الخميس 18 تموز 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
الوضع السياسي الداخلي لم يستعد توازنه بعد، ولا مؤشرات ايجابية حول امكان اخراجه من دائرة التعقيد العالق فيها منذ حادثة قبرشمون، والحكومة التي اعلن رئيسها سعد الحريري انّ مجلس الوزراء سيجتمع الاسبوع المقبل، من دون ان يحدّد كيفية هذا الانعقاد، في وقت لم تظهر على سطح هذه الازمة اي حلول لها، وخصوصاً انّ جهود ترميم التصدّعات السياسية ما زالت تدور في حلقة مفرغة، ولم تتمكن من معالجة السبب المباشر لتعطيل الحكومة، وحسم الاتجاه الذي ستسلكه المطالبة بإحالة هذه الحادثة على المجلس العدلي، إن في اتجاه إحالتها أو عدمها.
أمام هذه الصورة الداخلية المعقدة، يبرز التصعيد الاميركي تجاه “حزب الله” واتهامه بأنّه يعمل على تقويض الحكومة اللبنانية”، وجاء ذلك على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية مورغان أورتاغوس، التي ابلغت “ساكي نيوز عربية” قولها، إنّ “من فرضت عليهم العقوبات في لبنان، في اشارة الى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وعضو الكتلة النائب امين شري ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، “يعملون على تقويض الحكومة اللبنانية”.
واشارت الى أنّ “العقوبات الأخيرة على لبنانيين، استهدفت داعمين لمنظمة مصنفة إرهابية ويقومون بمساعدة إيران في سلوكها المزعزع وهذا ما لن نتسامح معه”.
ولفتت، ردًا على سؤال، الى “انّ وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، لديه مصلحة في الحفاظ على استقرار وأمن لبنان”.
يأتي هذا الموقف بالتوازي مع التأكيد المتجدّد لرئيس مجلس النواب نبيه بري للصورة العدوانية لـ”العقوبات المشبوهة” التي فرضتها الادارة الاميركية على نائبين في مجلس النواب اللبناني، وفي توقيت مريب ينطوي على أبعاد مشبوهة ايضاً، ومن هنا جاء تأكيده ان لا رابط ابداً بين هذه العقوبات العدائية، وبين ما حكي عن فشل للمفاوضات بين لبنان واسرائيل حول مسألة ترسيم الحدود، فكل ما يُقال حول هذا الموضوع مجرّد تحليلات لا اساس لها.
كما توازى الموقف الاميركي مع اعلان الوفد النيابي اللبناني امام نواب من الكونغرس الاميركي في واشنطن “انّ فرض دولة عقوبات على نواب من دولة أخرى هو تهديد للديمقراطية، وتصنيف الناس حسب مصالح هذه الدولة وتلك يتعارض مع مبادئ الديموقراطية، وانّ الرئيس الاميركي الاسبق جورج واشنطن اسس جيش التحرير الثوري لمقاومة الاحتلال البريطاني من اجل الحرية والاستقلال والعزة الوطنية، ونحن في لبنان، هناك شعب قاوم ويقاوم الاحتلال والإرهاب لانّه يعشق الحرية والعزة الوطنية والاستقلال”.
اسرائيل
في سياق متصل، ذكر الحساب الرسمي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على “تويتر”: “من المهم للغاية أنّ فرنسا والدول الأوروبية الأخرى ستقوم بما قامت به الأرجنتين مؤخراً وهو تصنيف “حزب الله” كتنظيم إرهابي”. فـ”حزب الله” هو التنظيم الإرهابي الرئيسي الذي يعمل في الشرق الأوسط وفي العالم، وهو يقوم بتوجيه الإرهابيين داخل الأراضي الأوروبية”. مضيفاً: “لذلك أهم شيء هو تصنيف “حزب الله” كتنظيم إرهابي ويجب القيام بذلك فوراً”.
إنعاش الحكومة
على الصعيد الداخلي، ما زالت الحكومة عالقة في عنق زجاجة التعطيل، منذ حادثة قبرشمون، والطريق الى انعاشها ما زال محفوفاً بالصعوبات، فيما كان البارز اعلان الحريري عن انعقاد مجلس الوزراء الاسبوع المقبل. في غياب اي مؤشرات ايجابية على خط الحلحلة حتى الآن.
