مجلة وفاء wafaamagazine
تحوّلت كرة القدم مع توالي العصور من رياضة ترفيهية بالدرجة الأولى إلى صناعة تدرّ الكثير من العائدات، ما دفع الملّاك الأجانب إلى الاستثمار في مختلف الأندية. الهدف الظاهري كان تحسين الفرق والعمل على إرضاء الجمهور، أما ما انطوى بين السطور فهو كسب المال الوفير وتبييض الصورة. رغم الإغراءات المالية الضخمة، لم ترسُ أحجار الملّاك الأجانب على الرقعة الألمانية، بعد أن وضع القيمون على البوندسليغا «عوائق» قانونية تحول دون «جشعهم» الاستثماري. أبرز تلك العوائق، قاعدة «50+1» التي لا تزال محطّ جدلٍ في ألمانيا
عند التعمّق في الهيكلة الإدارية لنادٍ ما، نادراً ما يظهر استحواذ الملاك المحليين على حصة الأكثرية. على سبيل المثال، تنتشر الملكيات العربيّة والروسية في إنكلترا وفرنسا ـ وهي آخذة في التوسّع ـ فيما توجّه الملاك الصينيون إلى إيطاليا خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفعل إتاحة القوانين الواردة في هذه البلاد المجال للملكية الأجنبية. رغم الفائدة الكبيرة من ذلك، وما تعكسه على عجلة الاقتصاد المحلي بفعل ضخ الأموال، رفض القيمون على الدوري الألماني أن يسيروا على خطى باقي الدوريات الأوروبية وخاصة الكبرى منها، وذلك بسبب معرفتهم المسبقة بالانعكاسات السلبية لهذه الإجراءات على الكرة المحلية.
لذا، تم وضع قاعدة أطلق عليها اسم «50+1»، وهي قاعدة تُلزم الأندية الألمانية بالاحتفاظ بقوة الأغلبية في حقوق التصويت. وينصّ قانون «50 + 1» على إلزام أي نادي كرة قدم ألماني بالاحتفاظ بنسبة 50 في المئة من الأسهم في فريق كرة القدم المحترف، إضافة إلى حصة واحدة، وبالتالي منع أيّ مساهم أو كيان آخر من الحصول على حصة الأغلبية، الأمر الذي ساهم بتفسير سبب انخفاض أسعار التّذاكر مقارنةً بالدوريات الأخرى خاصة في إنكلترا وإسبانيا، كما أنه بيّن كيفية السيطرة على الديون والأجور.
بنظر الاتحاد الألماني لكرة القدم، سيصبح النادي مركزاً للربح الكبير، بدلاً من أن يكون مركزاً للرفاهية بالدرجة الأولى إذا ما دخل الملاك الأجانب، وستقع المشكلة الكبرى في حال تحوّل المشجع إلى «عميل» يُنظر إليه كمدخول ماليّ للملاك لا أكثر. للحؤول دون ذلك، يقف قانون «50+ 1» حائطاً بين ثقافة التشجيع في ألمانيا، وبين تحويل الأندية إلى مصدر للكسب، كما يساهم هذا القانون بإيجابيات أخرى، مثل الحفاظ على معدل أسعار اللاعبين.
الاستثناءات موجودة
تكثر التراخيص التي تحصل عليها الأندية في ألمانيا. مثلاً هناك الأندية المسجلة e.v (جمعية مسجلة) مثل شالكه/ شتوتغارت/ ماينتس… وهي أندية تقليدية لم تعدّل نظامها منذ التأسيس، وهناك الأندية المسجلة AG (شركة مساهمة محدودة) مثل بايرن ميونخ/ اينتراخت فرانكفورت/ هامبورغ… وتتركّز هذه الأندية في مدنٍ غنية وسياحة، دون إغفال الأندية المسجلة (شركة شراكة محدودة ذات مسؤولية محدودة) مثل أندية بروسيا دورتموند/ هيرتا برلين/ كولن… كل هذه التراخيص هي أنواع تنظيمية بحتة، ويستطيع أي نادٍ أن يغيّر نوعية ترخيصه باستيفاء الشروط الاقتصادية المطلوبة. ثلاثة أندية فقط مستثناة من قاعدة «50+1»، هي فولفسبورغ، باير ليفركوزن وهوفنهايم.
