انتهت أعمال «التشطيب» في سوق الخضر والفاكهة «بالمفرّق» الذي بنته بلدية بيروت في منطقة المزرعة العقارية. بعد خمسة أعوام على انطلاق المشروع، منها عامان للبناء، بات السوق جاهزاً، ولم يعد ينقص سوى الإشغال. لكن انتهاء الأعمال لا يعني أن كل شيء «تمام». فثمة مشاكل «بالجملة» قد تمنع مباشرة الأعمال في سوق «المفرّق». وهي مشاكل «عمرها من عمر دفتر الشروط»، على ما يقول أحد المصادر، وتأتي في سياق «النهج الفضائحي» الذي تسير عليه الأمور في البلدية منذ سنوات طويلة.

اليوم، بعد نحو خمس سنوات على ولادة «فكرة» سوق الخضر والفاكهة (أيار 2015)، وإعداد دفتر الشروط وإتمام المناقصة وشراء العقارات التي بني عليها السوق وانتهاء الأعمال فيه، لا تزال أرض السوق التي كلّفت بلدية بيروت 44 ملياراً و200 مليون ليرة في ذمّة مالكها، ولم تُنقل ملكيتها إلى البلدية. الحجة التي يوردها البعض هي أنه «يجب على أصحاب العقارات المبيعة إلى بلدية بيروت دفع بعض الضرائب». إلا أن ثمة سبباً آخر يعرفه أعضاء البلدية وكثيرون من العاملين فيها، يتعلّق برئيسة دائرة الأملاك في البلدية ي. ن. التي يؤخذ عليها «لامبالاتها وعدم متابعتها لملفاتها»، بحسب مصادر بلدية. إذ إن المجلس البلدي وافق بموجب القرارين 284 و285 (12 نيسان 2018) على إعطائها سلفة مالية بقيمة 40 مليون ليرة «لزوم تسجيل عقارات غير مبنية على اسم بلدية بيروت». غير أن «تقاعس» الموظفة المذكورة عن القيام بواجبها، أبقى العقارات خارج ملكية البلدية ليجرجر هذا الخطأ أخطاء أخرى، بني معها السوق على «باطل». فعندما كانت لجنة المناقصات تباشر إجراءاتها لإطلاق مناقصة لتلزيم المشروع، اعترض أحد أعضاء المجلس البلدي الذي شغل سابقاً منصباً في دائرة الهندسة، على مخالفة التلزيم لشروط القانون. إذ يُفترض أن يجري التلزيم بعد استصدار رخصة للبناء. وبما أن ي. ن. لم تنقل ملكية العقارات إلى بلدية بيروت، فهذا يعني أن البلدية لا تملك سند تملك، ولا يحقّ لها استصدار رخصة، وبالتالي يصبح التلزيم مخالفاً». مع ذلك، لزّمت البلدية المشروع لـ«شركة الجهاد للتجارة والتعهدات».
ورغم أن لجنة التسلّم في دائرة الهندسة تسلّمت الأعمال من المتعهّد قبل أيام، إلا أن الأكيد أن المخالفة للقانون قائمة «بدليل أن الملكية لم تنتقل للبلدية حتى الآن»، بحسب تأكيد أحد المطّلعين على ملف السوق. هذه نقطة أولى. النقطة الأخرى، والأهم، تتعلّق بــ«الصراع» القائم اليوم بين المجلس البلدي ومحافظة بيروت حول من يدير هذا المرفق؟ ففي وقت أقرّ فيه المجلس البلدي النظام الداخلي للسوق وأحاله إلى وزارة الداخلية والبلديات، غير أن التوافق لم يحصل حول من يديره، وما يتبع ذلك من صيانة وأشغال وغيرهما مما يحتاج إليه السوق. فقبل 6 أشهر، حاولت البلدية إبرام عقدٍ بالتراضي لإدارة السوق مع جمعية «إمكان»، مقابل 600 ألف دولار سنوياً. اللافت أن السجلّ التجاري للجمعية يشير إلى أن أحد مؤسسيها هو وليد السبع أعين. والأخير من مستشاري الرئيس سعد الحريري، وهو أساساً الوكيل القانوني لأصحاب العقارات التي اشترتها البلدية لإنشاء السوق!

لم تنقل رئيسة دائرة الأملاك في البلدية العقارات إلى ملكية البلدية

اليوم، لا تزال الأمور محل صراع بين السلطتين التنفيذية والتقريرية حول من يدير المرفق، وإن كانت هناك سيناريوات تحدثت عن سعي البلدية لإشراك نقابة تجار الخضر والفاكهة بالمفرّق، على قاعدة «التشارك بين قطاع عام وآخر خاص لديه خبرة في إدارة هذا النوع من العمل»، علماً بأن البعض يلفت الى أن رئيس نقابة تجار الخضر والفاكهة بالمفرّق «بدأ توزيع المحال يميناً وشمالاً حتى قبل أن يكون هناك قرار»!
«الاستثمار كبير»، يقول بعض المعترضين على ما يجري، والأمور لم تجر وفق الهدف الأساس: «المنفعة العامة العائدة لمدينة بيروت». فما جرى أن المشروع «الذي كلّفنا قدّ بقرة جحا» تعمل البلدية «بالقوة وبالمروّة» لتلزيمه على أساس طائفي وعلى قاعدة أن «الأقربين أولى بالمعروف»، بدليل المحاولات السابقة. أما أهل بيروت، فلهم من السوق اسمه. لا أكثر من ذلك ولا أقلّ.