مجلة وفاء wafaamagazine
ركّز قاضي التحقيق في قراره على الأسماء التي ذاع صيتها في وسائل الإعلام
رضوان مرتضى
كتب قاضي التحقيق الأول في بعبدا نقولا منصور حيثيات القرار الظني في الفيول المغشوش في 114 صفحة كاملة. للوهلة الأولى، يخال القارئ أن القرار حيك بعناية وسرد تفصيلي قبل أن تتبيّن شوائب كثيرة في القرار شكلاً ومضموناً. تبدأ الحكاية من استبعاد شركة سوناطراك الجزائزية من دائرة المتّهمين. الشركة التي أبرمت الدولة اللبنانية العقد معها والتي تقع على عاتقها مسؤولية أي تلاعب يطال الفيول الذي تُسلّمه للدولة اللبنانية، لم تُتّهم أو يُظنّ بها بذريعة عدم وجود عنوان لها على الأراضي اللبنانية. ومَن أُلقيت عليه اللائمة هي شركةzr energy التي كلّفتها سوناطراك مهمة تزويد لبنان بالفيول.
أسهب القاضي منصور في الحديث عن طبيعة العقد الموقّع مع الشركة، متحدثاً عن حجم المخالفات القانونية والإدارية والدستورية. لكنه فجأة يتحدث عن ترك أمر النظر بمتابعة هذه الوقائع للجهات القانونية والقضائية المختصة! أوَليس هو القاضي المكلف إجراء التحقيقات والملاحقة؟ لماذا قرر فجأة أن يبدو كمعلّق أو مغرد يعطي رأيه وليس قاضي تحقيق؟ علماً بأنّ واجب القاضي إذا تبيّن له وجود مخالفات أو جرائم، التحقيق فيها أو الطلب من النيابة العامة الادعاء فيها.
هذا في الشكل. أما في المضمون، فقد برز لافتاً في متن القرار الظني اسم كلّ من المدعى عليهما محسن غالب ولارا حمود اللذين لا يزالان موقوفين. إلا أنّ المستغرب عدم ظنّ القاضي منصور أو اتهام أيّ منهما، كما أنه لم يمنع المحاكمة عنهما. سقط الاسمان سهواً من قرار القاضي منصور في ملف يرقى إلى مستوى الفضيحة الوطنية.
ثغرة جديدة سُجّلت في القرار الظني نفسه. فقد اعتبر القاضي منصور أفعال المدعى عليهما ريمون عساف وميرنا الخطيب تنطبق عليها جناية المادة ٣٥٢ من قانون العقوبات، أي رشوة موظف في القطاع العام، بينما تم الظن بهما بموجب المادة ٣٥٤ أي موظفي قطاع خاص من دون أن يُقدّم القاضي أي تبرير لكيفية اعتبارهما موظفي قطاع عام. والجدير ذكره هنا أنّ قاضي التحقيق عندما يغير الوصف الجرمي، عليه أن يقدم تعليلاً لذلك.
ركّز قاضي التحقيق في قراره على الأسماء التي ذاع صيتها في وسائل الإعلام
كما أنه لو تبيّن فعلاً أنهما من موظفي القطاع العام، فإن القضاء سيحتاج الى إذن لملاحقتهما. وهذا الإذن غير موجود، علماً بأن غيابه يُبطل التحقيقات الأولية. ليس هذا فحسب. فإنّ هؤلاء أنفسهم الذين اعتبرهم موظفي قطاع عام وظنّ بهم بالرشوة، ظن فيهم بجنحة ٤٧١ أي تزوير أوراق خاصة، وليس مستندات رسمية. لم يُفهم كيف فسّر القاضي ذلك أو ربما اختلط عليه الأمر.
كذلك استند قاضي التحقيق الى التحقيقات الأولية بالنسبة إلى الموقوفين من دون الأخذ بالتحقيقات الاستنطاقية التي أُجريت أمامه. الاستجوابات التي أجراها قاضي التحقيق للموقوفين لم يُضمّنها في قراره الظني، إنما استند حصراً إلى إفاداتهم أمام محققي فرع المعلومات. وبدلاً من إفادات الموظفين الذين قدّم معظمهم شرحاً للالتباسات في إفاداتهم الأولية أمام فرع المعلومات، اختار القاضي منصور أن يفرد مساحة لعرض إفادات الوزراء عوضاً عنهم. ورغم أنّ الخلل في المعايير فني في جودة الفيول، لم يتضمن القرار الظني أي تقرير علمي يتحدث عن الأضرار التي يسببها هذا النوع من الفيول.
ركّز قاضي التحقيق في قراره على الأسماء التي ذاع صيتها في وسائل الإعلام، ليبدو كأنه أراد من قراره تركيز التصويب السياسي بدلاً من تغليب الجانب التقني والقضائي. وتجدر الإشارة إلى أن القرار الظني الصادر لم يُعمَّم ولم يطّلع الوكلاء في الملف عليه بطريقة قانونية.
الاخبار