مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما قال لرسوله {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}.. فقد دعانا الله سبحانه وتعالى من خلال رسوله أن لا نخدع بالكلمات الرنانة ولا بالخطابات المنمقة، فهناك من الناس من يتقنون لغة الخطاب ويملكون بأساليبهم القدرة على التأثير على عقول الناس وعلى قلوبهم وعواطفهم واستجلابهم إليهم.. بل أن ندرس ما وراء الكلمات والخطابات وإلى ماذا يهدف هؤلاء على مستوى الأرض والعباد والبلاد، وماذا سيفعلون عندما يتملكون قلوب الناس وعقولهم ويصلون إلى مواقع القرار عندها..إننا أحوج ما نكون إلى هذا الوعي بعدما أصبح الإعلام والتأثير على الناس علما يدرس في الجامعات حتى نتقي من يريدون الإساءة ولنكون أقدر على مواجهة التحديات”.
اضاف: “البداية من لبنان الذي ازدادت فيه أعداد المصابين بجائحة كورونا، وقد بلغت الذروة في الأيام الماضية مما يدعو مجددا إلى التذكير بضرورة التقيد التام بإجراءات الوقاية بلبس الكمامات ومراعاة التباعد.. وعدم التهاون بالالتزام بها.. فهذا هو الطريق الوحيد حتى الآن والأسلم لمواجهة التداعيات الخطيرة لهذه الجائحة وتفادي كل آثارها”.
وتابع: “في هذا الوقت، لم تتوقف معاناة اللبنانيين على الصعيد المعيشي حيث يستمر التقلب في سعر صرف الدولار في السوق السوداء من دون أي ضوابط، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية رغم الدعم الذي أعلنت عنه الحكومة للسلة الغذائية ولم يتم معالجة التقنين الحاد في الكهرباء واستمرار أزمة المحروقات ولا سيما المازوت، فيما تعود إلى الواجهة أزمة النفايات بكل تبعاتها. وما يزيد في هذه المعاناة هو اضطرار العديد من المؤسسات إلى صرف موظفيها وعدم إعطائهم كامل رواتبهم لعدم قدرتها..وهنا نأسف أن تكون المؤسسات التي نشرف عليها أن تكون من هذه المؤسسات بعدما كنا حرصاء أن لا يمس بالعاملين في هذا الظرف العصيب، ونأمل أن تتحسن الظروف ليعودوا إلى عملهم”.
وقال: “من هنا، نعيد دعوة الحكومة إلى تحمل مسؤوليتها وعدم توفير أي جهد للتخفيف من تفاقم الوضع المعيشي الذي يخشى إن استمر أن يهدد بانفجار شعبي لا يدري أحد إلى أين تصل عواقبه.. ولا يعني هذا التنكر لما تقوم به الحكومة من مبادرات داخلية أو مساع لفتح أبواب الخارج للحصول على مساعدات، لكن هذا لم يعد كافيا لعلاج أزمات البلد المستعصية وفي ظل استمرار الضغوط الخارجية التي تعيقها من فتح أبواب متاحة لها ما يحتاج منها إلى جهد إضافي الأساس فيه القيام بخطوات جادة لمعالجة المشاكل الملحة على المواطنين وعدم التباطؤ والتردد بالقيام بالإصلاحات ومعالجة الخلل في واردات الدولة وإعادة ما نهب منها.. لإعادة ثقة المواطنين بها والتي بدونها لن يقفوا معها ولن يصبروا على ظروفها، والتي أصبح من الواضح أنها هي الطريق لمساعدة لبنان لمن يريد مساعدته”.
اضاف: “إننا لن نهون من الصعوبات التي تواجه هذه الحكومة من الداخل والخارج، لكن هذا لا يدعو إلى البناء عليه لتبرير عدم قيامها بالخطوات المطلوبة، بل يدعوها إلى العمل الجاد والسريع..
فالحكومة لم تقم بما هو واجب عليها، وهذا ما عبر عنه واحد من أهلها ممن كان له دور في إدارة المال العام حيث قال وأمام مجلس الوزراء بأن الحكومة لم تأخذ بأية إجراءات تمنع من التدهور المالي أو من تحميل الخسائر للمواطنين والمس بودائعهم في الوقت الذي كان عليها العمل على تحميل المسؤولية لمن استفادوا من النظام المالي وأثروا على حساب الناس سواء من المصارف أو ممن كانوا يديرون البلد”.
واشار الى انه “في هذا الوقت الذي يزداد الوضع الداخلي قتامة على مختلف الصعد، يستمر الجدل في هذا البلد حول قضايا من الواضح أنها تزيد من انقسامهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى العمل معا لإخراج البلد مما يهدد كيانه ووجوده واستقراره.. إننا نقولها مجددا لكل القوى السياسية والمرجعيات الدينية، أن الوقت ليس وقت طرح قضايا خلافية لن يصل طارحوها إلى نتيجة إلا زيادة الشرخ الداخلي، وإذا كان هناك من يرى ضرورة بحثها الآن، فلا ينبغي أن يكون على الهواء وعبر المنابر، بل في مواقع الحوار الموجودة أو التي يمكن أن توجد.. على أن يكون الحوار فيها موضوعيا هادئا وبعيدا عن أجواء التشنج والتوتر والكيدية، ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة هذا الوطن والحفاظ على مواقع القوة فيه”.
وقال: “من جهتنا فإننا ومن موقع إيماننا سوف نكون إلى جانب الحق ضد الباطل ومع العدل ضد الظلم ولن نكون حياديين في هذا العالم الذي تهيمن عليه قوى جشعة تسعى إلى أن تأكل كل ضعيف، وتسعى إلى الهيمنة لحسابها وعلى حساب الشعوب المستضعفة.. إننا في عالم لا يحترم فيه إلا الأقوياء ولا مكان فيه لمن يكون ضعيفا أو يفرط بمواقع القوة”.
وتابع: “وأخيرا استعدنا ونستعيد في هذه الأيام ذكرى العدوان الصهيوني على هذا البلد، والذي كان من الواضح أن أهدافه لم تكن للرد على عملية الأسر بل لقيام شرق أوسط جديد، ينطلق من هذا البلد، ولكن وحدة اللبنانيين ومقاومتهم فوتت الفرصة على صانعي هذا المشروع وحطمت جبروت العدو في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وسهل الخيام ووادي الحجير وأظهرت لبنان قويا قادرا على فرض قراراته ومواقفه..ونحن في هذا المجال، نستذكر كل هذه الإنجازات لنؤكد مجددا على ضرورة الحفاظ على مواقع القوة التي حققت انتصارا وحمت البلد ممن أرادوا به شرا.. فالعدو لن يكف عن استهداف هذا البلد، ثأرا لهزيمته، وعلى الحرصاء على هذا البلد أن لا يكفوا عن الاستعداد له”.