الرئيسية / سياسة / دياب يستسلم لحزب المصرف؟

دياب يستسلم لحزب المصرف؟

مجلة وفاء wafaamagazine 

 كتبت صحيفة ” الأخبار ” تقول : هل رضخ رئيس الحكومة حسان دياب لحزب المصرف؟ السؤال مردّه إلى ‏اجتماع مالي مسائي عُقِد في السراي، ظهرت فيه ملامح توافق على حل ‏يقترحه رياض سلامة والمصارف للأزمة المالية، يأخذ من برنامج صندوق ‏النقد الدولي سيّئاته، ويُسقِط من خطة الحكومة حسناتها، مع الاستمرار في ‏السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار


في كل مرة تطرح اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شعبياً وعلى طاولة مجلس الوزراء، يحضر التوافق على ‏سحب الموضوع من التداول، وإغداق الوعود بتثبيت سعر صرف الدولار وخفضه. كأن المشكلة مع المؤتمن على ‏السياسة النقدية في البلد تنحصر بارتفاع سعر الصرف الجنوني دون غيره من الخطايا المرتكبة طيلة سنوات. هكذا، ‏جرى يوم الجمعة الماضي، على وقع الاحتجاجات الشعبية نتيجة ارتفاع الدولار الى نحو 6 آلاف ليرة. استنفر “حزب ‏المصرف” للدفاع عن سلامة الذي تعهد بضخ دولارات في السوق تصل الى 30 مليون دولار خلال هذا الأسبوع. لكن ‏في اليوم الأول لهذا الضخ المفترض، لا الدولار انخفض الى ما دون الـ4 آلاف ليرة بل تراوح سعره ما بين 4400 ‏و4600 ليلا، ولا اللبنانيون شعروا بتأثير دولارات سلامة في السوق بحيث استمر التجار في بيع السلع على أساس ‏سعر صرف يوازي 4200 ليرة للدولار. فكانت النتيجة مزيداً من الاجتماعات المالية والأمنية والقضائية والسياسية في ‏السراي الحكومي، لا لمساءلة الحاكم والمصارف والصرافين ومن يدور في فلكهم، بل لإعلان الخضوع لسلامة ‏وجمعية المصارف. فرسمياً، أدخلت الحكومة جمعية المصارف الى دائرة القرار للنقاش في توزيع الخسائر الناتجة عن ‏السياسات المالية والنقدية السابقة. وهو ما كان قد جرى التمهيد له في مجلس النواب، خصوصاً خلال اجتماعات لجنة ‏المال والموازنة، اذ حاول رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان وأعضاؤها تسويق ضرورة اعداد الدولة لخطتها ‏بالتفاوض مع مصرف لبنان والمصارف. بدأت مساعي افشال المفاوضات مع صندوق النقد، عبر السعي الى حشد ‏العدد الأكبر من النواب لمنع اقرار الخطة التي تتطلب اقرار قوانين اصلاحية داخل المجلس. فسلامة والمصارف ‏يعوّلون على كتلة نيابية عابرة للاصطفافات تساندهم في الامتناع عن إقرار كل ما يمس رساميل المصارف، وكل ما ‏يؤدي إلى توزيع للخسائر فيه شيء من العدالة. فإما الرضوخ لطروحاتهم أو الانهيار التام‎.‎


