مجلة وفاء wafaamagazine
لا تبدو الخيارات كثيرة أمام بنيامين نتنياهو، الذي يبدو أنه التفت أخيراً إلى حجم العاصفة التي تواجهه جرّاء أدائه الفاشل في مواجهة أزمة «كورونا». وفيما يعترض العديد من العقبات خطّته لتشكيل حكومة يمينية صافية، تُظهر استطلاعات الرأي مخاطر كبيرة محدقة بمكانته في حال التوجّه إلى انتخابات مبكرة. من هنا، يسعى نتنياهو، حالياً، إلى استعادة ثقة ناخبيه، في وقت يترقّب فيه نتائج الانتخابات الأميركية، التي يأمل فوز حليفه، دونالد ترامب، بها، بما ينعكس إيجاباً على موقفه هو
ليست أمراً ثانوياً متابعة الخطاب السياسي والإعلامي لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو؛ فهو إلى جانب كونه يعكس أولويّات الكيان في أكثر من ساحة، فإنه يؤشر أيضاً إلى الاهتمامات السياسية والشخصية التي تحتلّ وعيه كرئيس حكومة متّهم بالفساد والرشوة. انطلاقاً من ذلك، رصدت صحيفة “هآرتس” التحوّل الذي استجدّ على خطاب نتنياهو، بعدما امتنع خلال الأسبوعين الأخيرين عن التطرّق إلى اتفاقيتَي التطبيع مع الإمارات والبحرين، وهو الذي كان قد ملأ الشاشات متباهياً بهذا “الإنجاز”، وأيضاً عن التطرّق إلى محاكمته وانتقاد أجهزة تنفيذ القانون. وأرجعت الصحيفة التحوّل المذكور إلى التراجع الكبير في شعبية نتنياهو بفعل تفاقم الأزمتين الصحية والاقتصادية، واضطراره إلى تعديل خطابه الإعلامي، وتحويله إلى ما يهمّ الجمهور الإسرائيلي.
ولعلّ من أبرز المؤشّرات على ذلك التراجع، نتائج استطلاعات الرأي التي أظهرت تراجع حزب “الليكود” إلى 26 مقعداً، في مقابل صعود تحالف “يمينا” إلى 23 مقعداً، بعدما كانت النتائج قبل أشهر قليلة تشير إلى فوز “الليكود” بأكثر من ثلاثين مقعداً، بينما راوحت كتلة “يمينا” حول العشرة مقاعد. أهمّية هذا المستجد غير المفاجئ، أن له أثراً كبيراً على خيارات نتنياهو في ما يتعلّق بمستقبل الحكومة، التي يُرجّح، في ضوء المعطيات القائمة، أنه لن يسمح باستمرارها إلى آخر عهدها، تلافياً لسيناريو تنحّيه عن رئاستها بعد نحو سنة التزاماً باتفاق التناوب مع الشريك – الخصم، بني غانتس، وهو ما يرى فيه بداية نهاية حياته السياسية. وعليه، يبقى أمام نتنياهو خياران: إمّا إعادة إنتاج الحكومة وفق تركيبة يمينية تُكرّسه زعيماً أوحد لها، وتوفّر له الضمانة البرلمانية لسنّ القوانين التي تُحصّنه، وتتيح له الاستمرار في المنصب؛ أو الذهاب نحو انتخابات مبكرة، يرتبط موعدها بأكثر من متغيّر داخلي، وربما خارجي أيضاً.
السيناريو الأفضل لدى نتنياهو يتمثّل في تشكيل حكومة يمينية تُحرِّره من القيود التي فرضتها عليه شراكته مع حزب “أزرق أبيض”. من الناحية النظرية، لدى معسكر اليمين، الأقرب إلى توجّهات نتنياهو، أغلبية تسمح له بتشكيل حكومة يمينية (54 عضو كنيست). على أنه من أجل تحقّق السيناريو المؤمّل لديه، يحتاج نتنياهو إلى انضمام كتلتين من الكتل الثلاث التالية إلى معسكره: كتلة “دِرِخ هآرتس /طريق البلاد” وتضمّ عضوي “كنيست” انشقا عن حزب موشيه يعلون، وكتلة “يمينا” برئاسة نفتالي بينت، وكتلة “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان. في ما يتعلّق بالأخير، أثبت ليبرمان، بالممارسة، أنه ليس في وارد الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، ولو كان هذا السيناريو يملك أرجحية معتبرة، لما احتاج رئيس الحكومة إلى خوض ثلاث حملات انتخابية خلال عامَي 2019 و2020، فضلاً عن أنه لا مؤشّرات حتى الآن على تحوّل في موقف ليبرمان. بالنسبة إلى كتلة “درخ هآرتس/ طريق البلاد”، فقد سبق أن التزمت مع غانتس بأن لا تشارك في حكومة من دونه ويرأسها نتنياهو، وقد أثبت عضوا “الكنيست” اللذان يشكّلان الكتلة التزامهما العملي بالموقف المتقدّم. أمّا بالنسبة إلى كتلة “يمينا”، التي تتموضع على يمين نتنياهو، فيفترض أن تكون الأكثر اهتماماً باستمرار حكومة اليمين، وبالتالي فهي لن تمانع الانضمام إلى أيّ محاولة لإنتاج حكومة يمينية. لكن نجاح تلك المحاولة يظلّ مشروطاً بانضمام إحدى الكتلتين: “درخ هآرتس” أو “إسرائيل بيتنا”، إليها؛ لأنه بدون أيّ منهما – في ظلّ الخريطة البرلمانية الحالية – لن تتوفر الأغلبية البرلمانية. على أن ما يجدر التنبّه إليه، هنا، هو أن عاملاً إضافياً استجدّ قد يصبح أكثر حضوراً في حسابات رئيس “يمينا”، وهو استطلاعات الرأي التي تمنحه 23 مقعداً، في حين أنه يملك الآن 5 مقاعد، علماً بأن تقدّمه المتوقع يأتي على حساب “الليكود”، الذي تظهر الاستطلاعات نفسها تراجعه، على رغم محافظته على تقدّمه على بقية الأحزاب اليمينية وغيرها. هذه الاستطلاعات قد تغري بينت بالتمسّك بخيار الانتخابات المبكرة، على أمل التحوّل إلى حزب رئيس ومنافس لـ”الليكود” في أيّ حكومة لاحقة.
