الرئيسية / مقالات / حرية التعبير و نقد الشخص العام : جرم أم حق؟

حرية التعبير و نقد الشخص العام : جرم أم حق؟

مجلة وفاء wafaamagazine

ميرنا طه

“  الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرة بملابسها و عاداتها – جبران خليل جبران.

لصوتك أھميّة،لك الحق في قول ما تفكر به وفي تداول المعلومات والمطالبة بعالم أفضل كما لك الحق في الإتفاق أو عدم الإتفاق مع الذين يمسكون بزمام السلطة ،و في التعبير عن هذه القناعات قولاً و كتابةً و فعلاً. حيث إن ممارسة ھذه الحقوق بدون خوف أو تدخل غير قانوني وقمعي أمر أساسي للعيش في مجتمع منفتح و منصف.

لا يزال المشهد اللبناني اليوم يسجل تراجعاً في حرية الصحفيين و الناشطين والمواطنين في التعبير عن آرائهم الخاصة لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي كما سجلت الوقائع والحالات الموثقة ما بين النصف الثاني من العام 2018 و بين العام 2020. تمحورت هذه الحالات حول قضايا تتعلق بنقد الاشخاص العامين وأداء المؤسسات والهيئات المولجة تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات او ابداء آراء نقدية ساخرة منها أو من قضايا تتتعلق بالأديان. وتتذرع السلطة في حملاتها القمعية ضد ابداء الراي والتعبير عنه بنصوص تتعلق بالمس بهيبة المؤسسات العامة او تعكير السلام العام او اثارة النعرات الدينية او تعريض سلامة الدولة او علاقات لبنان الخارجية للمخاطر او تحقير الموظفين العامين ونصوص اخرى تتعلق بالتجديف والاساءة الى الاديان والممارسات العبادية . كما تم استدعاء صحافيين امام المحكمة العسكرية والتحقيق مع بعضهم امام السلطات الامنية المختلفة. هذا فضلا عن صدور احكام بحق صحافيين اثر ممارسة مهامهم الاستقصائية او ابداء آرائهم وعدنا نشهد أحكاما تقضي بعقوبة الحبس. وما زالت السلطات القضائية الممثلة بالنيابات العامة تعتمد اجراءات لا تتوافق مع مبادئ حماية حقوق الافراد في التعبير وتداول المعلومات وحماية بياناتهم الخاصة.

و عليه نسأل ما هي أسس حماية حرية التعبير في لبنان؟ وما هي الانتهاكات التي تتعرض لها هذه الحرية؟ و ما مدى الحماية التي يتمتع بها الصحفيون خاصة ً في لبنان؟ و هل يندرج  نقد الموظف العام ضمن توصيف الجرم أم حرية التعبير و المساءلة؟

قانونية حرية الرأي و التعبير في لبنان :

 إن حرية الرأي و التعبير هي من أهم الحريات المصانة في القوانين و الدساتير و الصكوك الدولية لحقوق الانسان.

فقد نصّ الدستور اللبناني في الفقرة ج منه : “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل”.

و في المادة ١٣ من ذات الدستور: “حرية ابداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون”

و نص الدستور اللبناني في الجزء الاول، الاحكام الأساسية، الديباجة، ب: “لبنان عضو مؤسس ونشط في الأمم المتحدة، وهو يلتزم بعهوده وبالاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعلى الحكومة أن ترسس هذه المبادئ في جميع المناطق و المجالات دون استثناء”

وعليه جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة لعام ١٩٦٦ ،الذي انضم اليه لبنان عام  ١٩٧٢ في المادة ١٩ على أن :

“١.لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.

٢.لكل انسان حق في حرّية التعبير ويشمل ھذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيھا ونقلھا إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارھا…”

بالرغم من أهمية هذه النصوص إلا أن بطء المسار التشريعي اللبناني يؤخر تعزيز منظومة حماية حرية التعبير . إضافة الى تداخل القوانين لجهة النصوص المتعلقة بحرية تداول المعلومات لاسيما مع صدور قانون المعاملات الالكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 تاريخ 10/10/2018 و قانون الاعلام الجديد.

و على الرغم من صدور قانون المعاملات الالكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي ونصه في المادة 66 على “ان النقل الى الجمهور بأية وسيلة رقمية هو حر”، الا ان المادة نفسها قيدت هذه الحرية في حدود احترام القوانين النافذة والتي تعتبر مقيدة لحرية التعبير وتداول المعلومات ومنها قانون العقوبات العام وقانون المطبوعات وقانون القضاء العسكري.

فلا يزال النص القانوني اللبناني في مراحل متأخرة جدا عن حماية حرية الرأي و التعبير سنداً للانتهاكات المتعددة التي تقترف كل يوم.