أخطر ما في الاجتماع المالي المسائي الذي عقده رئيس الحكومة حسان دياب في السراي أمس، بحضور وزراء ‏الدفاع والمال والبيئة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، والمستشار ‏الرئاسي شربل قرداحي، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، يكمن في بروز “شبه توافق” على الأخذ بوجهة ‏نظر سلامة والمصارف من ناحية عدم شطب الدين الداخلي أو إعادة هيكلته، بل اعادة جدولته، ما يعني استمرار ‏اللبنانيين في دفع الضرائب لخدمة الدين العام الى ما لا نهاية، من منطلق “حق” المصارف في تكوين الجزء ‏الأكبر من مداخيلها من المال العام، فيما بدأت بشائر الموافقة على خطة سلامة والمصرفيين بعد ان انقلبت الآية ‏بالنسبة إليهم. كل السعي إلى إقحام صندوق النقد في عملية الخروج من الأزمة المالية والنقدية، انقلب إلى سعي ‏لإفشال الاتفاق مع الصندوق وابتكار “حلّ داخلي”. فشروط صندوق النقد الأساسية تمر بتغيير السياسة النقدية ‏وسياسة المالية العامة وانجاز الخصخصة التي يرى فيها سبيلاً وحيداً لتحقيق نمو اقتصادي وإعادة تحسين وضع ‏المالية. ويركز الصندوق على مسألة التقشف وخفض حجم القطاع العام، على أن يترافق مع مجموعة شروط ‏سياسية لم يعلن عنها بعد. لكن في حسابات مصرف لبنان والمصارف، برنامج الصندوق يمسّ بأموالهم ويحمّلهم ‏مسؤوليتهم عن الخسائر المسجلة في القطاع المالي. اما برنامج سلامة – المصارف والائتلاف السياسي الداعم لهم، ‏فيريد كل سيئات برنامج صندوق النقد، مع الاستمرار في السياسات ذاتها التي أوصلت البلد إلى الانهيار. حزب ‏المصارف لديه الأغلبية، وهو قادر على فرض مشيئته إن كان الحل داخلياً. هذا يعني بلغة المصارف التخلص من ‏عبء إلزامها بالمساهمة في إطفاء الخسائر. فصندوق النقد أبلغ سلامة أكثر من مرة عدم امكانية الاستمرار في ‏السياسات النقدية نفسها، ويحمّل المصارف ومصرف لبنان مسؤولية الخسائر الواقعة في القطاع المالي. الخسائر ‏من منظار الصندوق تفوق حتى ما تتضمنه الخطة الحكومية، وتتجاوز عتبة الـ103 مليارات دولار. تلك المقاربة ‏لا تناسب المصارف التي تقدم أرقاماً مخفضة، ولا تريد أي مس برساميلها لإطفاء جزء من الخسائر، بل تتبنى ‏حصراً طرح الصندوق لجهة التقشف وخفض حجم القطاع العام، والخصخصة بدافع سدّ خسائر القطاع المالي من ‏أملاك اللبنانيين العامة‎.‎

أما الخطة البديلة للفريق السياسي والمالي لمصرف لبنان والمصارف، والتي ظهرت ملامحها سابقاً وجرى ‏تكرارها في اجتماع السراي أمس، فتعتمد على إعادة هيكلة الدين الخارجي، وإعادة جدولة الدين الداخلي، أي إطالة ‏أمده مع تعديل في الفوائد، وإلزام اللبنانيين بدفع ضريبة مؤبدة للاستمرار في تسديد خدمة الدين هذه إلى المصارف. ‏وتشير الخطة الى ضرورة اعتراف الدولة اللبنانية بديونها لصالح مصرف لبنان بالدولار. ليس الحديث هنا عن ‏سندات اليوروبوندز، بل عن حساب اخترعه سلامة ويعمد الى تسجيل كل الأموال المسددة له من الدولة بالليرة ‏اللبنانية ليتولى هو دفعها بالدولار. عملياً، وبلغة أوضح، لما كانت الدولة تشتري الدولارات من مصرف لبنان ‏وتسدد ثمنها بالليرة، كان سلامة يسجلها على أنها دين على الدولة بالعملة الأجنبية. يريد للدولة أن تعترف بهذا ‏الدين الذي سبق أن سدّدته! من جهة أخرى، تطرح الخطة إنشاء صندوق سيادي لوضع أصول الدولة فيه من أجل ‏استخدام عائداته ونتائج فوائد استثمارها أو بيعها، لإطفاء خسائر القطاع المالي، وتحديداً الخسائر المترتبة على ‏مصرف لبنان والمصارف. أما ودائع اللبنانيين المحتجزة، فتسدد بالعملة اللبنانية، وبحسب سعر صرف يتحدد ‏لاحقاً، ما يعني عمليا الطلب الى المودعين اعتبار أموالهم المودعة بالدولار وكأنها لم تكن، وجرّهم الى خيار وحيد ‏هو الحصول عليها بالليرة ووفق شروط المصرف المركزي وجمعية المصارف، الراغبين في إعفاء أنفسهم من ‏مسؤولية الخسارة التي شاركوا في تسجيلها… وطبعاً إبعاد كأس شطب الرساميل عنهم نهائياً، ما يعني أيضاً أن لا ‏‏”هيركات” على أصحاب الـ1% من رؤوس الأموال، وأن أحداً لا يملك توجّهاً بشأن إصلاح الموازنة العامة ‏للدولة‎.