كلّ السيناريوات أمام نتنياهو محفوفة بمخاطر وقيود تتغذّى بتفاقم الوضعين الصحي والاقتصادي
تشكّل تلك العوامل، مجتمعة، مؤشّراً قوياً إلى استبعاد نجاح نتنياهو، في ظلّ المعطيات الحالية، في تشكيل حكومة يمينية. لكن يبقى هذا الاحتمال وارداً في حال بروز مستجدّات في مواقف بعض الكتل، تؤدّي إلى تغيير تقديراتها على وقع الأزمتين الصحية والاقتصادية. وعليه، يصبح السيناريو الأكثر ترجيحاً هو إجراء الانتخابات المبكرة. لكن نتنياهو يتعرّض لانتقادات شديدة بسبب إدارته لأزمة “كورونا”، التي ولّدت تداعيات اقتصادية غير مسبوقة، وأدّت إلى نحو مليون عاطل عن العمل. ويبدو أن رئيس الحكومة أعاد، نتيجة هذه المعطيات، التركيز على الأزمة الصحية، في وقت يحاول فيه مستشاروه إقناعه بإقالة وزيرة حماية البيئة، غيلا غمليئيل، التي خرقت تعليمات “كورونا” بشكل فظّ، واتُّهمت بالكذب لدى استجوابها من قِبَل محقّقي وزارة الصحة. ويؤكّد مقرّبو نتنياهو، أيضاً، أن حزب “الليكود” تَضرّر كثيراً نتيجة أدائه حيال التفشّي الوبائي، وأن فوزه بأيّ انتخابات مقبلة مرهون باستعادة ثقة ناخبيه، الذين انزلق جزء منهم نحو كتلة “يمينا”. على أن قادة “أزرق أبيض” يرون أن نتنياهو لن يجرؤ على التوجّه إلى انتخابات في الوضع الحالي، وهم يحاولون، من أجل تعزيز مكانتهم الشعبية، التمايز عنه، عبر توجيه الانتقادات لأدائه، وتظهير خلافاتهم معه حول قضايا عديدة.
الواضح، بالنتيجة، أن كل السيناريوات أمام نتنياهو محفوفة بمخاطر وقيود، تتغذّى بتفاقم الوضعين الصحي والاقتصادي. ومع أن أغلب الأحزاب غير معنيّة بانتخابات مبكرة، إلا أن جميع المؤشرات ترجّح السيناريو المذكور. ولكن يبقى السؤال: متى؟ وتحت أيّ شعارات وعناوين؟ في هذا السياق، اعتبرت صحيفة “هآرتس” أن فوز الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بولاية ثانية، من شأنه أن يُحفِّز نتنياهو على التوجّه إلى انتخابات مبكرة، ومساعدته على صرف أنظار الرأي العام في إسرائيل إلى مواضيع مريحة له. لكن فوز المرشح الديموقراطي، جو بايدن، وسيطرة أغلبية ديموقراطية على مجلس الشيوخ، يمكن أن يؤدّيا إلى هزّة سياسية، يصعب توقّع تبعاتها السياسية في إسرائيل. هكذا، يتجلّى بوضوح كيف أن العوامل الداخلية، ومكانة نتنياهو في استطلاعات الرأي، تؤثر بنسبة كبيرة جداً على الخطاب السياسي لرئيس وزراء العدو، الذي يبدو أن أكثر ما يهمّه كيفية النجاة من المحاكمة ومن إطاحته من منصبه، ونتيجة ذلك عَدّل في خطابه السياسي الذي كان يركّز على إنجاز “اتفاقيات”السلام” مع النظامين البحريني والإماراتي، في وقت يُبقي فيه عينه وقلبه متعلّقين بمصير ترامب في الانتخابات المقبلة.
الاخبار