خياران
واذا كان الحريري قد بدا من اعلانه انّه عازم على انعاش حكومته واعادة اطلاق عجلاتها، فإن مرجعاً كبيراً قال لـ”الجمهورية” انّ الحريري كان مستاء من تعطل الحكومة، ربما يكون قد استشعر خطراً عليها اذا ما انعقدت غداة حادثة قبرشمون، ولكن بدأت الامور تنحى الى سلبية كبيرة على مستوى الحادثة، وعلى وضع البلد وتفاقم الازمة، فيما الحكومة غائبة. وهو حسب اعتقادي ما دفع الحريري ان يعود لالتقاط زمام المبادرة.
ويضيف المرجع قائلاً: “الحكومة امام خيارين، خيار سيئ، ان تجتمع في ظل الانقسام السياسي الراهن، وان يعبّر هذا الانقسام عن نفسه داخل مجلس الوزراء، لكن هنا امكانية احتوائه ممكنة من قبل رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة، او في توافق سياسي على موضوع المجلس العدلي يُستحسن ان يتم التوصل اليه قبل الجلسة، وخيار أسوأ هو ان تبقى الحكومة معطلة، وهذا يعني مزيداً من السلبيات وانحدار البلد الى ما هو أسوأ. وما بين الخيارين ليس على الحكومة سوى ان تختار الخيار الاقل سوءاً.
يؤيّدون .. ولا يجتمعون
على انّ سائر القوى السياسية تلتقي مع الحريري وتجاهر علناً بأنّها مع انعقاد الحكومة وضد تعطيلها. فرئيس مجلس النواب لا يجد سبباً موجباً لتعطيل الحكومة، او لاعلانها الاضراب غير المبرّر عن الانعقاد، في وقت يوجب وضع البلد اعلان حال طوارئ حكومية للتصدّي الى ازماته المتفاقمة. واما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبحسب ما تفيد اجواؤه، بأنّ على الحكومة ان تنعقد ولا يجوز الاستمرار في هذا الوضع التعطيلي الذي يلقي بالضرر الكبير على البلد وعلى الحكومة وكذلك على العهد. فيما “القوات” اعتبرت تعطيل الحكومة جريمة وطنية، والامر نفسه بالنسبة الى “حزب الله”، الذي اعلن امينه العام السيد حسن نصرالله ان ليس ما يمنع انعقاد الحكومة على الاطلاق.
تساؤلات
لكن على الرغم من ذلك، لم تجد الحكومة سبيلاً الى الانعقاد، وهذا يقود الى تساؤلات: هل هناك قطبة مخفية داخل الصورة تقبض على الحكومة وتمنع انعقادها؟ هل انّ قرار تعطيل الحكومة هو داخلي تفرضه قوى سياسية كبرى، ام هو قرار موحى به من خلف الحدود؟ هل ثمة من يستطيع ان يصدّق ان النائب طلال ارسلان قادر وحده على تعطيل الحكومة وربط انعقادها بإحالة الحادثة على المجلس العدلي؟ فالتعطيل الحاصل اكبر بكثير من المطالبة بالإحالة على المجلس العدلي، وكذلك اكبر من الجهة التي تطالب والتي لا تملك وحدها اي قدرة على التعطيل، الا اذا كانت مغطاة بمظلّة قوى كبرى داخلية او غير داخلية؟
تعادل
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنه حتى ولو انعقد مجلس الوزراء لبحث حادثة قبرشمون، فإنّ احالتها على المجلس العدلي قد لا تبدو ممكنة، بالنظر الى الانقسام الوزاري، الذي هو ترجمة للانقسام السياسي حول هذه الحادثة، وحتى ولو طُرح هذا الامر على التصويت في مجلس الوزراء، فلا توجد اكثرية وزارية تجيز الاحالة. فمجلس الوزراء منقسم بين 15 وزيراً ضد الاحالة، تيار المستقبل (5 وزراء مع رئيس الحكومة)، حركة “امل” (3 وزراء)، الحزب التقدمي الاشتراكي (وزيران) و”القوات اللبنانية” (4 وزراء). وبين 15 وزيراً مع الإحالة (وزراء رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي (10 وزراء) و”حزب الله” ( 3 وزراء) وتيار المردة (وزير) واللقاء التشاوري (وزير).
