مجلة وفاء wafaamagazine
وجد عبد الفتاح السيسي ونظامه شمّاعة جديدة ليُعلّقا عليها أخطاء السنوات الأخيرة، والتي أدّت إلى زيادة نسبة الفقر وانحدار الطبقة المتوسّطة. هكذا، بدأت السلطات حملة واسعة النطاق للتشجيع على تنظيم النسل، بدعوى أن الزيادة السكّانية، غير المتناسبة مع النموّ الاقتصادي، تلتهم كلّ العائدات
القاهرة | مع تزايد التململ الداخلي نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وتراجع قدرتهم الشرائية، وانخفاض قيمة رواتبهم، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الرسوم بصورة غير منطقية على جميع الخدمات الحكومية والخاصة، يلجأ النظام المصري إلى تبرير ما يحدث، حصراً، بـ«الزيادة السكّانية»، المشكلة التي طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي تسليط الضوء عليها. بدأ السيسي الحديث عن هذه القضية في جولة ميدانية الأسبوع الماضي، لكنه عمد مع أجهزة مخابراته إلى تصوير المشكلة وكأنها ما يلتهم عائدات الاقتصاد المصري كلّها وليس أيّ شيء آخر، على اعتبار أن الزيادة السكّانية لا تتناسب مع معدّلات النموّ الاقتصادي، بحسب ادعائهم.
في الحملة الجديدة، ثمّة مطالبة بأن يكون النموّ في السكّان 400 ألف سنوياً فقط مقابل أكثر من مليونين حالياً، وهو رقم ليس من الصعب الوصول إليه فحسب، بل فيه إجحاف كبير بحقوق المواطنين من منظور اقتصادي، إذ يُفترض أن تكون معدّلات النمو الاقتصادي ثلاثة أضعاف السكّاني حتى يكون هناك مردود على المواطنين. وبما أن عدد السكّان في «المحروسة» يصل إلى نحو مئة مليون، ونسبة النمو المطلوبة هي 0.4%، فعلى الحكومة أن تصل إلى نموّ اقتصادي بنسبة 1.2% تقريباً، وهو رقم أعلى مما تُحقّقه بالفعل، وأعلى مما كانت تستهدفه قبل جائحة «كورونا»، ما يعني أن زيادة المليونين سنوياً لم تكن عقبة كبيرة كما يحاول النظام تصويرها اليوم.
يقارن السيسي ونظامه بين الزيادة السكّانية خلال السنوات السبعين الأخيرة وبين مثيلاتها في الدول الأوروبية، داعياً الأسر إلى الاكتفاء بطفلين فقط، وسط تحرُّكات غير رسمية لرفع الدعم عن الأسر التي تنجب أكثر من طفلين في المستقبل القريب، خاصة التي تحصل على دعم بالفعل من الدولة لتحسين ظروفها. هكذا، يريد النظام مقارنة الزيادة السكّانية بالأرقام العالمية، بعدما حقّقت الدولة معدّل نموّ في الزيادة السكّانية يُقدَّر بـ2.6% سنوياً، وهو أعلى من المعدّل العالمي المُقدَّر بـ1.2%، لكنه يتجاهل الجوانب الإيجابية في هذه الزيادة التي يمكن توظيفها لإخراج أفضل ما لدى الشباب في الأعمال والمشاريع التي يُدشّنها، مكتفياً بالتركيز على الجانب السلبي في ما يتعلّق بإجبار الدولة على ضخّ مزيد من الأموال في الخدمات التي تقدّمها والإنفاق على الصحة العامة.
أجبرت الأجهزة الأمنية الإعلام وخطباء المساجد على المشاركة في حملتها
في الوقت نفسه، يبرّئ نظام السيسي المسؤولين، بل ويدافع بأن الدولة التي تُوفّر الرعاية الصحّية تَسبّبت في إطالة متوسّط الأعمار، وسعت إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية واحتواء أطفال الشوارع، ولم يعُد ينقص إلّا الاكتفاء بطفلين لكلّ أسرة بما سيرفع مستوى الدخل الحقيقي للأفراد مع تحسين الخدمات الحكومية. واللافت أنه في الأجندة التي وزّعتها الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام، وُصفت الزيادة السكّانية بأنها «أمن قومي»، وأنها القضية الرئيسة التي تجب معالجتها، وأن تكون ضمن الأولويات المقبلة، مع إبراز أبعاد المشكلة ليس في البرامج والحملات فقط، وإنما في الأعمال الدرامية أيضاً.
هذه المرّة، لم تكن الحملة السياسية مقتصرة على توجيه وسائل الإعلام للمواطنين كما يحدث عادة في الحملات السابقة، بل امتدّت إلى رجال الدين في دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، والذين طُلبت منهم فتاوى تتضمّن التشديد على الاكتفاء بطفلين، والطمأنة إلى أنه لا مشكلة دينية في تحديد النسل، فضلاً عن أهمية المتابعة الصحّية باستمرار للالتزام بتحديد النسل الذي يضمن للأسرة حياة أفضل، مع الاستشهاد بآيات من القرآن وأحاديث نبوية. ووصل الأمر إلى حدّ تضمين خطب الجمعة تلك الفتاوى، علماً أن بعض الأئمة في المساجد الصغيرة قالوا للمصلّين إن مضمون الخطبة لا يعبّر عما يقوله الدين لكنهم ملزَمون بترديده على المنبر وشرح عكسه لاحقاً! ومن المتوقّع أن يتوسّع النظام في هذه الحملة على جميع المستويات، من أجل تبرير إخفاق الدولة في توفير الحياة الكريمة التي يتحدّث عنها السيسي، ولا سيما مع زيادة نسبة الفقر، وانحدار الطبقة المتوسّطة لتكون ضمن الأسر الفقيرة التي تكتفي بقوت يومها، بسبب ظروف المعيشة التي دفعت الأسعار إلى قفزات لم تتراجع حتى مع تسجيل معدّلات تضخُّم منخفضة في الأشهر الأخيرة.
الاخبار