مجلة وفاء wafaamagazine
وجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، رسالة الجمعة، اعتبر فيها أننا “نعيش أزمة بلد كامل وانهيارا أشبه بمجاعة كبرى، لذلك يجب علينا التعاون والتضامن والعطاء وتنسيق كافة أشكال التكافل على طريقة ذوي القربى والجار ليقوم كل بمن حوله كشرط وخيار لمن يريد ملاقاة الله بأكبر وأشهر رحماته العظمى. والأمر ليس حكرا على شهر رمضان، بل يجب أن يكون في كافة أيام السنة، خاصة في ظل هذه الأزمة التي تطال صميم جوعانا وموجوعينا ومعيشتنا. نعم، لا عذر في الدنيا والآخرة لقادر توقف عن عون أخيه، وفي الخبر النبوي الشهير: “إن الله فرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم”. وهذا الحديث دليل رباني وشرط إلهي لمن يريد الله ويحتاج طمأنينة ربه يوم نزلة قبره وجواز صراطه”.
وأضاف: “إتقوا الله وبادروا، فإن البلد بأسوأ بلاءاته وحالاته. والناس تتلظى من الفقر والخنق والحصار والنهب، الذي تسببت به طبقات سياسية ومالية عبر عشرات السنين والآن الناس تدفع ثمن نهب البلد من جوعها ووجعها وانهيار أولوياتها وبيع أصولها بطريقة لم يسبق لها مثيل سوى زمن المجاعة الكبرى. والآتي أعظم إن لم تتدارك الطبقات السياسية أزمة الفراغ السياسي الأخطر الذي يضرب البلد ويدفع به نحو قعر جهنم. المشهد الآن كارثي وسط انهيارات شاملة، مالية، تربوية، اجتماعية، مهنية، سياسية، وتحت ضغط حصار دولي وإقليمي طاب له خنق البلد وناسه. فيما الفساد السياسي والمالي والتجاري يأكل بقية ما تبقى من مشروع الدولة، والأنكى من هذا وذاك أن هناك من يصر على لعبة القمار وكأننا في كازينو مغامرات افتراضية، في الوقت الذي أضحت الحاجة ماسة لحكومة ظروف استثنائية لأننا في قلب عاصفة استثنائية. فكفاكم وقاحة ونكدا وتحديات يا أهل السياسة، فالحل لا يكون إلا بحكومة إنقاذ مشترك لعيش مشترك، ولسلم أهلي مشترك بات مهددا في كل لحظة وموقف وخطاب، ومشروع دولة تتهاوى عليه الخناجر المهووسة بالأوهام والأحلام، بعدما حوله من أدار المال العام إلى مزرعة صفقات وسمسرات، وكشف الدولة على إفلاس لا سابق له، الأمر الذي جعل اللبنانيين يعيشون الفقر والبطالة وانهيار وظيفة الدولة، وما تداعى عنها من بؤس وجريمة ومجاعة وحصار وموت، دون مغيث من سلطة أو مجتمع أهلي أو عون دولي، كما أن رفع الدعم الذي حذرنا منه مرارا وتكرارا يهدد أكثر اللبنانيين ويأخذهم من مصيبة إلى مصيبة أكبر، ومن كارثة إلى كارثة أعظم، ومن طاعون إلى طاعون، ومن فشل سياسي سيء إلى أفشل وأسوأ، كل ذلك دون تحديد مسؤوليات، وسط فجيعة قضائية مخجلة للغاية لدرجة أن طلاب لبنان في الخارج يتم نحرهم جهرا عبر سياسات حاكم المصرف المركزي وكارتيلات المصارف وعلى عين الطبقة السياسية وبرضاها، لأن البلد هو فعلا مزرعة. كذلك احتكار الأسواق والأرزاق والحاجات الرئيسية لعيش الناس يجري على طريقة التاجر الفاجر، والشاطر شاطر بنهب الناس، حتى أضحى البلد وسط مصير مشكوك، وأنانية سياسية لا تخجل ولا تستحي ولا تخفض رأسها أمام جنائز الجوع ودموع البائسين”.
وأشار إلى أنه “يمكن التضحية بأشياء كثيرة، إلا السلم الأهلي والعيش المشترك، ومشروع الدولة الجامع، دولة المواطن، دولة السياسة في خدمة المجتمع لا دولة المجتمع في خدمة السياسة، هذه ثوابت وأساسيات والتفريط بها يعني نهاية لبنان، ما يعني أن الواجب الوطني يفرض على الجميع ساسة ومواطنين حماية الشراكة الإسلامية المسيحية وإخراجها من بازار السياسة والمتاجرة، وبالخصوص من بازار الطموحات الرئاسية والمشاريع الانتخابية، فالتجارب علمتنا وأكدت أن أكبر خطر يتهدد الشراكة الإسلامية المسيحية يبدأ ويمر وينتهي بالأنانية السياسية والمشاريع الانتخابية والخصومات الضيقة”.
وأمل قبلان “أن يحمي الله لبنان من الآتي، ويمكننا من مشروع دولة مواطنة ورحمة إنسان، من خلال تأليف حكومة ترتكز على جهود المخلصين سيما مبادرة الرئيس بري التي توازن وتساوي بين الجميع، وتضمن المشاركة، وتؤمن الحد الأدنى من الثقة داخليا وخارجيا، وتكون قادرة على فتح كوة في جدار هذه النكبة الوطنية، التي إذا لم تتضافر الجهود وتتلاقى الأهداف وتتشارك المسؤوليات في وقف التعطيل والبدء بمحاسبات حقيقية وإصلاح جذري في هيكلية الدولة وبنيتها السياسية والإدارية فلن يكون هناك أي أمل في العبور إلى دولة الأمن الوطني والأمان الاجتماعي”.