وتضيف المعلومات، انّ الجهود تُبذل على اكثر من خط سياسي لبلوغ توافق يسبق الجلسة على مخرج مقبول من كل الاطراف، ويجنّب انعقاد الحكومة ويضعها امام لحظة طرح هذه المسألة على التصويت، الذي قد تترتب عليه سلبيات، جرّاء الانقسام الذي سيفرزه هذا التصويت.
الى المحكمة العسكرية!
وعلمت “الجمهورية”، انّ الساعات الماضية شهدت تداولاً بفكرة- مخرج، يُقال انّه مؤيّد من رئيس الجمهورية، وتقوم الفكرة على إحالة ملف حادثة قبرشمون على المحكمة العسكرية، مع تسليم كل المطلوبين من كل الاطراف، باعتبار انّ المحكمة العسكرية الطريق الأقصر الى النتائج من اية محاكمة وفي اي قضية، وهي يمكن ان تنطلق في غضون ساعات، تلي قبول الحزب الديمقراطي بتسليم مسلحيه، بعدما ابدى الاشتراكي قبوله بذلك بالتزامن بين الطرفين.
وبحسب المعلومات، فإنّ هذه الصيغة ناقشها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم نهاراً مع النائب طلال ارسلان والوزير صالح الغريب، ثم زار القصر الجمهوري واطلع رئيس الجمهورية على جواب ارسلان عليها، وعاد ونقلها مساء الى الرئيس الحريري، الذي التقاه في احد مكاتب مجلس النواب على هامش الجلسة النيابية.
اللواء ابراهيم
وقال اللواء ابراهيم لـ”الجمهورية”: “هناك بحث عن صيغة قضائية لحل الأزمة، والأمور تحتاج الى جهد من كل الأطراف. والعملية تحتاج الى أخذ ورد والى وقت لينضج الحل”.
أضاف: “الكل يسلّم بمبدأ تسليم المطلوبين او المشبوهين او حتى الشهود، لكن البحث جار حول الإجراءات التي يجب ان تتم قبل التسليم”.
وعلمت “الجمهورية”، انّ من بين الأفكار، الاتفاق على إنهاء التحقيق قبل تحديد وجهة القضاء الذي يتسلمه، الامر الذي يرفضه ارسلان، او التصويت على المجلس العدلي داخل مجلس الوزراء، وهو ما يرفضه الحريري حتى الساعة.
الطرفان مسؤولان
وفي السياق نفسه، علمت “الجمهورية”، ان التحقيقات التي وضعها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي قد اكتملت، وهي ستكون في غضون الساعات المقبلة بتصرّف مدّعي عام التمييز بالوكالة عماد قبلان. والبارز في هذه التحقيقات، انّها توزع المسؤوليات على الطرفين. والمهم فيها انها تحمّل فريق المواكبة للوزير الغريب مسؤولية المبادرة بإطلاق النار فيما لم تكن الطريق مقطوعة امامه. وهو ما ابرزه الفيلم المصوّر الذي عُمّم على مواقع التواصل الاجتماعي.
شهيب
وقال وزير التربية اكرم شهيب لـ”الجمهورية”: “كلام وليد بك بعد لقائه الاخير مع الرئيس بري حدّد الموقف وخريطة الحل لأزمة البساتين، وعلى نحو يشمل كل الاطراف”.
اضاف: “المخلصون، اكان الرئيس بري، او الرئيس سعد الحريري او اللواء عباس ابراهيم، ماضون في جهودهم، والمساعي لم تتوقف، وهناك الآن محاولات جادة تجري على كل المستويات من اجل تجاوز هذه الازمة، وإعادة تفعيل العمل الحكومي، ولتستقيم الامور من جديد، خصوصاً ان الحاجة باتت اكثر من ملحة لانعقاد الحكومة لكي تلعب السلطة التنفيذية دورها في ظروف اقتصادية ومعيشية شديدة الصعوبة”.
“الاشتراكي”
وفي السياق أيضاً، قالت مصادر اشتراكية لـ”الجمهورية”: “نحن قدّمنا كل التسهيلات، ومنفتحون على كل الحلول، ولكن مع الاسف هناك من لا يهمه سوى التعطيل وابقاء الاجواء متوترة. وهدفه الاول والاخير تحقيق مكاسب سياسية وانتصارات وهمية”.
الغريب
اما الوزير الغريب فقال لـ”الجمهورية”: “بالنسبة الينا لا رجوع عن المطالبة بإحالة ما جرى على المجلس العدلي، ونطالب الرئيس الحريري بعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار الاحالة بالتصويت اذا تعذر الاتفاق عليه”.