القاعدة الألمانية تُلزم أندية الـ«بوندسليغا» بالاحتفاظ بقوة الأغلبية في حقوق التصويت
رغم صرامة الاتحاد الألماني في هذه القاعدة، كان هناك بعض الاستثناءات على امتداد التاريخ، حيث فعّلتها الرابطة الألمانية في حالة تقديم أفراد أو شركات دعماً لأحد الأندية بمبالغ مالية كبيرة لمدة 20 عاماً على الأقل، كما هو الحال في نادي فولفسبورغ المدعوم من شركة «فولز فاغن» المصنّعة للسيارات، وبايرن ليفركوزن المدعوم من شركة «باير» للصناعات الكيماوية. آخر تلك الاستثناءات عرفها نادي هوفنهايم، عندما تم منح ملياردير برامج «Dietmar Hopp»، الضوء الأخضر للتحكّم في أغلبية أسهم النادي بعد الاستثمار المستمر على مدى عقدين من الزمن، حيث قدمت هذه البرامج لأكثر من 20 عاماً دعماً مالياً وافراً لكل من الفريق المحترف والهواة في النادي، ما حسم تقييم طلب هوفنهايم من قبل اتحاد كرة القدم الألماني في ذلك الوقت.
صعوباتٌ وعقبات
رغم فائدتها الكبيرة في حماية الجماهير من حيتان الأموال، عرفت القاعدة اعتراض العديد من الفرق نظراً لعدم مساواتها في مستوى الدخل، ما ولّد فجوة كبيرة بين فرق المقدمة والبقية. محاولاتٌ عديدة قامت لتعديل قانون «50 +1» باءت بالفشل، كان أولها عام 2009، حين سعى رئيس شركة هانوفر «رانفر كيند» لتعديل هذا القانون، لكن 32 من الأندية الخمسة والثلاثين الأخرى صوتت ضد هذا الاقتراح. طالب بعدها الرئيس التنفيذي لبايرن ميونخ هاينز رومينيغه عام 2017 بالتعديل، عندما أشار إلى وجوب ترك الأمر لكل نادٍ ليقرر ما إذا كان سيفتح الباب أمام الاستثمار الخارجي أم لا، دون أي جدوى.
مع مرور الوقت، ظهرت العيوب، وقد تجلّت في ظل فيروس كورونا، حيث كانت أندية «البوندسليغا» المدعومة من مستثمرين أجانب أقل تأثّراً من غيرهم نظراً لعدم انحصار الموارد المالية داخل البلاد. الأزمة الحالية ستتيح الفرصة أمام القيّمين على «البوندسليغا» للنظر في تعديل هذه القاعدة، حيث ستظهر ضرورة وجود مستثمرين أجانب ذوي نظرة استراتيجية تزيد من تنافسية الأندية لضمان استقرارها في المستقبل. وبحسب خبير الاقتصاد البروفيسور هينينغ زولتش، أظهرت أزمة كورونا «عدم قدرة قاعدة 50+1 بشكلها الحالي على ضمان استقرار الأندية، رغم كونها جزءاً أساسياً من نجاح الدوري في السنوات الماضية. لا حاجة لإلغاء القاعدة، غير أنّ بعض التعديلات التي تجذب المستثمرين الأجانب ستحسّن الدوري أكثر لمواجهة مشاكل مماثلة في المستقبل».
وفي ظلّ المطالبات الحثيثة من بعض الأندية بتعديل القاعدة، خاصة تلك التي لا تلقى أسهمها الـ49 رواجاً وإقبالاً من قبل المستثمرين، قد يلجأ الاتحاد الألماني لتعديل القانون، من دون الإخلال بثقافة وتقاليد الكرة الألمانية. القاعدة كانت ضرورية على مدار السنوات الماضية، غير أنها باتت اليوم عبئاً على العديد من الأندية. يظهر ذلك من خلال انعدام المنافسة المحلية، إضافةً إلى فشل الأندية الألمانية على الصعيد الأوروبي في السنوات القريبة الماضية.
قاعدة النفس الطويل
المعروف عن الكرة الألمانية نجاحها، ونفسها الطويل. الأندية الألمانية كما المنتخب تضع استراتيجيات طويلة المدى، ولذلك فإن أي تعديل على قواعد الدوري والأندية الحالية، يجب أن تكون مدروسة بعناية. العارفون بالكرة الألمانية يؤكدون أنه ليس من المتوقع ابداً أن تتحول الكرة الألمانية إلى ما يشبه الكرة الإنكليزية، من حيث البذخ الهائل على كل شيء، إضافة إلى الرواتب والأجور الضخمة. ألمانيا تهتم بجودة المنتج أكثر من البذخ على التسويق، ولذلك فهي معروفة بالنوعية الممتازة، وهذا الأمر يمتد إلى كرة القدم، حيث تعتبر العديد من الأندية مدارس كروية تخرّج اللاعبين أكثر منها أندية تعتمد على الشراء.
أي تعديل لقاعدة «50+1» لن يكون على حساب الأندية ولن يسمح للمستثمرين بتغيير شكل الدوري كما حصل في فرنسا وإنكلترا.
الاخبار