مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية، حيث قال: “في أول يوم من العام 2021 بعد سنة كارثية من الانهيارات التاريخية، بسبب فشل قرن كامل من طبقات سياسية مارست العمل السياسي بعقلية الأنا الطائفية المرتهنة والإقطاع والنهب بحق وطن ودولة وشعب وثروة، بلد يضاف إليه جائحة كورونا المطبوخة دوليا في الأفران البيولوجية لدى الشياطين الدولية. نحن نعيش اليوم مفصلا رئيسيا على طريق أزمة البلد، ضمن دوامة انهيار مالي نقدي سياسي لا سابقة لها، وسط هجمة دولية أمريكية تتعامل مع لبنان على قاعدة الخنق الكامل المتدرج أو الاستسلام، توازيا مع إعادة تجميع المنطقة لصالح الكيان الإسرائيلي بخلفية حرب مختلفة النماذج والأدوار والميادين”.
وأضاف: “نؤكد موقفنا التاريخي الذي كان وما زال وسيبقى لبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه، مع الإصرار والتشدد على الشراكة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين، وعلى حماية مشروع الدولة، والسير به حتى الوصول إلى دولة المواطنة الحقيقية التي لا تمييز فيها ولا تطييف ولا تفضيل لفريق على آخر، ولا انتصار لأحد على أحد، ومع رفضنا الكامل والمطلق لأي توطين. كما لن نقبل بأي لعبة ديمغرافية أو فدرالية أو متراسية، ونصر على الاستقرار والسلم الأهلي وأمان اللبنانيين جميعا، مؤكدين على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت، خارج كل الاصطفافات المصلحية والطائفية، فالبلد أيها الساسة بعملكم على حافة الانفجار، والمسؤولية على عواتقنا جميعا ومعا لمواجهة كل مشروع فتنوي يودي بالبلد إلى حرب أهلية. ولهذا سنعمل مع المخلصين، وسنحشد مع الوطنيين والخلص لهذا البلد للعمل على الخروج من هذه المحنة الكارثية، التي تبدأ بالخروج من هذا النظام الطائفي، والدخول في نظام وطني، يوقف هذا الفتك بالبلد والناس، ويخرجنا من هذه العصفورية الطائفية والمذهبية، التي إن استمر الاستثمار فيها من قبل البعض، فسنكون جميعا أمام جهنم حقيقية”.
ودعا قبلان إلى “نزع سرطان الطائفية من عقل السلطة وهيكلها ووظيفتها، لأن تجار السياسة لا يجدون أفضل من المتاريس الطائفية لبث الأحقاد والفتن والقطيعة بين الطوائف. وهنا أعلن أننا كمسلمين ومسيحيين عائلة واحدة، ولا مكان للغلبة بيننا، فلا قيمة ولا اعتبار للكثرة والقلة العددية في ما خص عائلتنا الوطنية، سوى أن السرطان السياسي الطائفي حول الطوائف إلى فدراليات وما زال يتمترس خلفها، وهذا ما ندينه بشدة”…
وقال: “نذكر و -لعل الذكرى تنفع – أن هذا البلد ما زال مصلوبا من سنة 1920، وأن اللعبة الدولية الإقليمية تصر على أن لبنان مجرد ملعب وخندق وساحة تصفيات، وهذا ما يجب أن يواجهه اللبنانيون، لأنه أساس عللنا وباب إفلاس بلدنا، وسبب ترويعنا وتهديد وحدتنا وفتح زواريبنا على الوثنيات الداخلية والخارجية المختلفة. وهو ما يجب أن يدفعنا إلى أن نكون أشد إصرارا على تشكيل حكومة، بعيدا عن الكباش الدولي والإقليمي على حساب أمن بلدنا واستقرار شعبنا الذي لن يقبل بأن يبقى بلده رقعة صراع ومصدر أزمات مالية واقتصادية، فيما بحره يعوم على ثروة نفطية وغازية”.
وحذر “من لعبة التجويع والتطويق التي تديرها الغرف السوداء في بعض السفارات، ونكرر اتهامنا لهذه الطبقة السياسية التي حكمت لبنان، ونحملها مسؤولية الهريان والانهيار الذي أصاب هيكل الدولة ومؤسساتها، وألغى وظيفتها وقدرتها، ونحذرها من دفع البلد إلى قعر الهاوية، لأن شعبنا يرفض أن يكون تابعا لهذه السفارة أو تلك، كما لن نقبل بأن نكون جزءا من حراك يوظَّف لخدمة مشاريع مفخخة، كما نرفض أن نعيش في دولة التيتانك أو دولة الانهيار، لأن المحصلة ستكون حربا أهلية، وهذا ما لن نقبل به، وسنواجهه بكل ما نقدر ونستطيع. كما لا يمكن أن نسكت عن هذا الفلتان في الأمن والأسعار، وعن هذه الفوضى في الأسواق ولعبة الدولار والاحتكار والمواد الفاسدة، فهذا من مسؤولية الحكومة، وإن كانت مستقيلة، فالمسؤولية تطالها، وعليها أن تقوم بواجباتها وتتحمل مسؤولياتها، لأنه لا يجوز أبدا ترك الناس، والتخلي عنهم لقمة سائغة في أفواه وحوش المال والسلطة الذين يتاجرون بالبلد وبشعبه دون استحياء”.
وتابع: “لأن الأمور بلغت حد اللاعودة والانهيار الشامل، فإننا نؤكد ضرورة المبادرة لتشكيل حكومة إنقاذ بعيدا من لعبة القنابل السياسية. والمطلوب من السياسيين المعنيين بعملية التشكيل أن يمشوا على الأرض. ومن يظن أنه يستطيع تجاوز الخطوط الحمراء تحت وطأة سياسة القهر والتجويع هو واهم، ومن يعتقد أن بإمكانه نقل لبنان من جبهة إلى أخرى عن طريق لعب دور حلف بغداد، سيجد نفسه خارج التاريخ. فكفاكم كذبا وترويعا وتصفية لهذا البلد، وكفاكم سمسرة ومراهنة ونهشا لبقية ما تبقى منه. ومن العار أن يحتفي حيتان السياسة والمال في قصورهم، فيما شعبهم يئن من الجوع والموت، وأسوأ منه من يصر على تمضية أيام العيد في عواصم الخارج، فيما شعبه ومشروع دولته على حافة الانهيار. ونؤكد لمن يهمه الأمر أن لبنان أكبر من الخيانة والحصار، ولن يكون إلا بلدا ممانعا سيدا ووطنا نهائيا لمسيحييه ومسلميه، وقصة تطويع لبنان ليستسلم مرفوضة، وزمن لبنان الإمارة انتهى. ونفترض أن قواه السياسية ستعي أن حماية لبنان وانتشاله من أزمته المالية يجب أن تبدأ من حيث تفتح الأبواب، وأن الإنقاذ يبدأ من الداخل وليس من الخارج، وأن الرهان يجب أن يكون على اللبنانيين والقرار السياسي الداخلي، وليس على صندوق ووكالة التنمية الأمريكية والجمعيات التابعة لها”.
وختم قبلان: “كفى بالتاريخ واعظا، ومن يعيد قراءة مئة سنة من تاريخ لبنان سيخرج بنتيجة واحدة، وهي زوال الطبقات السياسية الفاسدة، وبقاء لبنان، وهو ما يجب أن نبني عليه لحماية مشروع الدولة في لبنان”.