مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار” تقول: بدت الدولة برمتها وبكل سلطاتها السياسية ومؤسساتها المالية عاجزة أو متفرجة أو قاصرة أمام “التحليق” الناري التاريخي للدولار في “الأسواق السوداء” لبيروت والمناطق محطماً أرقاماً قياسية تجاوزت بعد الظهر الـ 5000 الى 6500 ليرة وربما اكثر. وبدا واضحاً ان البلاد تعيش واقعاً مثيراً لكل المخاوف من تفلت مالي يجسده الارتفاع المطرد للدولار مسقطاً كل المعالجات والتدابير والاجراءات التي اتخذت في الآونة الاخيرة لاحتواء هذه الفورة المخيفة من دون جدوى. ذلك ان الأيام الاخيرة عكست في الواقع تفلتاً بدا عصياً على الضبط بما يحتم مراجعات جذرية للاجراءات التي لا يزال ممكناً اتخاذها لمنع انزلاق الوضع الى متاهات تصعيدية واسعة في الشارع على غرار ما بدأت تنذر به التحركات الشعبية الاحتجاجية من اعتصامات وتظاهرات وقطع طرق رئيسية وفرعية في مختلف المدن الكبرى والمناطق، تعبيراً عن حال الاختناق التي تنزلق اليها البلاد.
ذلك فالاعتصامات وعمليات قطع الأوتوسترادات والطرق الرئيسية في بيروت والجنوب والبقاع والشمال مساء أمس بدت بمثابة جرس انذار متقدّم حيال انتفاضة ستكون مختلفة هذه المرة على ما تشير كل المعطيات، نظراً الى خطورة العامل المحرك مجددا للاحتجاجات والمتصل بواقع الفقر والبطالة والغلاء والقلق على الودائع المصرفية. وهي عوامل لا تتصل فقط بتداعيات وانعكاسات الارتفاع الخطير للدولار في مقابل انهيارات تاريخية في سعر الليرة اللبنانية، بل أيضاً وأساساً بالقصور الخطير للحكومة الذي أظهرته أمام التحديات الزاحفة للواقع الانهياري المالي والاقتصادي.
وما زاد الطين بلة ان تهافت أهل السلطة على محاصصات التعيينات وسط اشتداد أزمات الناس سلط الاضواء بكثير من الخطورة على احتمالات اشتعال الشارع، علماً ان الأصداء التي تعالت غداة جلسة تقاسم التعيينات تنذر باحتدامات سياسية بدأت تتسرب الى صفوف الحكومة نفسها وتضع مصيرها على محك مصيري، كما يؤكد ذلك وزراء بارزون. أما العامل الأكثر إثارة للقلق والذي ترفض الحكومة الاعتراف به، فيتمثل في ما يؤكده خبراء ماليون ومصرفيون من ان اصرار العهد والحكومة على اعتماد الأرقام المالية الواردة في الخطة الحكومية وضرب كل الأرقام الأخرى لمصرف لبنان وجمعية المصارف عرض الحائط وتصرف الحكومة حيال ذلك بمنطق متصلب ومتشدد، أدى بدوره الى اشاعة الذعر الواسع من الاتجاهات المالية التي تشكل أخطاراً مصيرية على ودائع اللبنانيين في المصارف باعتبار ان خطة الحكومة تستند ظاهراً وضمناً الى كل ما يحاصر المصارف والمودعين باخطار “المصادرة والتأميم”. وفي ظل هذا الذعر ووسط التهافت الكبير على شراء الدولار لم يكن غريبا اشتعال الأسواق بارتفاعات خيالية في سعر الدولار بحيث بلغ أمس سقوفاً مخيفة. واتسعت في ساعات المساء والليل التجمعات الاحتجاجية في بيروت خصوصاً وصيدا وطرابلس والنبطية وبعلبك وساحل المتن وكسروان.