و عليه تعديلات هامة لابد منها للقوانين التي تعزز حرية الرأي و التعبير  لتكوين صياغة متآلفة مع المبادئ الاساسية لهذه الحربة منها الغاء عقوبة الحبس نهائيا من القانون الجديد وتوسيع حق نقد الشخص العام وحصر النظر في قضايا الرأي والتعبير كافة بما فيها تداول ونشر الاراء والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي بصلاحية المحاكم العادية مباشرة، وان يشمل منع التوقيف الاحتياطي كل من يعبر عن رأيه، وكف يد مخافر التحقيق الامنية بما فيها مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، مخابرات الجيش، شعبة المعلومات والامن العام او اي جهاز امني آخر من التدخل في هذه القضايا.

انتهاكات حرية التعبير التي تحد من حرية الصحافة :

تعددت اوجه الانتهاكات لحرية الرأي والتعبير بشكل عام ولحرية الصحافة بشكل خاص.

حيث يواجه الصحافيون اليوم تحديات تعرضهم للملاحقة امام المحكمة العسكرية وتدخل المدعي العام العسكري في عمل الصحافة واصدار بلاغات بحث وتحر بحقهم واخضاع مكاتب عملهم للتفتيش والاقتحام واخضاعهم للتحقيق امام الشرطة العسكرية كما الادعاء عليهم مباشرة امام محكمة المطبوعات خلافا لأحكام القانون.

 قانون المطبوعات يوجب أن تحال اية دعوى تتعلق بما ينشر في اي مطبوعة ورقية او الكترونية الى محكمة المطبوعات مباشرة. واذا استدعى الامر تحقيقا يباشره قاضي التحقيق بنفسه بحضور المدعى عليه ومحاميه ويمنع التوقيف الاحتياطي ويبقى المدعى عليه طليقا ولا يمكن احتجاز حريته. هذه الضمانات اقرها قانون المطبوعات لحماية الصحافيين الذين يمارسون مهنتهم الاعلامية من خطر التوقيف والاحتجاز والخضوع لإجراءات التحقيقات الاولية ومضايقات الاجهزة الامنية وتجاوزاتها والتي تستدعي الصحافيين والناشطين هاتفيا دون اي بلاغ رسمي او اعلامهم عن سبب الاستدعاء مما يشكل انتهاكا لحقوقه.

نعرض هنا بعض  منها:

بتاريخ 7 آذار 2019 اصدر القاضي المنفرد العسكري في جبل لبنان حكما غيابيا بحق المراسل التلفزيوني في قناة الجديد آدم شمس الدين قضى بسجنه ثلاثة اشهر بجرم الاساءة الى جهاز امن الدولة لنشره منشورا بتاريخ 30 تشرين الأوّل الماضي على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك تناول فيها اداء جهاز امن الدولة بشأن “فضيحة” توقيف شبكة الآيدز وطريقة تعامله مع موقوفين في القضية. وفي 11/4/2019 اعلنت المحكمة العسكرية عدم اختصاصها بالنظر في الدعوى اثر اعتراض شمس الدين على الحكم الغيابي الصادر بحقه.

كما أصدرت قيادة الجيش مؤخراً قراراً مخالفاً للأصول القانونية قضت فيه بمنع الصحافي رضوان مرتضى من الدخول الى المحكمة العسكرية أو أي مركز عسكري آخر و ذلك بناءا على كلام تناول فيه المؤسسة العسكرية في احدى الاطلالات التلفزيونية،، و ذلك قبل صدور حكم قضائي من قبل المحكمة المختصة.

 أمام هذا الواقع لابد من أن نتناول عنوانين أسياسيين :

١. اجتهادات محكمة المطبوعات لحماية حرية الرأي و التعبير عبر مواقع التواصل الإجتماعي:

لم تحسم محكمة المطبوعات مسألة تطبيق قانون المطبوعات على مختلف اشكال التعبير بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي. وفيما حسمت المحكمة صلاحياتها في قضايا النشر على المواقع الاخبارية الالكترونية تراجعت عن اجتهاد سابق يقضي بصلاحيتها فيما يتعلق بما ينشر على موقعي فيسبوك وتويتر واعتبرت نفسها غير مختصة طالبة احالة هذا النوع من الدعاوى الى المحاكم الجزائية العادية. وتخلق هذه الازدواجية في المعايير القانونية التي تطبق على النشر الالكتروني مخاطر من شأنها ان تعرض الصحافي نفسه الذي يكتب مقالا في جريدته الالكترونية ومن ثم يقوم بنشره على حسابه على تويتر او فيسبوك امكانية ملاحقة الفعل نفسه امام عدة محاكم بما فيها المحكمة العسكرية.

٢. اجتهادات محكمة المطبوعات حول حرية نقد الشخص العام :

يتقدم اجتهاد محكمة المطبوعات ببطء نحو تكريس مفهوم نقد الشخص العام بما يتوافق مع مبادئ حرية الراي والتعبير في المجتمعات الديمقراطية وما احدثته ثورة التكنولوجيا الرقمية .

فان محكمة المطبوعات هي محكمة استئناف جزائية مؤلفة من رئيس ومستشارين وتتمثل النيابة العامة امامها اضافة الى طرفي الدعوى. ويمكن للمدعي الشخصي ان لا يحضر الى المحكمة وهو يمثل بمحاميه اما الجهة المدعى عليها فحضورها الزامي الى جانب محاميها اذا كانت عقوبة الجريمة المنسوبة اليها تزيد عن السنة.

