مجلة وفاء wafaamagazine
مع كثرة الروايات التي تحيط بالملف الحكومي، والسيناريوهات التي تنسج أسباباً متنوّعة لتعطيل تأليف الحكومة، صار هذا الملف في حاجة إلى منجِّمين وضاربين في الرمل والبحص، لكشف الأسباب الحقيقيّة للتعطيل، وإخراج اللبنانيّين من دوّامة الضياع ووقف تأرجُحِهم بين تلك الروايات والسيناريوهات التي تعمي البصر عن حقيقة التعطيل ومسببيه.
هذه الصورة تشي بهريان سياسي تنعدم فيه إمكانية تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها مهمة إنقاذ بلد يوشك أن يندثر، على أنّ الأخطر من كلّ ذلك، هو إمعان أطراف السلطة السياسية والمالية في ارتكاب الجريمة الكبرى بحق اللبنانيين، وزرع العبوات الناسفة في أسس البلد، وفرض الأكلاف الباهظة على المواطن اللبناني عبر الاستمرار في ذات السياسات التي أفقرته وتسببت في سرقة مدخراته وجنى عمره.
يتبدّى ذلك في التحضيرات الجارية لسلوك ذات المنحى الذي يستسهل القضاء على آخر قرش من ودائع اللبنانيين، وهو أمر إن حصل سيقضي على ما تبقّى من أمل لدى المودعين في استرداد أموالهم المسلوبة، وسينزل بهم الى قاع الفقر والعوز، ما قد يُشعل «ثورة المنهوبين» في وجه لصوص يسرحون ويمرحون ولا من يحاسبهم على الجريمة التي ارتكبوها بحق اللبنانيين. وها هم اليوم يمهّدون لحلقة نهب جديدة لودائع اللبنانيين ومدخراتهم.
ولعلّ ناقوس الخطر على ما تبقّى من ودائع اللبنانيين، تبدّى في ما كشفته وكالة «رويترز» بالأمس، نقلاً عن مصدر رسمي مطلع، بأنّ مصرف لبنان يدرس خفض مستوى احتياطي النقد الأجنبي الإلزامي، من أجل مواصلة دعم واردات أساسية العام المقبل، مشيرة الى انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اجتمع مع الوزراء المعنيين في حكومة تصريف الأعمال أمس الاول الثلاثاء، وكان أحد الخيارات قيد الدراسة خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي من 15 بالمئة إلى نحو 12 بالمئة أو 10 بالمئة.
وقال المصدر: «إنّ احتياطيات النقد الأجنبي تبلغ حالياً نحو 17.9 ملياراً ولم يتبق سوى 800 مليون دولار لدعم واردات الوقود والقمح والأدوية حتى نهاية العام الجاري».
فاجعة
فما كشفته «رويترز» شكّل مفاجأة بمثابة فاجعة، لأنّه يعني ببساطة أنّ المنظومة السياسية العاجزة عن الاتفاق على بدء خطة لإنقاذ اللبنانيين قرّرت تعويض هذا العجز بنحر اللبنانيين كافة من خلال سرقة ما تبقّى من مدخراتهم، والقضاء بالتالي على أي أمل في الإنقاذ في المستقبل.
انّه «مقدّمة لانهيار شامل»، كما وصف الخطة رئيس «الحزب الاشتراكي» وليد جنبلاط. في حين اعتبر النائب ميشال ضاهر انّه «استمرار في الهروب من معالجة المشكلة بدلاً من مواجهتها، وهذا مؤشر الى أنّ هذه الطبقة السياسية لا قدرة لها على وضع خطة انقاذية، وقد استسلمت للإفلاس الحتمي ليس للدولة فقط بل للمصارف والمودعين…السيناريو الفنزويلي يطرق أبوابنا».