وحول طرح احالة الملف على المحكمة العسكرية، قال: “اصل الموضوع هو احالة الجريمة ومحاولة الاغتيال على المجلس العدلي، طُلبت منا المساعدة للوصول الى مخارج لحفظ كرامة الآخرين، نحن مع حفظ كرامة الآخرين ولو كانوا مخطئين، ولكن شرط احالة الجريمة على المجلس العدلي”.
هل يعني ذلك انكم لا تمانعون ان يُحال الملف بداية على المحكمة العسكرية؟
اجاب: دعنا لا ندخل بموضوع محكمة عسكرية او غير ذلك، مطلبنا احالة الجريمة على المجلس العدلي، وعندما يتمّ الاتفاق على هذا المبدأ فنحن جاهزون لكي نبحث في كل التفاصيل.
وعن قول جنبلاط انّ على الجميع ان يسلموا المطلوبين، قال الغريب: “المقاربة خاطئة، الشباب الذين كانوا معي، كانوا برفقة وزير، وعندما تمّ نصب الكمين للوزير وتمّ اطلاق النار، نزلوا واطلقوا النار في الهواء لفتح الطريق، وهذا موثق في الفيديوهات”.
وحول اللقاء مع اللواء ابراهيم قال: “اللواء شخص مستقيم وموثوق، ويتعاطى بمسؤولية كبيرة في هذا الملف كما تعاطى في السابق في ملفات سابقة”.
الأزمة بعد الموازنة
على صعيد الموازنة، يُفترض ان يصوّت مجلس النواب على مشروع الموازنة اليوم، الا اذا استدعى تمديدها العدد الكبير لطالبي الكلام من النواب.
والمؤشرات توحي انّ هذا التصويت سيقرّها بأكثرية نيابية، مقابل نسبة عالية من المعترضين عليها اما برفضها او بالامتناع عن التصويت واما بالغياب.
على ان متابعة وقائع جلسة المناقشة بالمداخلات الهجومية على الموازنة، تعطي انطباعاً أنّ فريق الهجوم النيابي يبدو وكأنه في عالم منفصل عن “حكومته”، التي وضعت الموازنة بموافقة ممثليه فيها. هذه الوقائع جعلت الجلسة بالعراضات النيابية التي تخللتها اشبه ما تكون بمسرحية ركيكة، نهايتها معروفة سلفاً، وان الهجوم العنيف عليها ما هو سوى كلام فارغ لا يقدّم ولا يؤخّر، واصحابه سيستسلمون لقرار مرجعياتهم وكتلتهم النيابية، ويرفعون ايديهم بالتصويت: نعم للموازنة!
حرب
وبات اكيداً، انّ الموازنة ستُقرّ بلا قطع حساب. وفي هذا الاطار قال النائب السابق بطرس حرب لـ”الجمهورية”: “اين هي فذلكة الموازنة، ولماذا لم يتم عرضها على مجلس النواب ليبدأ نقاشاته في ضوئها؟”.
اضاف: “السلطة اليوم واقعة في مشكلة، مجلس الوزراء لا يستطيع ان يُعقد لأنهم مختلفون، ولو جمعوا مجلس الوزراء ينبغي عليه ان يوافق على قطع الحساب اذا كان جاهزاً، كنت اعتقد بناءً على ما كنت اسمعه انّ وزارة المالية جاهزة، فتبيّن لي من النقاش الذي حصل انها ليست جاهزة، وان الحكومة تحتاج الى ستة اشهر، وهذا برأيي مخالفة دستورية”.
وتابع حرب: “انّ هذا الامر خطأ، اولاً، هل قطع الحساب جاهز ام لا، اذا كان جاهزا، يُفترض بمجلس الوزراء ان يجتمع ويقرّه ويحيله الى مجلس النواب فيقرّه، وبعد اقراره تنشر الموازنة، لكن اقرار الموازنة بحد ذاته يمكن ان يحصل ولكن شرط الا تنشر، اي الا ينشر رئيس الجمهورية قانون الموازنة، بل ينتظر ان يقرّ قطع الحساب، فإذا لم يُقرّ قطع الحساب لا ينشرها، لانّ هناك مخالفة دستورية”.
المصدر: الجمهورية