول إن “السياسيين في لبنان يقفون في موقف المتفرج بينما ينهار الاقتصاد”، مُنتقداً بشدة “النخبة السياسية التي فشلت في تشكيل حكومة في بلد ينزلق أكثر نحو أزمة اقتصادية ومالية”، لافتاً الى أن “السياسيين يجب أن يلوموا أنفسهم على “هذه الفوضى الخطرة”.
وكشف بعد زيارته بري أمس أنه نقل رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة “بضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت”، مضيفاً “لبنان بلد العجائب فيه أتعلم كل يوم أن ما من شيء مجاني”. وبعد أن انضم إلى “حزب المصارف” ليغطي عنف الأجهزة بحق المنتفضين (راجع صفحة 4)، قال إن “لبنان بلد فريد، حاكم مصرف لبنان يطلب صلاحيات استثنائية، على الأقل لإدارة الاقتصاد بينما هؤلاء السياسيون يتفرجون عليها وهو ينهار، إنه أمرٌ لا يُصدَّق”.
ورغم “دراماتيكية” ما عاشته بيروت وبعض المناطق، بسبب العنف المفرط من قبل الأجهزة الامنية، يبدو أن تأليف الحكومة تجاوز التباينات بين القوى الساعية إلى تأليفها. وفي المعلومات أن حزب الله لعبَ دوراً أساسياً في فضّ “الإشكاليات” بين حلفائه، وهو الذي دفع في اتجاه الاجتماع بين برّي وباسيل والاتفاق تحت سقف عنوانين: تأليف حكومة تكنوقراط والاستمرار في دعم حسان دياب، بعدَ تمسّك بري بشرط الحكومة التكنوسياسية واتجاه باسيل الى حسم موقفه من الخروج من الحكومة، على أن يتم تذليل كل العقبات التي تتعلق بالحقائب والحصص والأسماء وفقَ هذه المعادلة. وفيما أعادت مصادر مطلعة التأكيد على “إيجابية” الاجتماع، أشارت إلى “أننا في المربّع الأخير والجميع في انتظار لقاء بري ودياب الذي سيجري بعض الروتوش على التشكيلة التي سيتوجه بها دياب الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”. وعلمت “الأخبار” أن بعض العقد جرى حلها من خلال “الاتفاق على توزير ناصيف حتّى في وزارة الخارجية، وتنازل دياب عن حقيبة الاقتصاد لصالح التيار الوطني الحرّ، مقابل اعطاء وزارة العمل الى الوزير السابق دميانوس قطار”. وبات من شبه المؤكد أن التشكيلة ستكون من 18 وزيراً وليس 24، وتضم أربع نساء. والوزراء الذين سيتسلمون وزارات سيادية هم غازي وزني للمالية، وناصيف حتي للخارجية، والعميد المتقاعد طلال اللادقي للداخلية مبدئياً، وميشال منسى للدفاع الى جانب منصب نائب رئيس الحكومة. وقد توزعت الوزارات على الشكل التالي (الطاقة والاقتصاد والعدل والبيئة) للتيار الوطني الحرّ، فيما ستبقى “الأشغال” من حصة تيار “المردة”. أما السياحة أو الثقافة أو الإعلام فستكون من حصة “الطاشناق” حسب التبادل مع حركة أمل. أما حصة رئيس الحكومة (إلى جانب الداخلية)، فالاتصالات والتربية والشباب والرياضة، وللثنائي حزب الله وحركة أمل الصناعة والزراعة والصحة والمالية.