ما سبق، جرى أمس بحضور رئيس الحكومة الذي اكتفى بطرح الأسئلة من دون تقديم أي طرح ولا الاعلان عن ‏خطوات الدولة المعتزم اجراؤها، وسط التزام الفريق الحكومي الحاضر بالصمت. قلة من هذا الفريق تحدّثت، بينهم ‏بيفاني الذي شدد على ضرورة تحديد الخسائر والطرف الذي يتحمل مسؤوليتها. فتركها من دون تحديد سينتهي ‏بتحميلها الى الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. وقال بيفاني إن هذا الموضوع يتطلب الإجابة عن 3 نقاط:


1- تحديد ‏الخسائر.

2- فشل المفاوضات مع صندوق النقد سيرتب كلفة كبيرة جداً على الدولة والمجتمع، إذ سيتم النظر الى ‏لبنان على أنه دولة فاشلة على مختلف المستويات؛ الأمر الذي سيضرب الثقة بالبلد أكثر مما هي مضروبة.


3- ثمة ‏رزمة من الاصلاحات يمكن إنجازها من دون صندوق النقد ولا يمكن أن تنتظر، إذ يفترض البدء بها منذ الآن في ‏خضم هذه المفاوضات، نظراً الى الترجيح أن تكون مدة التفاوض مع الصندوق طويلة الأمد‎.


من جانبه، كرر رياض سلامة ما تم التوافق عليه في لجنة المال، بوجوب عدم شمول سندات الدين بالليرة اللبنانية ‏بعملية الهيركات. الحجة أن هذه السندات خسرت 60 في المئة من قيمتها بفعل انهيار سعر الصرف. طرح أيضاً ‏إصدار سندات بالليرة، بما يؤدي عملياً إلى زيادة الضغط على العملة. وزير المالية دعا إلى التدقيق في أرقام الناتج ‏المحلي، وهي عملية تدرس في لجنة المال أيضاً، حيث كُلّف النائب نقولا نحاس بالتنسيق مع إدارة الإحصاء ‏المركزي لتبيان القيمة الفعلية للناتج، تمهيداً لاحتساب نسبة الدين إليه، فيما اشتكى رئيس جمعية المصارف سليم ‏صفير من الضغط الذي تتعرض له المصارف، وقال إن المهم أن نبقى مستمرين من أجل البلد. بالتوازي، كانت ‏مساعي التوفيق بين أرقام الحكومة وأرقام مصرف لبنان مستمرة في لجنة المال. الخلاف مرتبط بطريقة ‏الاحتساب. وإذا كانت الخطة الحكومية قد اعتمدت طرق احتساب واضحة، فإن لحاكم مصرف لبنان طريقته ‏الخاصة. وهو لن يكلّ في الدفاع عنها، لأن أي أمر آخر سيكون بمثابة الإقرار بفشل كل السياسات التي اتبعها في ‏إدارة المصرف المركزي، والتي أوصلت إلى الإفلاس. وفد صندوق النقد الدولي يتعامل مع الأرقام الحكومية على ‏أنها الأصلح لتكون نقطة انطلاق، لكن مع ذلك فإن لجنة المال تصرّ على أن عملها لا يتعارض مع السياق الذي ‏تسير به المفاوضات، إذ يرى رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان، وعدد من اعضائها، أن عملهم “ضروري في ‏هذه المرحلة لتعويض الخلل الذي يشوب المفاوضات مع صندوق النقد، والناتج عن عدم تواصل الحكومة مع ‏مصرف لبنان والمجلس النيابي قبل إعداد خطتها”. لكن آخرين يعتبرون أن عمل اللجنة هو لزوم ما لا يلزم، إلا إذا ‏كان الهدف منه إجراء تمرين حسابي – مالي للضغط على الحكومة لمصلحة المصارف وأصحابها‎.‎