استنتاجات
وفي السياق، توجد أسباب عدة تدفع الى الاستنتاج انّ خطة انفاق الاحتياطي الالزامي، هي جريمة موصوفة للأسباب التالية:
أولاً- هذه الأموال ملك المودعين، وهي لا تشبه من الناحية القانونية الواقعية الاحتياطي العادي الذي أنفقه مصرف لبنان، لأنّ هذه الاموال موجودة في المركزي قسرياً، لأنّ القانون فرض ايداعها فيه، من خلال التعاميم المُنظّمة لعمل القطاع المصرفي.
ثانياً- انّ خفض نسبة الاحتياطي الالزامي لا يعني استخدام الفارق في الدعم أو في أي مشروع آخر، لأنّ هذه الاموال يجب ان تتمّ إعادتها الى المصارف، وبالدولار الطازج وليس دفترياً.
ثالثاً- انّ سياسة الدعم مسؤولة عنها الدولة ولا علاقة للمودعين بهذا الامر، لأنّ الانفاق من اموال الناس جريمة مالية، والرعاية من مسؤولية الدولة دون سواها.
رابعاً- انّ الطريقة المتّبعة في الدعم، وبصرف النظر عن مصدر أموال الدعم، طريقة أقل ما يُقال فيها إنّها عشوائية لأنّها تؤدي عملياً الى تمويل المهرّبين وبعض التجّار الجشعين ويستفيد منها الميسورون، في حين يبقى الفتات للفقراء.
خامساً- انّ استمرار ابتكار البدع غير القانونية لسرقة اموال الناس، يؤكّد أنّ المنظومة السياسية لا تنوي أن تبدأ بالإصلاحات وخطة الانقاذ، وهي تريد القضاء على ما تبقّى من مدخرات المواطنين، لتحويل البلد الى جحيم حقيقي سيحرق الجميع.
جمود كامل
سياسياً، تبدو صورة الملف الحكومي، في حال جمود كامل، فلا مؤشرات الى تحريكها وسط التباعد القائم بين الرئيسين عون والحريري، هذا في وقت تصاعدت اشتباكات سياسية عنيفة بدت وكأنّها مفتعلة، حول عناوين خلافيّة مثل «التدقيق المحاسبي الجنائي»، الذي سيفتح غداً حلبة مزايدات حوله في مجلس النواب، ربطاً بالرسالة الرئاسيّة، وقانون الانتخابات النيابية، الذي حوّل جلسة اللجان المشتركة أمس، الى جبهات متصادمة حول موجبات طرحه في هذا التوقيت، وكذلك حول مضمونه الخلافي، الذي افرز انقساماً حاداً مرتكزاً على خلفيات سياسية وطائفية. ولفت في هذا السياق اعتراض نواب تكتلي «لبنان القوي» و«الجمهورية القوية» على طرح قوانين الانتخاب في هذا التوقيت، واعتبروا انّه يؤجج الانقسام السياسي والمذهبي – الطائفي.
تأنيب ديبلوماسي!
كلّ ذلك، بما يعتريه من إرباك وغموض، يشي باستحالة بلورة صورة موحّدة أو مساحات مشتركة حول أيّ من العناوين والملفّات الداخلية المطروحة، في ظل تصادم المصالح والرؤى، وانزواء كل طرف في مربّعه الضيّق على حساب البلد ككل، والشذوذ العام عن قاعدة التفاهم المطلوب بإلحاح في بلد يعاني أخطر المراحل في تاريخه. علماً انّ هذا الوضع المَرَضِيّْ، لطالما توالت التحذيرات من الداخل وكذلك من المجتمع الدولي، من نتائجه الكارثية، فيما آذان المتسلطين صماء لا تسمع.
وآخر تلك التحذيرات، بحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، أطلقها ديبلوماسي غربي يمثل واحدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، امام مستويات لبنانية سياسية واقتصادية، وفيها ما حرفيّته:
أولاً، انّ الدول الخمس الكبرى مع سائر المجتمع الدولي، على اتفاق تام بأنّ لبنان يفتقد الى القيادة الحكيمة له في اخطر مراحل الازمة التي يعيشها.
