مجلة وفاء wafaamagazine
يمكن تلخيص السقف السياسي الداخلي الذي حدّده حزب الله أمس، بالآتي: منع الدولة من السقوط ومنع الانجرار نحو حرب أهلية، ورفض الحكومة «الحيادية». هذه هي «زُبدة» خطاب الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، أمس، والذي أعلن أنّ «الحزب» لن يقبل إلا بحكومة تضم أوسع تمثيل سياسي وشعبي، مؤلفة من سياسيين واختصاصيين، أولوياتها التحقيق والمحاسبة في انفجار المرفأ، وإجراء إصلاحات، ومعالجة الوضع الاقتصادي والمعيشي
لم يكن هذا التهديد الوحيد الذي تلقّاه العدّو في خطاب أمس، فرغم كلّ التطورات اللبنانية، إلا أنّ حزب الله لم يطوِ بعد صفحة القصف الإسرائيلي في محيط مطار دمشق الدولي أواخر الشهر الماضي، والذي أدّى إلى استشهاد المُقاوم علي كامل محسن. «قرار الردّ على استشهاد محسن لا يزال قائماً، لم يتغيّر أي شيء وعلى الاسرائيليين أن يبقوا مُنتظرين»، أكّد نصر الله، مُضيفاً أنّه «منذ اليوم الأول كان خيارنا أن نردّ، بهدف تثبيت قواعد الاشتباك، لذلك يجب أن يكون الردّ محسوباً وجدّياً. هناك معادلة حقيقية وقواعد اشتباك قائمة نُريد الحفاظ عليها وتثبيتها، وما يُثبّتها هو العمل الجادّ والمدروس». وما يجري على الحدود منذ ثلاثة أسابيع، من استنفار وانتشار لجنود العدّو على طول الحدود اللبنانية مع كلّ من الجولان المُحتل وفلسطين المحتلة، «ووقوفهم على إجر ونصف، هو جزء من العقاب».
المُعادلة التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله، «هي التي تحمي لبنان». هذا البلد الذي كان «يُعَدُّ له مشروع الأسبوع الماضي لإسقاط كلّ الدولة وليس المجلس النيابي فقط». إلا أنّ الأخطر في كلام نصر الله كان توجيهه الاتهام إلى «قوى سياسية لبنانية، لمصالح شخصية وخدمةً لمشاريع خارجية، أنّها عملت على وضع لبنان على حافّة الحرب الأهلية». العنوان الأول لإسقاط الدولة، «هو العهد وفخامة الرئيس ميشال عون»، واصفاً إيّاه بأنّه «ليس الشخص الذي تستطيعون إسقاطه بهذه الطريقة. في حرب تموز، هُدّد بأنّ بيته سيُقصف ولم يُعدّل موقفه، الآن نتيجة بعض الشتائم يستقيل من الرئاسة؟». العنوان الثاني، هو المجلس النيابي، «فشُغل على تقديم استقالات جماعية. هناك كُتل موافقة على انتخابات نيابية مُبكرة، ولكن ليس الاستقالة. كُتل تُريد الاستقالة». العنوان الثالث كان إسقاط الحكومة، معتبراً أنه «كان صعباً على أي حكومة أن تصمد بوجه هذا الانفجار»، وما جرى كان بمثابة «أخذ البلد إلى حرب أهلية وإعادة ما كان يُعدّ عندما اختُطف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري». انطلاقاً من هنا، حدّد نصر الله السقف بـ«منع سقوط الدولة ومؤسساتها واندلاع حرب أهلية. من تجدونه يهدم السقف، اتهموه بوطنيته». في هذا الإطار أيضاً، أتى التعليق على التظاهرات الأسبوع الماضي. ميّز نصر الله بين الناس التي تتظاهر وتأخذ موقفاً سلبياً من الحُكم «وهذا حقّها»، وبين الممارسات التحريضية التي «مُمكن أن تدفع إلى صدام مشبوه وتقف خلفها سفارات». كشف عن مُحاولات لاستفزاز جمهور المقاومة، شاكراً «صبركم وبصيرتكم. تواصلنا لضبط الساحة، لأنّ من الواضح وجود من يُريد جرّها إلى القتال في الشارع، ولن نكون وقوداً لهؤلاء». ولكن هذا لا يعني طمس الغضب، بل توجّه إلى «جمهوره» بالقول: «حافظوا على غضبكم لأنّنا قد نحتاج إليه لمنع جرّ لبنان إلى حربٍ أهلية».
