انفجار مرفأ بيروت كان العلّة التي تسلّحت بها دولٌ غربية لتنفذ إلى لبنان. لم يهدأ بعد الاستغلال السياسي للحادثة، وتوظيف تبعاتها لتحصيل مكاسب في الداخل والإقليم. واحدة من الروايات التي انتشرت، أنّ التفجير سببه عمل تخريبي تقف وراءه «اسرائيل»، وأنّ حزب الله يدّعي عدم معرفته بما حدث داخل المرفأ وما حصل، لأنّه غير قادر على الردّ على العدوان، لو حصل. أطلّ أمس الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله حازماً: «من الآن أقول لكم، حزب الله الذي لا يُمكن أن يتغافل عن قتل مُجاهد واحد من مُجاهديه، ويوقف الجيش الاسرائيلي أسابيع على الحدود، لا يُمكن أن يسكت عن جريمة كُبرى (تفجير المرفأ)، إذا كانت إسرائيل قد ارتكبتها، وهي ستدفع ثمناً بحجم الجريمة»، مُعتبراً أنّه لو ثبت الدور الاسرائيلي، فيجب أن لا يقتصر الجواب على حزب الله، «بل كلّ مؤسسات الدولة وكلّ الشعب يجب أن يعلن موقفه». أعاد نصر الله التأكيد أنّ «الحزب» لا يملك رواية عن التفجير في المرفأ، «نحن معنيون بالمقاومة وأمنها المُباشر، ولسنا قادرين على تحمّل كامل مسؤولية الأمن القومي بالبُعد الداخلي». المسألة بين أيدي الدولة والقضاء والأجهزة الأمنية والعسكرية، «ونحن ننتظر نتائج التحقيقات. لكن نظرياً هناك فرضيتان: أن يكون الحادث عرضياً أو عملاً تخريبيّاً. التحقيق يجب أن يستمر ويُقدّم إجابة للشعب اللبناني، لأنّها فاجعة طالت الجميع». ولكنّ السيّد حذّر من دخول «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركي على خطّ التحقيقات، «فإذا كانت اسرائيل مُتورطة في التفجير، يعني سيتم إنقاذها. وهذه كانت ستكون وظيفة التحقيق الدولي لو قبل به لبنان، إبعاد أي مسؤولية لإسرائيل لو كان لها دور فعلي».

لم يكن هذا التهديد الوحيد الذي تلقّاه العدّو في خطاب أمس، فرغم كلّ التطورات اللبنانية، إلا أنّ حزب الله لم يطوِ بعد صفحة القصف الإسرائيلي في محيط مطار دمشق الدولي أواخر الشهر الماضي، والذي أدّى إلى استشهاد المُقاوم علي كامل محسن. «قرار الردّ على استشهاد محسن لا يزال قائماً، لم يتغيّر أي شيء وعلى الاسرائيليين أن يبقوا مُنتظرين»، أكّد نصر الله، مُضيفاً أنّه «منذ اليوم الأول كان خيارنا أن نردّ، بهدف تثبيت قواعد الاشتباك، لذلك يجب أن يكون الردّ محسوباً وجدّياً. هناك معادلة حقيقية وقواعد اشتباك قائمة نُريد الحفاظ عليها وتثبيتها، وما يُثبّتها هو العمل الجادّ والمدروس». وما يجري على الحدود منذ ثلاثة أسابيع، من استنفار وانتشار لجنود العدّو على طول الحدود اللبنانية مع كلّ من الجولان المُحتل وفلسطين المحتلة، «ووقوفهم على إجر ونصف، هو جزء من العقاب».
المُعادلة التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله، «هي التي تحمي لبنان». هذا البلد الذي كان «يُعَدُّ له مشروع الأسبوع الماضي لإسقاط كلّ الدولة وليس المجلس النيابي فقط». إلا أنّ الأخطر في كلام نصر الله كان توجيهه الاتهام إلى «قوى سياسية لبنانية، لمصالح شخصية وخدمةً لمشاريع خارجية، أنّها عملت على وضع لبنان على حافّة الحرب الأهلية». العنوان الأول لإسقاط الدولة، «هو العهد وفخامة الرئيس ميشال عون»، واصفاً إيّاه بأنّه «ليس الشخص الذي تستطيعون إسقاطه بهذه الطريقة. في حرب تموز، هُدّد بأنّ بيته سيُقصف ولم يُعدّل موقفه، الآن نتيجة بعض الشتائم يستقيل من الرئاسة؟». العنوان الثاني، هو المجلس النيابي، «فشُغل على تقديم استقالات جماعية. هناك كُتل موافقة على انتخابات نيابية مُبكرة، ولكن ليس الاستقالة. كُتل تُريد الاستقالة». العنوان الثالث كان إسقاط الحكومة، معتبراً أنه «كان صعباً على أي حكومة أن تصمد بوجه هذا الانفجار»، وما جرى كان بمثابة «أخذ البلد إلى حرب أهلية وإعادة ما كان يُعدّ عندما اختُطف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري». انطلاقاً من هنا، حدّد نصر الله السقف بـ«منع سقوط الدولة ومؤسساتها واندلاع حرب أهلية. من تجدونه يهدم السقف، اتهموه بوطنيته». في هذا الإطار أيضاً، أتى التعليق على التظاهرات الأسبوع الماضي. ميّز نصر الله بين الناس التي تتظاهر وتأخذ موقفاً سلبياً من الحُكم «وهذا حقّها»، وبين الممارسات التحريضية التي «مُمكن أن تدفع إلى صدام مشبوه وتقف خلفها سفارات». كشف عن مُحاولات لاستفزاز جمهور المقاومة، شاكراً «صبركم وبصيرتكم. تواصلنا لضبط الساحة، لأنّ من الواضح وجود من يُريد جرّها إلى القتال في الشارع، ولن نكون وقوداً لهؤلاء». ولكن هذا لا يعني طمس الغضب، بل توجّه إلى «جمهوره» بالقول: «حافظوا على غضبكم لأنّنا قد نحتاج إليه لمنع جرّ لبنان إلى حربٍ أهلية».