ثانياً، انّ هذه الدول، لم تتلقّ أيّ اشارة ايجابية وجدّية من القادة السياسيين على أنّهم بمستوى المسؤولية التي تقتضيها الازمة، بل على العكس، لم تلمس منهم سوى إشارات تؤكّد ثباتهم على المنحى الذي فاقم أزمة لبنان وأوصلها الى هذا المستوى من الصعوبة.
ثالثاً، انّ الدول الكبرى، وصلت الى قناعة بأنّ القيّمين على السلطة في لبنان، مشاركون في «تخريب لبنان»، عبر تجاهلهم لكل التحذيرات والنصائح التي أُسديت لهم بتجنيب لبنان كارثة اقتصادية ومالية يتجّه اليها إن لم تتخذ الاجراءات والخطوات الاصلاحية المطلوبة لمنعها، وكذلك عبر إفشالهم كل المبادرات لاعادة ضبط الواقع اللبناني وتشكيل حكومة فاعلة تتولّى هذه المهمة.
رابعاً، إنّ تشكيل حكومة انقاذ واصلاحات في لبنان كانت ولا تزال حاجة لهذا البلد، وكل تأخير في تشكيلها سيزيد من مرارة الازمة، فضلاً عن انّه يبقي باب المساعدات للبنان مقفلاً بالكامل، إذ أنّ كل الدول الكبرى وسائر المجتمع الدولي على اتفاق تام بأنّه لن يصل الى لبنان دولار واحد إن لم تُشكّل حكومة اصلاحات تباشر فيها، وإن لم يحصل التدقيق المحاسبي الجنائي.
خامساً، إنّ الدول الكبرى وبناء على التجربة من القادة السياسيين في لبنان، باتت تعتبر انّ المنحى الذي يسلكونه بحق بلدهم، مخجل ويندى له الجبين، وهي لم تعد تستطيع ان تخفي اشمئزازها من هذا المنحى، بل باتت تعبّر عنه صراحة امام القادة اللبنانيين، ومع ذلك يصرّون على تجاهلهم لما بلغه حال بلدهم.
سادساً، انّ الدول الكبرى تعتبر انّ تشكيل الحكومة في لبنان، هو شأن لبناني، وتستغرب التباطؤ الحاصل فيه، خصوصاً وانّ المبادرة الفرنسية ما زالت تشكّل الفرصة المتاحة لتشكيل هذه الحكومة.
سابعاً، ثمة كلام كثير حول تطورات ما سيحصل في المنطقة، ولكنّني، والكلام للديبلوماسي الممثل للدولة الغربية الكبرى، استبعد بشكل كبير حصول اي حدث امني كبير في المنطقة.
مجموعة الدعم
يتزامن ذلك، مع النظرة المتشائمة التي ألقتها مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، حيث أعلنت المجموعة امس، انّها «لاحظت بقلقٍ متزايد الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تزداد سوءاً في لبنان»، وأعربت عن أسفها «للتأخير المستمر في تشكيل حكومة جديدة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل ومواجهة المحنة المتفاقمة للشعب اللبناني».
وأكّدت مجموعة الدعم الدولية مرة أخرى على الحاجة الماسة لأن يتفق القادة السياسيون في لبنان على تشكيل حكومة لديها القدرة والإرادة لتنفيذ الإصلاحات اللازمة دون مزيد من التأخير. وحثّت كل من حكومة تصريف الاعمال الحالية وأعضاء مجلس النواب على تنفيذ مسؤولياتهم الآنية بالكامل، من خلال اتخاذ كل الخطوات البرنامجية والتشريعية المتاحة للتخفيف من الضغوط الاقتصادية التي تواجهها العائلات والمؤسسات التجارية اللبنانية».
ورحّبت المجموعة باعتزام فرنسا عقد مؤتمر دولي للمساعدة الإنسانية والتعافي المبكر لدعم الشعب اللبناني في أوائل كانون الأول، برئاسة مشتركة مع الأمم المتحدة، دون الانتقاص من الحاجة الملحّة لتشكيل الحكومة والإصلاح».