قرار الردّ على استشهاد علي محسن لا يزال قائماً، وعلى الاسرائيليين أن يبقوا مُنتظرين
ما هي الحكومة التي يُريدها حزب الله بعد أن تعدّدت الاحتمالات بين «وطنية» و«حيادية» وغيرهما؟ في البداية، شكر الرئيس المُستقيل حسّان دياب، وكلّ الوزراء، «على شجاعتهم لتولّي الحُكم رغم كلّ الظروف التي كانت موجودة». وثانياً، ما يُطالب به حزب الله هو «حكومة قوية وقادرة ومحمية سياسياً، وإلّا فستنهار أو تسقط في المجلس النيابي عند أي مفرق». الموقف سابقاً كان تأييد حكومة وحدة وطنية، ولا يزال «الحزب» يُزكّيه. أما إذا تعذّر ذلك، «فحكومة بأوسع تمثيل سياسي وشعبي مُمكن، مؤلفة من سياسيين واختصاصيين، لتكون حكومة قوية». وحدّد نصر الله الأولويات لأي حكومة مُقبلة: «متابعة التحقيق والمحاسبة في مرفأ بيروت، إطلاق الإصلاحات، إعادة الإعمار، معالجة الموضوع المعيشي والاقتصادي». وهزأ نصر الله من فكرة الحكومة الحيادية، «مَن يعني؟ في لبنان؟ لا نؤمن بوجود حياديين في لبنان حتّى تُؤلفوا منهم حكومة». فهذه الحكومات ما هي إلّا «خداع لتجاوز التمثيل الحقيقي الذي أفرزه أي شعب من خلال انتخابات نيابية. فلنستفد من التجارب السابقة ونختصر الوقت في التأليف». ولكن أليس مُمكناً أن يرفض بعض القوى المُشاركة في الحكومة؟ «من لا يستطيع تحمّل المسؤولية فليخرج ويترك الناس تبحث عن خيارات جديدة. أما إذا كان البعض مُصرّاً على البقاء وفي الوقت نفسه لا يُريد المساهمة في تحمّل مسؤولية ما كان شريكاً في تخريبه، ويتآمر ويُحاصر من يُريد تحمّل المسؤولية، فلا أعرف ماذا مُمكن أن يُسمّى هذا التصرّف».
وعلى بُعد أيّام من النُطق بحكم المحكمة الدولية في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، أعلن نصر الله أنه «بالنسبة إلينا، هذا القرار سيكون كأنّه لم يصدر، ونحن مُتمسكون ببراءة إخواننا في الحزب». فليس المضمون، المعروف منذ سنوات مُهماً، «بل أن ننتبه كلبنانيين إلى أنّ هناك من سيُحاول استغلال القرار لاستهداف المقاومة وحزب الله». ففي الذكرى الـ14 لانتصار تموز 2006، مُناسبة حديث نصر الله أمس، تبقى مُشكلة الولايات المتحدة والعدّو «المقاومة وقوتها. مُشكلتهم معنا لأنّ المقاومة تقف حاجزاً أمام الأطماع والتهديدات الاسرائيلية. لذلك يُريدون أن يتخلصوا منّا. ولو قبلنا بأن نتخلّى عن المقاومة، فسيشطبوننا من لائحة الإرهاب ويُقاتلون لنكون داخل الحكومة، ويُقدمون لنا المساعدات». وكشف نصر الله أنّه «حتى اليوم لا يزال هذا العرض موجوداً». حكاية أنّ حزب الله يُهيمن على الحياة السياسة ويتدخّل في الإقليم، «حُجّة وكذبة. قد يتحمّلون ذلك، ولكن لا يتحملون بقاء قوّة اسمها المقاومة تُدافع عن أمن وسلامة وسيادة وعزّة لبنان». ولأنّ العدّو يعرف أنّ أي حرب عسكرية مُقبلة لن تُضعف حزب الله، فـ«سيلجأ إلى كلّ وسائل الضغط الأخرى. أقول إنّ المقاومة بالنسبة إلينا هي مسألة وجود، حتى إشعار آخر، وطالما لم يُقدّم بديل».