اذا نحن امام قضاة ينظرون في قضايا تحال اليهم كجرائم جزائية جنحية يطبقون فيها اصول المحاكمات الجزائية في ما يتعلق بالحضور واستجواب الفرقاء والإثبات والاستماع الى افادات الشهود والنظر بكافة الوقائع والادلة والعلاقات السببية والحيثيات التي رافقت ما نشر او قيل بواسطة وسيلة اعلامية مطبوعة او اذاعية او تلفزيونية

ولكل جرم ركن مادي وآخر معنوي يجب ان يتوافرا الى جانب الركن القانوني حتى يتحقق الجرم وتستحق العقوبة

فالركن المادي يتحقق بالنشر، اما الركن المعنوي فينطوي على العلم والارادة، العلم بمضمون المنشور وبالنتائج التي يترتب عنها النشر مثل العلم ان ما نشر يسيء الى سمعة الشخص المعني واتجاه الارادة الى تحقيق تلك النتيجة مباشرة. اي ان الارادة تتجه مباشرة للإساءة الى الاشخاص والتحقير والقدح والذم بهم. وهذا الامر ينطبق على القضايا التي يكون اطرافها من عامة الناس الذين لا يتولون اي مناصب عامة او يؤدون وظيفة عامة.

 اما من يتولى منصبا او وظيفة عامة فهو حكما يضع نفسه في دائرة المساءلة والتتبع في كل ما يتعلق بأعمال وظيفته العامة سواء من قبل الاجهزة القانونية المولجة بذلك او من قبل الصحافيين ووسائل الاعلام الذين يؤدون دورا مشروعا في المراقبة، النقد، وتوجيه الرأي العام، منصوصا عنه في الاتفاقيات الدولية والدستور والقوانين المرعية واجتهادات المحاكم والمبادئ المعترف بها فيما يتعلق بحرية النشر والصحافة.

فقانون العقوبات اللبناني في المادة 387 اقر بحق جميع الاشخاص سواء كانوا مواطنين عاديين يعبرون عن رأيهم بأية وسيلة او صحافيين يعملون لحساب مؤسسات اعلامية في توجيه اي اتهام او نسبة اي امر لموظف عام في امر يتعلق بوظيفته ولا يدان هؤلاء الاشخاص بجرم الذم اذا ثبت صحة ما تم الادلاء به بوجه الموظف العام.

ومن المهم الاشارة الى ان نص المادة المذكور لا يلقي عبء اثبات صحة ما نسب من امور الى الموظف العام على المواطن او الصحافي فقط وانما يوجب على المحكمة التحقق من صحة ما تم الادلاء به بمختلف وسائل التحقق المشروعة والمنصوص عنها في قانوني اصول المحاكمات المدنية والجزائية مثل استجواب الخصوم وسماع الشهود وإجراء أي تحقيق استكمالاً لما تذرع به الخصوم من الأدلة.

وللمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بإجراء أي تحقيق استكمالاً لما تذرع به الخصوم من الأدلة. (المادة 135 من قانون اصول المحاكمات المدنية). كما انه لا تعد المعلومات المستقاة من خبرة القاضي في الشؤون العامة المفروض المام الكافة بها من قبيل المعلومات الشخصية المحظور على القاضي أن يبني حكمه عليها.(المادة 141 أم.م).

كما ان انتقاد اداء موظف عام بشكل صريح ومباشر وقاس بشكل يوازي المهام الملقاة على عاتق هذا الموظف ودرجة خطورة التصرف الذي قام به من منظار المصلحة العامة هو عمل مشروع ولا يمكن ادراجه في خانة قصد الاساءة المباشرة الى شخص الموظف العام والنيل من كرامته.

فالانفعال في كلام الصحافي او الناشط الذي يدافع عن المصلحة العامة، باستعمال كلمات قاسية، مسيئة او صادمة لا يندرج في خانة القدح والذم والتحقير اذا كانت تصريحات الموظف المعني او افعاله او امتناعه عن القيام بواجبه من شأنها ان تستفز المشاعر وتثير الغيرة على المصلحة العامة.

و أخيراً أرست محكمة حقوق الانسان الاوروبية جملة مبادئ اساسية في عدة احكام صادرة عنها اعتبرت فيها ان حرية التعبير عبر منتديات النقاش العام لا تنطبق فقط على الأفكار التي يتم تلقيها أو اعتبارها غير مؤذية أو كمسألة لامبالاة ، ولكن أيضًا على

الأفكار التي تسيء أو تصدم أو تزعج من هم في موقع المسؤولية. وعندما تصدم الأفكار وتسيء، تكون حرية التعبير ثمينة للغاية. وإذا كانت الحرية تعني أي شيء على الإطلاق ، فهي تعني الحق في إخبار الناس بما لا يريدون سماعه.

مجلة وفاء