عون والتدقيق
الى ذلك، بقي موضوع التدقيق الجنائي محل متابعة لدى رئيس الجمهورية، الذي جدّد أمس التأكيد على انّه من دون حلّ مشكلة التدقيق الجنائي لا يمكن الاتفاق لا مع الدول الراعية في مساعدة لبنان ولا مع صندوق النقد الدولي والهيئات المالية المماثلة، وأوضح «انّ الرسالة الى مجلس النواب حول التدقيق المحاسبي الجنائي مستقلة تماماً عن الخلافات والصراعات السياسية، شكلية كانت ام عميقة، لأنّ هدفها معالجة مأساة وطنية كبيرة».
الراعي
وكان الرئيس عون قد التقى أمس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي شدّد على ضرورة «مكافحة الفساد في كل لبنان، بدءاً من المصرف المركزي وفي كل المجالات والمؤسسات»، داعياً الى «متابعة التدقيق الجنائي بوجود حكومة».
واعتبر الراعي انّ «الدستور ينصّ على ان يشكّل الحكومة الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية، ولا تشكل الحكومة بالتقسيط، مطالباً «بحكومة انقاذية مستقلة». وقال: «يجب على الرئيس المكلف ان يحضر تشكيلة الحكومة كاملة ليدرسها مع فخامة الرئيس، فالبلد يموت وليس هكذا تشكّل حكومات فليسمح لنا، والبلد لا يتحمّل التأخير ولو ليوم واحد، ونريد حكومة انقاذية استثنائية غير حزبية وغير سياسية».
بري
وفي عين التينة، نقل عن رئيس مجلس النواب تأكيده انه ليس فقط مع التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، بل مع التدقيق الجنائي الشامل في كل وزارات الدولة ومؤسساتها.
وهو ما اكدت عليه كتلة التنمية والتحرير خلال اجتماعها برئاسة بري، أمس، حيث أعلنت «انها كانت وستبقى مع القيام بتدقيق جنائي شامل وكامل لكل الوزارات والمؤسسات والادارات والصناديق والمجالس من دون استثناء أو استنسابية أو مزاجية أو كيدية، وهي كانت قد بادرت الى تقديم اقتراح قانون في هذا الاطار، آملة ان يحظى بدعم سائر الكتل النيابية».
واستعجلت الكتلة تأليف الحكومة، واعتبرت «ان الاجراء الوطني الوحيد الذي لم يعد يحتمل التأجيل والمماطلة، والذي وحده يجنّب لبنان كل تلك التداعيات والمخاطر، هو الاسراع بإنجاز تأليف حكومة اختصاص وفقاً لما نصّت عليه المبادرة الفرنسية بعيداً عن الاختباء او التلطي تارة خلف عناوين «وحدة المعايير» وتارة أخرى المداورة وطوراً الرهان على متغيرات إقليمية او دولية. فالمرحلة الراهنة والدقيقة التي يمر بها لبنان باتت تفرض على المعنيين بتأليف الحكومة الارتفاع الى أعلى مستويات المسؤولية الوطنية، وليكن المعيار الوحيد في التأليف واختيار الوزراء والبرنامج هو معيار القدرة على إنقاذ لبنان ومنع انهياره وتحصين وحدته وصيانة سلمه الأهلي وإعادة ثقة أبنائه وثقة العالم بلبنان ومؤسساته وسلطاته كافة».
واستغربت الكتلة «حملات التجييش الطائفية والمذهبية المُمنهجة على نحو غير مبرّر وغير مسبوق حول اقتراح القانون المقدّم من نواب الكتلة المتعلق بقانوني الانتخابات النيابية وانتخاب اعضاء مجلس للشيوخ، والذي لا يزال مدار نقاش في اللجان النيابية المشتركة منذ اكثر من سنة». وفي هذا الاطار تؤكد الكتلة «انفتاحها على أي نقاش بنّاء بعيداً عن التشنج والخطابات الشعبوية التحريضية للوصول الى قانون انتخاب عصري يؤمّن صحة وعدالة التمثيل، وينقل لبنان من منطق الطائفية والمذهبية الى منطق الدولة المدنية العصرية، ويحقق الشراكة للجميع في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع، ويحفظ قبل ايّ شيء المناصفة في رحاب نعمة الطوائف وبعيداً عن نقمه الطائفية».