انخفاض غير مسبوق
وأفادت “وكالة الصحافة الفرنسية” ان الليرة اللبنانية سجلت أمس في السوق السوداء انخفاضاً غير مسبوق ازاء الدولار لامس عتبة الخمسة آلاف، كما أفاد صرافون على رغم تحديد سعري المبيع والشراء رسمياً، في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً متسارعاً وارتفاعاً جنونياً لأسعار السلع.
وقالت إن السلطات اللبنانية تعقد اجتماعات متلاحقة مع صندوق النقد الدولي أملاً في الحصول على دعم مالي يضع حداً للأزمة المتمادية، وقت تقترب الليرة من خسارة نحو 70 في المئة من قيمتها منذ الخريف.
وفيما لا يزال سعر الصرف الرسمي مثبتاً على 1507 ليرات، حدّدت نقابة الصرافين الخميس سعر شراء الدولار بـ 3890 ليرة حداً أدنى والبيع بـ3940 ليرة حداً أقصى، في خطوة بدأتها منذ أيام بالتنسيق مع الحكومة في محاولة لتثبيت سعر الصرف على 3200 ليرة.
ومساء أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بياناً جاء فيه: “يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي تداول معلومات عن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بأسعار بعيدة عن الواقع مما يضلل المواطنين وهي عارية من الصحة تماماً”. وذكربُطلبه من جميع الصرافين المرخص لهم من الفئة “أ” أن يتقدموا من مصرف لبنان بطلباتهم لشراء الدولار على سعر 3850 ليرة لبنانية على ان ينخفض تدريجاً الى سعر 3200 ليرة لبنانية.
في غضون ذلك، عقد الوفد اللبناني المفاوض برئاسة وزير المال غازي وزني اجتماعه الـ13 مع صندوق النقد الدولي في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على رأس فريق من المصرف المركزي. وتمحور الاجتماع على موضوع إعداد وتنفيذ الموازنات العامة وإدارة المالية العامة، على أن تستكمل المحادثات الإثنين المقبل.
وبرزت في هذا السياق زيارة للسفيرة الاميركية دوروثي شيا أمس لقصر بعبدا غداة جلسة التعيينات المالية التي يتردد ان السلطات الأميركية لا تنظر اليها بعين الارتياح بعدما غلب عليها طابع المحاصصة السياسية أولاً وعكست اتجاهات مقلقة لمحاصرة حاكم مصرف لبنان بنواب الحاكم الموالين لقوى سياسية مناهضة لسياساته. ومع ان السفيرة شيا لم تدل بأي تصريح عقب زيارتها لبعبدا، استرعى الانتباه ان دوائر القصر نسبت اليها ان “الولايات المتحدة الأميركية تدعم الخطوات الإصلاحية التي يقوم بها لبنان كي يتمكن من الخروج من الأزمة الاقتصادية المالية التي يعانيها”.
الحريري
وفي المواقف السياسية، رأى الرئيس سعد الحريري أمس أن “حكومة التكنوقراط التي قالوا يوماً إنها خالية من الأحزاب وأعطيناها فرصة مائة يوم لم تحقق أياً من الأهداف التي أتت من أجلها، والبلد يشهد حالياً انهياراً اقتصادياً في غاية الخطورة”، لافتاً إلى أن “التعيينات حصلت على أساس المحاصصة، وهي لم تكن لملء الفراغ في الإدارة، بل لممارسة الكيدية ضد الأطراف غير المشاركين في الحكومة”. وأضاف: “في موضوع الإصلاحات، أوقفت رئاسة الجمهورية بكل فخر التشكيلات القضائية، وما يحصل اليوم أنه عندما يتخذ قرار في مجلس الوزراء لا يلبثون أن يعودوا عنه، كأنه ليس هناك رئيس حكومة ولا صلاحيات لديه. فهنيئاً للعهد القوي بالإنجازات القوية والتعيينات القوية وبطريقة التعامل القوية مع البلد”.