مجلة وفاء wafaamagazine
على غرار الحجة التي تسلّح بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بقوله إن تثبيته سعر صرف الليرة توخّى «شراء الوقت» في انتظار إنجاز الحكومات المتعاقبة الإصلاحات المطلوبة، يقارب رئيس الحكومة حسان دياب المشكلة نفسها بالوسيلة نفسها، في انتظار حدث ما
في ما أدلى به:
1 – تعويله على استمرار تدخّل مصرف لبنان في السوق للجم سعر الدولار، مع أن المحاولة هذه – وقد اقترحها سلامة في جلسة مجلس الوزراء في 12 حزيران – أثبتت عدم جدواها، وتسبّبها في مزيد من الخسارة. تالياً إهدار العملة الصعبة التي يصير إلى مدّ الصرّافين بها، من غير أن تتوافر سوى في السوق السوداء. قال رئيس الحكومة إن المطلوب ما يقرب من مئة مليون دولار تُستخدم في السوق لشهرين أو ثلاثة أو أكثر بقليل، ربما يكون قد تحرّك الاقتصاد في هذه الأثناء، مبدياً اعتقاده بأن مئة مليون دولار كافية للسيطرة على السوق إلى ذلك الوقت. بيد أنه لم يقتنع بوجهة نظر محدّثه حيال مواجهته السوق على طريقة سكب المياه في سلة. تتبخّر دولارات مصرف لبنان فور تدخّله، من غير تحسّن سعر العملة الوطنية.
2 – بدا من الصعوبة بمكان تلمّس رضى دياب عن انتقال أرقام خطته الإصلاحية المالية من حكومته إلى مجلس النواب، وإلى لجنة المال والموازنة التي وجّهت إلى الخطة وأرقامها في جلسة الخميس المنصرم ضربة قاسية بكشفها أن الخسائر مضخّمة، واضطرارها إلى خفضها من 241 ألف مليار ليرة إلى 80 ألف مليار ليرة. مجرّد انتقال الملف إلى البرلمان أزعج رئيس الحكومة، فيما رمى رئيس المجلس نبيه برّي، مذ فوّض إلى لجنة المال هذه المهمة بعد جلسة مجلس الوزراء في 12 حزيران، إلى إنقاذ الأرقام المتباعدة والضائعة ما بين خطة الحكومة وتلك التي في حوزة مصرف لبنان وجمعية المصارف. مذ وضع مجلس النواب يده عليها، وضع الأرقام تلك كلها تحت الشبهة، وباشر فحصها. مبرّر امتعاض دياب انتزاع صلاحية منوطة بحكومته بإزاء خطة هي التي وضعتها، أضحت الآن في عهدة البرلمان الذي يقارب بدور بات يتجاوز الوسيط، وعلى قدم المساواة، بين ما تدلي به الحكومة وما يدلي به كل من مصرف لبنان وجمعية المصارف.
3 – لا يخفي رئيس الحكومة دوام انعدام الثقة بينه والحاكم، رغم الهدنة التي تسود بينهما بعد سجالهما المشهود الذي أعادهما إلى طاولة الحوار، رغماً عنهما: لا حكومة دياب قادرة على إقالة سلامة، ولا هو بالدور الذي يضطلع به والحماية المحلية والخارجية التي يستظلها قادر على إطاحتها. يُظهر دياب أمام محدّثيه استعداداً للتعاون مع سلامة، ويشكو من أنه هو الذي يخابره باستمرار، من غير أن يتلقّى منه مكالمة. لا يفهم عليه، ولا يعرف ماذا يفعل، ولا يجيب مرة بعد أخرى عن أسئلته. عندما يُسأل عن تبرير مطالبة الحاكم بالتدخّل وتثبيت سعر الليرة رغم الانتقادات الحادة التي وُجّهت اليه باتباعه هذه السياسة منذ عام 1993 بلا توقف، يجيب رئيس الحكومة: نحن الآن في وضع استثنائي يوجب هذا الإجراء.