اللواء ابراهيم
من جهة ثانية، إحتلت زيارة الوفد اليبلوماسي الاميركي للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مساحة متقدمة من المتابعات الداخلية، خصوصاً أنّ هذه الزيارة أحيطت على أكثر من مستوى داخلي بالكثير من علامات الاستفهام حول الغاية منها ومغزاها في هذا التوقيت بالذات.
واذا كان اللواء ابراهيم يُقارب هذه الزيارة بحجمها العادي والطبيعي، ويُدرجها كاستكمال لزيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة والمحادثات التي أجراها مع المسؤولين الأميركيّين في أكثر من ملف أمني مشترك بين البلدين، فإنّ سلسلة ملاحظات تسجّل حول هذه المبادرة الاميركية في هذا التوقيت:
اولاً، انّ زيارة الوفد الاميركي، الذي يضم ديبلوماسيين في الخارجية الاميركية، جاءت بمثابة ردّ أميركي اعتراضي مباشر على كلّ ما تَسرّب عن توجّهات لبعض أعضاء الكونغرس الأميركي لإدراج اسم اللواء ابراهيم على لائحة العقوبات، ولأسباب لا تمتّ الى الواقع بصلة.
ثانياَ، انّ هذه الزيارة تعكس ثقة أميركية متجددة بموقعية اللواء ابراهيم وشأنيته، ولقد أعطت إشارة واضحة إلى تقدير الولايات المتحدة للأدوار التي يؤديها في معالجة العديد من الملفات الأمنيّة، سواء أكانت تعني الاميركيين او غيرهم. وهي بالتالي تأتي استكمالاً للثناء الكبير الذي تلقّاه في واشنطن من اكثر من مسؤول اميركي على خبرته في مقاربة الملفات أيّاً كان نوعها، وكذلك على الانجازات التي حققها، والتي ارتقَت الى التقدير الكلي من مستويات لبنانية وعربية ودولية.
ثالثاً، انها تدحَض كلّ المنحى التشويشي الذي رافقَ زيارة اللواء ابراهيم الى الولايات المتحدة، من قبل بعض المُغرضين في واشنطن، الذين يبدو انهم استاؤوا من تكريم اللواء ابراهيم في الولايات المتحدة وهم باتوا معروفين، والذين مع الأسف يُسيئون الى وطنهم، ويسعون بثرثراتهم المتمادية لتخريب مصلحة لبنان، وإحباط كل الجهود التي يبذلها اللواء في تصدّيه لمجموعة من الملفّات الأمنية وغير الأمنية الحساسة والشائكة التي يتولّاها، فقط من منطلق وطني صرف، بمعزل عن أي اعتبار سياسي، تحقيقاً لمصلحة لبنان العليا. ولطالما أكد ابراهيم على سلوكه هذا المنحى أيّاً كانت الصعاب التي قد تواجهه.
والجدير ذكره، في هذا السياق، أنّ ما تسرّب عن تحضيرات لفرض عقوبات على المدير العام للامن العام لم يبدّل من قناعاته، بل على العكس زادته حماسة واندفاعاً أكبر لمتابعة دوره بالطريقة ذاتها، حيال أيّ ملف، آخذاً في الاعتبار الأول مصلحة لبنان، وكذلك مصلحة ايّ دولة صديقة.
هآرتس
يذكر في هذا السياق أنّ مقالة صحافيّة نُشرت في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية، أشارت الى ما سمّته «مشروعاً خطيراً ضد «حزب الله» سيُفقد واشنطن وسيطاً مهماً في المنطقة».
