الأخبار
الرئيسية / أخبار العالم / من «آيا صوفيا» إلى «ملاذكرد»: انبعاث «العثماقية»!

من «آيا صوفيا» إلى «ملاذكرد»: انبعاث «العثماقية»!

مجلة وفاء wafaamagazine

لا يفوّت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فرصة إلا ويشير إلى الإرث العثماني لتركيا. وبات استذكار المناسبات والاحتفال بها يجريان وفق روزنامة التاريخ العثماني.
لكن إردوغان أصبح، ومنذ سنوات أيضاً، يعطف على المشهد العثماني أحداث التاريخ السلجوقي. وأصبح يشير بالتوازي إلى التاريخين معاً. ويحتل الإمبراطور السلجوقي ألب أرسلان شاه مكانة مميزة في التاريخ السلجوقي، فهو أوّل من فتح أبواب الأناضول أمام جموع السلاجقة بعدما هزم البيزنطيين وأسر إمبراطورهم رومانوس الرابع في موقعة ملاذكرد عام 1071 للميلاد. وعلى الرغم من أن الأمراء السلاجقة قد أقطعوا لاحقاً عثمان بن أرطغرل بعض المناطق الحدودية مع بيزنطية غرب الأناضول، فإن عثمان تمرّد على أولياء نعمته السلاجقة وأنشأ إمارته العثمانية عام 1299 ومن ثم دخل العثمانيون في حروب مع السلاجقة انتهت إلى زوال الدولة السلجوقية. ومع ذلك، فإن إردوغان يفتخر بإرثه السلجوقي والعثماني لأنه يغلب العامل العرقي، التركي، على العوامل الأخرى، ومنها الدينية، ولا فرق بالتالي عنده بين عثماني وسلجوقي، حتى يمكن اعتبار أنها نزعة “عثماقية” (من عثماني وسلجوقي).
على هذا الأساس، كان سرد عظماء التاريخ التركي يبدأ عند إردوغان من ألب أرسلان مروراً بمحمد الفاتح وسليم الأوّل وسليمان القانوني وصولاً إلى عبد الحميد الثاني. وبات حتى توقيت “الحملات” العسكرية التركية في العصر الحديث على وقع الماضي التاريخي. وفي رأس ذلك “عملية درع الفرات” التي تم توقيتها في 24 آب/ أغسطس (2016) تاريخ معركة مرج دابق بين العثمانيين والمماليك عام 1516، والتي انتهت إلى احتلال العثمانيين لكل المشرق العربي وشمال أفريقيا (عدا المغرب) ومعظم الجزيرة العربية.
وبات الاحتفال في السنوات الأخيرة بالمناسبات العثمانية والسلجوقية عادة سائدة لدى حزب “العدالة والتنمية” الحاكم. ومن ذلك وآخرها المشهدية الضخمة في 29 أيار/ مايو الماضي بمناسبة “فتح القسطنطينية” عام 1453، والتي تُوّجت بتحويل كنيسة “آيا صوفيا” إلى مسجد في احتفال بتاريخ 24 تموز/ يوليو الماضي.
وقبل أيام في 21 آب/ أغسطس، نشر رئيس الجمهورية قراراً بتحويل كنيسة قارييه (kariye ) في منطقة الفاتح بإسطنبول إلى جامع. وكانت الكنيسة تأسّست في القرن السادس للميلاد، ثم حُوّلت إلى جامع عام 1511، وفي العام 1945 قررت الحكومة التركية تحويل الجامع إلى متحف. وفي العام الماضي أوصى مجلس شورى الدولة بإلغاء قرار الحكومة وإعادة اعتبار الكنيسة جامعاً وتسليمها لرئاسة الشؤون الدينية. لكن القرار الرئاسي لم يصدر إلا قبل أيام.

اعتبر «الشعب الجمهوري» إلغاء الاحتفالات بعيد النصر بذريعة «كورونا» استهدافاً لأتاتورك والعلمانية

وبذريعة فيروس “كورونا”، أصدر وزير الداخلية قراراً بإلغاء الاحتفالات كافة بمناسبة عيد النصر في 30 آب/ أغسطس، وهو اليوم الذي هزم فيه مصطفى كمال باشا اليونانيين في العام 1922. لكن حزب “الشعب الجمهوري” اعترض على القرار واعتبره يستهدف أتاتورك والعلمانية، وطلب من كل البلديات التي يسيطر عليها الحزب الاحتفال بهذه المناسبة مع أوسع مشاركة ممكنة ضمن الحفاظ على تدابير الوقاية من “كورونا”.
وفي وقت كانت فيه السلطة الحاكمة تضيّق على الاحتفالات “العلمانية”، رغم أنها قومية ووطنية بامتياز، فإن الاحتفالات بالذكرى 949 لموقعة ملاذكرد في مكان المعركة في قضاء أخلاط عند بحيرة فان في محافظة بتليس كانت تجري على قدم وساق يوم الثلاثاء الماضي. وقد حضر الاحتفال شريك إردوغان في التحالفات الانتخابية، زعيم حزب “الحركة القومية” دولت باهتشلي، فضلاً عن وزراء ومسؤولين. وقد جلس المدعوون في “خيمة سلجوقية” قبل أن ينتقلوا إلى الهواء الطلق ويشاهدوا تمثيلية جسدت مجريات المعركة وانتصار السلاجقة، وزاروا “مقبرة السلاجقة” ذات الأنصبة الشاهقة. وفي اليوم التالي، جال إردوغان وباهتشلي في ميدان المعركة في ملاذكرد، الواقعة إلى الشمال من أخلاط.
التذرع بفيروس “كورونا” لإلغاء الاحتفال بعيد النصر، أثار أيضاً استياء نقابات المحامين. ففي إزمير أعلنت النقابة أنها ستنزل إلى الشارع في 30 آب/ أغسطس بثياب المحاماة. وقال رئيس النقابة أوزكان يوجيل: “في كل مكان كل شيء مفتوح، المقاهي وقاعات الرياضة والمراكز التجارية الكبرى، كما لو أنه ليس من كورونا. لكن إذ يصل الأمر إلى قيم الجمهورية يذكروننا بالفيروس. نحن نرى كيف يريدون لنا أن ننسى تلك القيم وأن ينشئوا جمهورية أخرى”. وأكدت “جمعية الفكر الأتاتوركي” أنها لن تلتزم بقرار وزير الداخلية، وسوف تحتفي بالمناسبة كما في كل عام.
وكتب الكاتب أورخان بورصه لي في صحيفة “جمهورييت” أنه “لولا نصر 30 آب على اليونانيين لما كنا اليوم موجودين، ولكانت اتفاقية سيفر هي التي طبّقت، ولم يكن ليبقى من تركيا سوى خمس جغرافيتها الحالية. ولكُنا شهدنا في جوارنا قيام دويلات عرقية ومذهبية”. وقال إن انتصار 30 آب هو الذي ضمن وجود تركيا الحالية، مضيفاً أنه “ليس من بلد في العالم يلغي الاحتفال بعيد التحرير. وإلا فالمراد إنكار أصلنا وهويتنا ووجودنا”.

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار