مجلة وفاء wafaamagazine
كتب الخبير المالي والاقتصادي أحمد بهجة
مرة جديدة أثبت رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب أنه رجل دولة بامتياز، حيث وضع كلّ ما هو خاص وشخصي جانباً وبادر ليترأس المساعي الحميدة التي تُبذل من أجل رأب الصّدع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري.
فالرئيس دياب، ومن موقعه المسؤول، هو الأدرى بدقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية، كونه مطلعاً من جهة على الخبايا والخفايا في ما يخص الخزينة العامة الفارغة، وكونه من جهة ثانية على تماس مباشر مع أوجاع الناس وحاجاتهم في هذه الظروف القاسية على كلّ المستويات، لا سيما في ظلّ مواجهة جائحة كورونا وما تفرضه من إجراءات الوقاية والحماية التي تؤدّي إلى تفاقم الأزمات وتجعلها أكثر صعوبة.
وعلى هذا الأساس يدرك الرئيس دياب الحاجة الملحّة لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، لأنّ البلد لم يعد يحتمل أيّ تأجيل أو تسويف أو مماطلة، ولذلك قرّر التحرك باتجاه الأفرقاء المعنيّين بتشكيل الحكومة أو القادرين على المساعدة في هذا المجال، وفي المقدمة رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله واللواء عباس ابراهيم.
بدأ الرئيس دياب لقاءاته من بيت الوسط، حيث اعتبر البعض أنّ الزيارة أتت رداً على زيارة الرئيس سعد الحريري له في السراي للتضامن معه يوم أصدر المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان ادّعاءه الظالم بحقه. وإذ أبدى الرئيس الحريري انفتاحاً على المساعي الهادفة لتشكيل الحكومة الجديدة، شكر الرئيس دياب على ما يحاول القيام به في هذا الصدد. وبدوره أكد رئيس الحكومة أنّ هناك توافقاً على أنّ الأولوية هي لتشكيل الحكومة والبدء بمعالجة الأوضاع”.
ومن بيت الوسط انتقل الرئيس دياب إلى عين التينة والتقى الرئيس نبيه بري الذي شجّعه على مواصلة مساعيه وأكد دعمه لهذه المساعي واستعداده الدائم للمساعدة في كلّ ما يؤدّي إلى تحقيق الهدف المنشود، وبعد اللقاء شدّد الرئيس دياب على أنّ الأيادي البيضاء موجودة، ولا بدّ من البناء على الإيجابيات وهي كثيرة، وعلينا أن نرى كيف يمكن تدوير الزوايا لتذليل العقبات وسدّ الثغرات التي تعيق تشكيل الحكومة.
المحطة الأخيرة في جولة الرئيس دياب كانت في قصر بعبدا حيث استقبله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأثنى على الدور الإيجابي الذي يقوم به في سبيل حلحلة العقد وتسهيل الوصول إلى توافقات بشأن تشكيل الحكومة العتيدة. وأوضح دياب بعد اللقاء أنّه لمس كلّ الاستعداد لدى رئيس الجمهورية لإعادة تفعيل عملية تأليف الحكومة، كاشفاً أنّ لقاء سيُعقد بين الرئيسين عون والحريري في الوقت الذي يراه الرئيسان مناسباً للوصول الى حلّ مناسب لولادة الحكومة بأسرع وقت.
ولا شكّ أنّ الرئيس دياب يتابع مساعيه الخيّرة مع كلّ الأطراف، وما يحصل خلف الكاميرات أكثر بكثير مما يحصل أمامها، لأنّ رئيس الحكومة عوّدنا أنه رجل عملي يهتمّ بالنتائج ولا تعنيه الأضواء، لأنه لا يطلب شيئاً لنفسه، وهو يعرف تماماً أنّ حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها القيام بما هو مطلوب في هذه الظروف القاسية، ولذلك يسعى جاهداً لكي تتشكل الحكومة الجديدة اليوم قبل الغد حتى تقوم بالأعباء والمسؤوليات الكبيرة التي تفرضها الحاجات الراهنة على المستوى الصحي تحديداً، لا سيما مع اقتراب موعد بدء وصول اللقاحات في منتصف شباط المقبل.
كذلك لكي تضع الحكومة العتيدة الأسس اللازمة لمعالجة الأزمات والمشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتنفيذ الخطط الإنقاذية، ومتابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والأهمّ الأهمّ متابعة موضوع التدقيق الجنائي في حسابات المالية العامة وأوّلها حسابات مصرف لبنان وكشف ما فيها من دهاليز وزواريب هنا وهناك، لأنّ تحقيق هذا الإنجاز الكبير يفتح الأبواب واسعة أمام كلّ الحلول، خاصة أنّه يوصلنا إلى حقائق كثيرة مخفية لا سيما حقيقة الثقب الأسود أو الفجوة المالية التي يقدّر الخبراء بأنّ حجمها لا يقلّ عن ثمانين مليار دولار…!