وذكرت الصحيفة انّ «مشروع قانون خطير جداً وضع في 30 ايلول على طاولة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عنوانه «منع تبييض أموال من قبل حزب الله – 2020». قدّمه جو وولسون، العضو الكبير في اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا ومحاربة الارهاب، وانضَمّ إليه ايضاً 12 عضو من الكونغرس».
وقالت الصحيفة انّ هذا المشروع «يمكن للرئيس دونالد ترامب توقيعه بكلتا يديه، وأيضاً ستكون اسرائيل مسرورة من ذلك. والجديد في هذا المشروع هو تضمين بلديات ومصارف في اقاليم لبنانية، يسيطر عليها «حزب الله»، لتجفيف مصادر التنظيم الذي يعمل باسم ايران».
واضافت انّه «سيمرّ المزيد من الوقت الى أن يتم تمرير مشروع القانون، اذا اجتاز جميع مراحل التشريع، ولكن هناك أحد البنود فيه يثير التساؤل، فيما اذا لم يكن هذا يشكّل إطلاق نار على قدم الجنرال عباس ابراهيم، رئيس المخابرات العامة في لبنان، والذي وضع في قائمة الاشخاص الذين ستفرض عليهم عقوبات. والجنرال ابراهيم، عُيّن في منصبه الكبير في العام 2011، ولكن حتى قبل ذلك كان اسمه موجوداً في كلّ مفترق طرق سياسي وعسكري في لبنان، وليس فقط لبنان هو من ضمن نشاطه، ابراهيم كان ضابط الارتباط بين الجيش اللبناني والقوات الدولية لتطبيق قرار الامم المتحدة 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية، وتولى معالجة شبكة العلاقات بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبين الجيش اللبناني. وابراهيم كان مشاركاً في الحوار بين «فتح» و»حماس» في لبنان، وبين «حزب الله» وحكومة لبنان. هو شخصية رئيسية في المحادثات على ترسيم الحدود بين اسرائيل ولبنان، وتوجد له علاقة وطيدة مع نظام الاسد ومع ايران وايضاً مع نظرائه في الادارة الاميركية. واشارت الصحيفة الى انهم «في واشنطن يعتبرونه «وكيل الشؤون الخاصة». في تشرين الاول جاء في طائرة خاصة الى واشنطن، بدعوة من روبرت اوبريان، مستشار الامن القومي الذي استقبله ايضاً في البيت الأبيض. وابراهيم التقى ايضاً رئيسة الـ «سي.آي.ايه» جينا هسبيل، ودافيد هيل نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، وفي المساء تمّت استضافته عند نزار زكا، وهو مواطن لبناني يعيش في الولايات المتحدة، وكان معتقلاً في ايران مدة 4 سنوات وتم إطلاق سراحه في السنة الماضية، كما يبدو بفضل جهود إبراهيم. وفي نفس المناسبة مَنحه صندوق تراث جيمس بولي، الذي أقيم على اسم الصحافي الذي قتل في 2014 من قبل قوات داعش، جائزة «تحرير الرهائن» الدولية».
وخلصت الصحيفة: «اذاً ما الذي دفع أعضاء مجلس الكونغرس لفرض عقوبات شخصية عليه؟ الجواب يكمن كما يبدو في قصة شخص اميركي آخر هو عامر الفاخوري الذي كتب عنه هنا في شهر آذار الماضي. الفاخوري الذي كان مدير سجن الخيام غادر لبنان الى الولايات المتحدة في العام 2000، وقام بافتتاح مطعم فاخر وبدأ حياة جديدة. في السنة الماضية عاد الى لبنان، بعد أن حصل على تعهّد من الرئيس ومن الحكومة اللبنانية بأنه لن يحدث له أي مكروه. ولكن في أعقاب ضغط عام تمّ اعتقاله. وفقط في أعقاب تهديدات من الادارة الاميركية بأنه إذا لم يتمّ إطلاق سراحه فستفرض عقوبات على لبنان، فتمّ إطلاق سراحه. وتوفي بسبب المرض بعد 5 أشهر.
الجمهورية