هي نفسها المقاومة التي أثبتت قوتها في تموز 2006، «يوم بدأ الأمر كعملية عسكرية وتطوّر سريعاً إلى حرب فرضها العدّو الصهيوني على لبنان بقرارٍ أميركي». البلد الصغير «قاتل ووقف وحيداً أمام الكيان الغاصب الذي يعتبر نفسه أقوى جيش في الشرق الأوسط ومن الأقوى في العالم. 33 يوماً مضت والمقاومة تصبر وتصمد وتصنع الانتصارات، إلى أن أُجبرت اسرائيل على وقف عدوانها والتراجع عن شروطها». نتجت عن الحرب نتائج عديدة، أبرزها: «إيقاف وإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكشف حقيقة الكيان الصهيوني ومستوى الترهّل في منظوماته وقدرته على الصمود، وتثبيت توازن الردع». هذه المُعادلة «تشتدّ يوماً بعد يوم وتحمي لبنان. إنجاز الـ2006 هو الحماية». ولكن، في ذكرى هذا الانتصار، وصلت بوارج فرنسية وبريطانية إلى البحر اللبناني، مع عراضة عسكرية غربية. بالنسبة إلى نصر الله، «حماية لبنان تكون بالتمسّك بالمقاومة والصبر على كلّ الظروف. ونحن أقوياء، ولا داعي للخوف. وسنبقى نحن وحلفاؤنا الأقوى في هذه المنطقة، والمستقبل سيكون لنا».
أنظمة التطبيع خدمٌ عند أميركا
تزامنت كلمة الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله بعد يوم من الإعلان عن اتفاقية «السلام» بين دولة الإمارات وكيان العدّو. «لم نُفاجأ بالقرار»، قال نصر الله، واضعاً إيّاه في إطار «حاجة الرئيس دونالد ترامب إلى إنجاز في السياسة الخارجية، فهو في أضعف لحظاته الانتخابية»، فالعلاقات بين الفريقين (الإمارات وكيان العدو) قائمة منذ سنوات طويلة، والإعلان عنها لم يكشف سرّاً. إلّا أنّ توقيت الإعلان «يؤكّد أنّ بعض الأنظمة العربية خَدَمٌ عند الإدارة الأميركية»، مُتوقعاً أن «يُقدم عدد من الأنظمة العربية على توقيع اتفاقات سلام»، حتى إتمام الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي هذا الإطار، يتبيّن، بحسب نصر الله، أنّ الهجوم الخليجي – إعلامياً وسياسياً – على إيران وتكبير خطرها مُجرّد «قنابل دخانية من أجل إتمام الصلح مع إسرائيل. كثيرٌ من هؤلاء الذين يتحدثون عن إيران كعدّو، يتصلون بها بالخفاء لإقامة علاقات معها».
الخطوة الإماراتية «مُدانة ومرفوضة. هي خيانة للعروبة والأمة والشعب الفلسطيني. خطوة غادرة وطعن في الظهر». ولكن توجّه نصر الله إلى الشعب الفلسطيني المغدور، والشعوب العربية وحركات المقاومة، بأنّه «يجب أن نغضب ولكن لا نحزن، فسقوط الأقنعة أمر جيّد. جبهة الحقّ عندما يُقدّر لها أن تقترب من الانتصار، عليها أن تُلقي بأثقالها، وأن يخرج منها المنافقون والكذّابون والطاعنون في الظهر، فهذا يجعل جبهة المقاومة تعرف صديقها من عدّوها».
الأخبار