انعدام الثقة هو مشكلته أيضاً مع جمعية المصارف التي لا يركن إليها، ويقول إنها لا تصدُق معه عندما يوجه إليها أسئلة. يريد الانفتاح عليها، ودعاها إلى مجلس الوزراء وإلى الاجتماعات المالية، من غير أن يتردّد في القول إن حكومته ليست في صدد ضرب القطاع المصرفي، بل تتمسك به وتضعه في صلب النظام الاقتصادي والمالي للبلاد وحاجة ماسة إليه. إلا أن الجمعية توصد دونه الأبواب، مصرّة على اعتراضها على خطة تدعى إلى تنفيذها وتكبّد الخسائر من غير أن تُسأل رأيها فيها.
4 – يعزو دياب دفاعه عن التعيينات المالية والإدارية التي قرّرتها حكومته في 10 حزيران، إلى رغبته في توجيه رسالة إيجابية إلى الخارج عن مضيه في تنفيذ التعهدات التي قطعها، ولا يريد أمام «المجتمع الدولي» كسر صورته وحكومته، وإظهار عجزها ونكولها. تقاطع هذا الموقف مع ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من السفير الفرنسي برونو فوشيه عن نتائج اجتماع عُقد في باريس في 5 حزيران، استضافه الإليزيه جمع مسؤولين كباراً تناول الوضع في لبنان، وشارك فيه فوشيه من بُعد. في الاجتماع أكد الحاضرون أن ثمة خطوات على الحكومة اللبنانية المسارعة إلى اتخاذها من أجل الحصول على مساعدة فرنسية أو دولية، مبدين ارتياحهم إلى الخطة الإصلاحية الحكومية، ودخول لبنان في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. تقدّم كهذا – بالنسبة إليهم – موضع ترحيب، بيد أنه غير كاف من دون إصلاحات أساسية، وهو مصدر قلق كبير لباريس من جراء تزامن التأخر في الإصلاحات مع حوادث واضطرابات أمنية. الفرنسيون غير متحمّسين في الوقت الحاضر لعقد اجتماع لأصدقاء لبنان، في انتظار أن تنفذ السلطات اللبنانية التعهدات التي قطعتها في مؤتمرات سابقة.
ركّز المجتمعون على شقين، لاحظوا أن من المهم إيلاءهما أهمية رئيسية نظراً إلى ما يمثّلانه، هما الجيش والأسلاك العسكرية والأمنية والقضاء، مع تأكيد الحاضرين على الرهان عليهما.
اجتماع في الإليزيه عن لبنان: رهان على المؤسسات العسكرية والقضاء
توقفوا، تبعاً للمعلومات التي نقلها فوشيه إلى المسؤولين اللبنانيين، عند الأسباب التي حالت إلى الآن دون إصدار مناقلات وتشكيلات قضائية، فأطلعهم السفير على حيثيات الخلافات المحيطة بها، ناهيك بأنه سبق أن سأل محدّثيه اللبنانيين عن دوافع التأخر في إصدارها. من بين الأجوبة التي تلقّاها أن المناقلات والتشكيلات إجراء دوري يجريه مجلس القضاء الأعلى، وتأخر إصدارها – في معرض تبرير التعثر – لا يتسبب في شغور في هذه الإدارة اللبنانية الرئيسية. أضف إلى أنها لا تندرج في نطاق الإصلاحات التي تودّ الحكومة اللبنانية إجراءها في هذا القطاع، مع تأكيد محدّثيه اللبنانيين أن الإصلاح القضائي الفعلي يكمن في اقتراح قانون السلطة القضائية المستقلة، الموضوع بين يدي مجلس النواب في الوقت الحاضر.
في حصيلة ما أخطره فوشيه إلى المسؤولين اللبنانيين، أن التأخر في بتّ المناقلات والتشكيلات يُعدّ إشارة سلبية يرسلها لبنان إلى «المجتمع الدولي» الذي ينتظر منه إصلاحات بنيوية وجوهرية، في رأسها القضاء إلى قطاع الكهرباء والتهرّب الضريبي والجمارك. بيد أنه أبرز اعتقاده، في ضوء ما نجم عن اجتماع باريس، أن ثمة فرصة أخيرة أمام الحكومة اللبنانية لإظهار جديتها وعزمها الفعلي على تحقيق إصلاحات اقتصادية ومالية ومباشرتها سريعاً. سوى ذلك – أضاف – لا مساعدات متوقّعة من فرنسا، ولا من أيّ من دول مجموعة الدعم الدولية للبنان.
الأخبار