مجلة وفاء wafaamagazine
علي خيرالله شريف
بعد طول صبر وانتظار، وتأرجحٍ بين الغُنجِ والدلال، في وسط عتاعيت الوراثة والمحاصصة، مَنَّ اللهُ علينا بشخصيةٍ عصامية أعادت إلينا الأمل باسترجاع نزاهةِ سليم الحص وجدارته وديمومة عطائه، ووعدنا أنفسنا بعودة الاستقرار إلى الوطن والبريق إلى طموحات المواطن.
وما إن استتب التكليف، وأمسك الرئيس بناصية الأمر، وراح يُوَطِّدُ أواصرَ الحكم ويبسطُ ذراع الدولة ويدقُّ مِطرقة العدالة، حتى تحركت أذيال التماسيح من كل حدب وصوب، وشهروا أنيابهم القاطعة ومشاديقهم الواسعة، وأشعلوا لهيب إذاعاتهم اللاذعة، ليحموا أنفسهم وسرقاتهم.
نعم وَفَّقَنا اللهُ بتكليف الدكتور حسان دياب لترؤس الحكومة، ذلك القادم من تجربةٍ أكاديميةٍ مرموقة، ومن ألمعيةٍ في التحصيل العلمي وفي المواقع التي تبوأها. ذلك الأكاديمي الذي يُعَرِّف عن نفسه بكل تواضع قائلاً في إحدى المقابلات: “رجلٌ يُحِبُّ وَطَـنَـه”. وفِعلاً تُحَدِّثُنا سيرتُه عن عودته إلى لبنان مباشرةً بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الهندسة برتبة شرف من جامعة بريطانية عام 1985 وعن رفضه مغادرة وطنه رغم حساسية الوضع الأمني فيه آنذاك.
طُبِعَت حياة الدكتور حسان دياب بالجدية والنجاج منذ أيام دراسته إلى أيام عمله المتدرج صعوداً في الجامعة الأميركية، إلى أيام تسلُّمِه وزارة التربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، لغاية فترة الستة أشهر من العام 2020 كرئيس حكومة في أحلك الظروف وأقساها، حيث تَمَيَّزَ بالعمل الدؤوب والمتواصل والدقيق والمُخلِص، لانتشال وطنه من الانهيار.
إن لبنان هو بحاجة ماسة لهذا النوع من رجال الدولة الحقيقيين الذين يعملون دون كلل أو ملل، لا يضيعون الوقت في المشاحنات والمناكفات ولا في الأسفار والنقاهات. يعمل كثيراً ويرتاح قليلاً، ويتصدى بكل شجاعةٍ وحكمة للكم الهائل من الأزمات والعقليات والنوايا السيئة والماكرة والمتآمرة والمعرقلة والناهبة للمال العام، وللكم الهائل من رعاةِ القطعان المتصلين بما وراء الحدود والمتمردين على الدولة والقانون.
قارنوا بين أداء حكومة الدكتور حسان دياب خلال ستة أشهر، وبين أداء كل الحكومات منذ حوالي ثلاثين سنة ولغاية اليوم. ولتكن المقارنة بين عدد الجلسات وإنتاجيتها، والقرارات والمواقف وساعات العمل والإنجازات وأمور لا حصر لها ولا مجال لذكرها هنا. ولا مجال للمقارنة بين ثبات الدكتور دياب رغم اشتداد الأزمات، وبين هروب غيره عند أدنى العرقلات، ولا مجال للمقارنة بين علمه وجهلهم، ولا بين حكمته وحماقتهم وبين صمته وثرثرتهم، وصبره وبين سُمُوِّ أخلاقه وشوفينتهم الفارغة. فالبعض لجأ إلى كل أنواع الشتم والسباب في الساحات والشاشات والقنوات الفضائية، فقط لأن نجاح هذا الرجل الكبير كان دليلاً قاطعاً على فشلهم.
لقد تمتع بروحية وطنية راسخة بعيدة عن الطائفية والمذهبية، فهو يعتبر نفسه رئيس حكومة كل اللبنانيين من كل الطوائف والأعراق والمذاهب والمناطق، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن الجميع وإلى جانبهم. “المواطنة” بالنسبة إليه هي المعيار وليس أي شيءٍ آخر. أليس هذا ما نحتاجه لحل كل مشاكلنا في لبنان؟
الخطة الاقتصادية التي وضعتها حكومة الرئيس دياب، أنكروها قبل أن يقرأوها، وراحوا يقذفونها بشتى الأوصاف والسباب، مع العلم أنهم خلال ثلاثين سنة من حكمهم، لم يستطيعوا وضع خطة اقتصادية واحدة شبيهة بها أو أقل منها. حتى صندوق النقد الدولي الذي يعتبرونه مرجعيتهم الاقتصادية، تَبَنَّى خطة الرئيس دياب واعتبرها الحل الوحيد لمعالجة وضع لبنان، ووصفها بأنها الـمُرتَكَز الإيجابي للمفاوضات مع الصندوق. وتبنتها المفوضية الأوروبية، واعتبرت أرقامها أكثر دقة من أرقام مصرف لبنان. وهذه الجهات الدولية نفسها أصرت على إجراء التدقيق الجنائي الذي أقرته حكومة دياب في حسابات مصرف لبنان(الذي رسم كارهو الرئيس دياب خطوطاً حمراء حول حاكمه).
الحديث يطول عن لا منطقية ما يجري في لبنان، ولا عقلانية الحكام وتبعية أكثريتهم للخارج، وعن تبعية جماهيرهم العمياء لهم، لمذهبهم وليس لوطنيتهم، لمظهرهم وليس لأعمالهم… إن هذا النهج لا يصنعُ أوطاناً ولا يبني مجتمعات.
إننا في لبنان نحتاج إلى علاج سريع للانهيار الاقتصادي، ومعالجة الصدع في أوصال المجتمع لتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية، وهذا لن يحصل إلا في اتباع نهج الرئيس حسان دياب، وإلى اعتماد نهج اقتصادي إنتاجي واستخراج النفط بأسرع وقت، وإلى تنويع توجهات تعاوننا مع الخارج.