الرئيسية / منوعات / الحجر المنزلي خلّفَ أثراً على الصحة النفسية

الحجر المنزلي خلّفَ أثراً على الصحة النفسية

مجلة وفاء wafaamagazine

في ظلّ وجود نحو 2.6 مليار شخص في حالة من العزلة والحجر المنزلي نتيجة تفشّي فيروس كورونا، ظهرت التداعيات النفسيّة لهذه الأزمة على العديد من السكّان بعد مرور ما يقارب الثلاثة إلى ستة أشهر من «الحبس المنزلي». وقد صدر تقرير عن المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان: «الإغلاق هو أكبر تجربة نفسية للعالم… وسندفع الثمن».

وقد تُرجم هذا العنوان على أرض الواقع، حيث أنّ سكّان العالم واجهوا العديد من المشاكل النفسيّة المتعلّقة بالغضب، والقلق وغيرها، بسبب عزلهم في المنازل. تناولت «الجمهورية» هذه المسألة مع الدكتورة هنا عازار حج شاهين، بروفسورة في الجامعة اليسوعية وطبيبة فيLAU Medical Center – Rizk Hospital، وطبيبة نفسية للأطفال والراشدين، فقالت: «في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحجر المنزلي، اقتصر عملنا في لبنان كأطباء نفسيين على المكالمات الهاتفية. غير أنه وفي الآونة الأخيرة، بدأ المرضى يأتون إلى العيادات والمستشفيات لتلقّي المساعدة اللازمة».

وتابعت: «إرتفاع في القلق، حالات هلع، عنف جسدي وشفهي زوجي وعائلي ضد الزوجة والأولاد… كلها نتيجة الحجر المنزلي، حتى أنّ ارتفاع الشعور بالهلع والتوتر والقلق الشديد لدى فرد واحد من العائلة (لا سيما أحد الأهل)، أثّر على جَو المنزل ككلّ. كما أنّ التدريس على الإنترت زاد من الضغوطات، حيث أنّ الكثير من الأطفال لم ينجحوا في التأقلم وتحمّل التغيير». وأوضحت د. هنا: «في الحجر المنزلي، أمضى معظم الناس أوقاتهم في مشاهدة التلفاز، فلم يتلقّوا سوى أخبار المرض والموت والأزمات…لذا، ارتفع الخوف من الموت عندهم بشدة، كما الخوف من التقاط الفيروس والموت، أو من فقدان أحد أفراد العائة أو المقرّبين منهم. وأدى ذلك إلى تدهور الوضع النفسي في الإجمال، حتى أنّ الأمر وصل بالبعض إلى تطوير فوبيا الخروج من المنزل، إلى درجة خَلل وظيفي ومَرضي».

وأفادت د. هنا: «جعل الفراغ، والملل، والتوقف عن العمل أفراد العائلة يشعرون أنّ الآخر لا يفهمهم، وانّ الوضع في لبنان أسوأ من الدول الأخرى، إذ لم يتلقّ الشعب مساعدات بما فيه الكفاية لتخطّي الأزمة، فأصبح الوضع الاقتصادي عاملاً إضافياً يضغط على الصحة النفسية».

وشددت على أهمية دور الأطباء النفسيين في هذه المرحلة، حيث أنّ العائق المالي هو الذي ردعَ البعض من الاستنجاد وطلب المساعدة وهم في أمسّ الحاجة إليها، وقالت: «هنا يأتي دورنا كأطباء نفسيين، أن نحاول قدر الإمكان تقديم المساعدة والدعم لهم من دون أي مقابل».

الخوف من العيادات والمستشفيات

تناولت د. هنا الخوف السائد من التقاط فيروس كوفيد-19 في حال زيارة المستشفيات والعيادات. صحيح أنّ كل الإرشادات حول الوقاية من فيروس كورونا المستجد أوصَت بعدم الذهاب إلى المستشفى إلّا في الحالات الضرورية، لكنّ كثيراً من الناس أخذوا المسألة أبعد من اللازم، حتى أنهم خاطروا بحياتهم كي لا يدوسوا قدماً في المستشفى. فتعرّض الكثيرون لعوارض صحية خطيرة، مثل مشاكل في القلب أو نوبات هلع شديدة، ورفضوا الذهاب إلى المستشفى لاستشارة الطبيب أو للحصول على وصفة طبية لتناول الدواء اللازم».

مشاكل في الصحة النفسية

ظهرت لدى بعض الأشخاص مشاكل نفسية كانت «مخفية» قبل الحجر، لعدم شدّتها، كالوسواس القهري مثلاً. وبحسب د. هنا: «مع انتشار الوباء، ظهرت مشاكل كامنة طفيفة، وأصبحت حادة. حتى أنّ المبالغة بغسل اليدين أدّت أحياناً إلى مشاكل جلدية. ففقَد الناس السيطرة على الأمر.

أما حالات الهلوسة، والهذيان، والتوحد، والذهان… فبالاعتماد على تجربتي الخاصة، تحسّنَ معظمها، إذ سمح لهم الحجر الصحي بالبقاء في الـconfort zone الخاص بهم (أي منطقة الراحة). فهم أصلاً مُنعزلون في حياتهم اليومية، إذا لم يواجهوا تغييراً حادّاً.

وفي حالات الاضطرابات المزاجية، ناسَب البقاء في المنزل البعض، فيما تدهور وضع البعض الآخر».

الأطفال والحجر المنزلي

أبرز ما يقال في هذا الشأن هو أنّ طريقة الأهل في مواجهة الأزمة تؤثر بشكل كبير على نفسية الأطفال. وإنّ التوازن النفسي لدى الأهل يساعد الأطفال على التأقلم بشكل أفضل، كما أنّ النزاعات والصراعات الداخلية والزوجية تترجم باضطرابات لدى الأطفال.

وأوضحت د. هنا: «لقد تعرّض معظم الأطفال الذي يعانون فرطاً في الحركة للكثير من الأذى من الأهل: تعنيف بكل أشكاله، صعوبة في التأقلم مع البقاء في المنزل طوال الوقت، معاناة…»، وأشارت إلى ضرورة «الاستمرار في إعطاء هؤلاء الأطفال العلاج، حتى لو أنهم لا يذهبون إلى المدرسة. فالعلاج يساعدهم على الهدوء.

كما عانى المراهقون صعوبات نفسية، وفكّر بعضهم بإنهاء حياتهم، إذ كلّ ما ومَن حولهم يقول لهم انّ الوضع باق على ما هو عليه، وهم عاجزون عن تحمّل فكرة البقاء في المنزل لفترة طويلة، لا سيما في المنازل حيث الأهل في صراع دائم».

أمّا من ناحية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فهم لم يتوجّهوا إلى المؤسسات المخصّصة لهم أثناء الحجر، ما صَعّب المسألة عليهم بالطبع، وأثّر سلباً على نموهم. كما أنهم لم يفهموا جيداً في غالب الأحيان السبب وراء ضرورة البقاء في المنزل والانتباه على النظافة وغسل اليدين باستمرار، ولم يفهموا الأزمة بشكل عام».

 

 

 

 

 

 

 

الجمهورية