مجلة وفاء wafaamagazine
لم يتنبّه كثيرون الى جملة المعطيات التي سبقت صدور البيان الرئاسي أمس الأول وأعقَبته للتذكير بالأصول الدستورية لتشكيل الحكومة. فعدد منها قد فاتتهم، ولا بد من إلقاء الضوء على بعض ما بقي مخفياً. وتحديداً عند الحديث عمّا نَواه رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، ليشعلا غضب رئيس الجمهورية ودفعه الى رفض كل الوساطات. فما الذي حصل؟
كتب جورج شاهين في الجمهورية
راهن اللبنانيون ومعهم مجموعة من المراقبين السياسيين والديبلوماسيين على ما ستنتهي إليه مبادرة بري بعد التمنّي عليه بالقيام بشيء ما، إثر فشل كل الوساطات الداخلية والخارجية. فقد اعتبر الرجل عند مناشدته التدخل، أنه في الموقع الوسطي بامتياز رغم ملاحظات فريق رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» التي بقيت مطوية كالجمر تحت الرماد لبعض الوقت. فهو الذي يجمَع بعلاقاته المميزة الخصوم والحلفاء بتَمايز ملحوظ عن حلفاء الحلفاء.
وكما في الداخل، كذلك في الخارج، فقد استقطبت عين التينة معظم الحركة الديبلوماسية والسياسية المعلن عنها وتلك الجارية في الكواليس. وتعدد حضور الناشطين اليها من أركان السلك الديبلوماسي والأصدقاء المشتركين لأطراف النزاع، الى درجة نمي فيها الى البعض بوجود وسطاء مخفيين أدّوا أدواراً بالغة الدقة الى جانب إحياء عمل الوفد الثلاثي الممثل لـ»الثنائي الشيعي» علي حسن خليل وحسين الخليل ووفيق صفا سعياً وراء البحث عن نقاط مشتركة تأسيساً على مطالب رئيس «التيار الوطني الحر» وطريقة معالجتها.
وعليه، فإنّ ما كان منتظراً من مسلسل اللقاءات المكثفة في اللقلوق والبياضة وبعبدا تزامناً مع الخطوط المفتوحة بين «عين التينة» و»بيت الوسط» لم يؤدِ الى اي نتيجة ايجابية. لا بل فقد تسبّب بشرخ جديد بين عين التينة والبياضة لم يتمكن احد من إخفائه في الفترة الاخيرة. فالى التصريحات الملغومة التي صدرت عن مسؤولي التيار وتغريدات باسيل عن دور المجلس النيابي في مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية تنامى الحديث عن مُثالثة مرفوضة من خلال صيغة الـ «8+8+8» المطروحة، وهو ما أدى الى نسف كل ما تحقق سابقاً. ولذلك، فقد باتت زيارات الخليل للحريري قليلة بعد نضوب المقترحات، الى ان توصّل بري الى مخرج بادَر إلى طرحه قبَيل عطلة نهاية الاسبوع فنال موافقات أطراف مؤثرة عدة، وبقيَ ان يحصل على جواب نهائي تولّى ممثلو «حزب الله» تأمينه من البياضة او قصر بعبدا.
كانت الاتصالات السرية قد دخلت مدار النصف الثاني من الأسبوع الماضي، وتحديداً ليل الخميس – الجمعة، عندما بدأت تتظهّر المواقف من بعض ما هو مطروح، والسبب في ذلك ما كشف عن رفض بري مقترحات باسيل في شأن تسمية الوزيرين المسيحيين من خارج حصة الرئيس المكلف وإيكالها إلى أطراف عدة تتشعّب من خلالها عملية البحث لتفتح ثغرات إضافية لا تحتملها المرحلة الدقيقة التي بلغتها المبادرة. والى إصرار باسيل على تسمية 4 وزراء من ضمن حصة الوزراء الثمانية المخصّصة لرئيس الجمهورية وفريقه، وهو على رغم ذلك ليس ملزماً أن يمنح الثقة للحكومة المنتظرة.
وعند هذه النقطة بالذات، يقال انّ بري خرج قليلاً من خط الوسط بين الطرفين وانحاز الى جانب الحريري وتمنّى عليه صرف النظر عن الإعتذار الذي كان يعدّ له. وتزامنت هذه التمنيات مع انطلاق الدعوة الى الاجتماع الذي أعدّ له قبل 48 ساعة على مستوى المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى في دار الفتوى ولقاء رؤساء الحكومات السابقين في «بيت الوسط». فعَمّت الأجواء الرافضة للاعتذار رغم وجود مَن شجّع على الخطوة تاركاً مسؤولية مواجهة الازمة على رئيس الجمهورية والاكثرية التي يمكن ان تأتي برئيس مكلف جديد قيل انه النائب فيصل كرامي متقدّماً على مجموعة أخرى من الاسماء التي بقي بعضها ضمن الكواليس سعياً الى مفاجأة لم يرصدها أحد.
عند هذه الحدود، كانت حال الترقّب تنتظر رد فعل بري وخطواته التالية، فالخلاف انفجر بين باسيل وخليل وصدرت سلسلة مواقف ألقت مسؤولية التعطيل على باسيل ومن خلفه على رئيس الجمهورية. وإن بقي بعضها مكتوماً ومرصوداً في الكواليس، فقد جاء بيان المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى الاكثر وضوحاً قبل ان يتسرّب شيء من محضر لقاء الحريري ورؤساء الحكومات السابقين بعد ظهر اليوم عينه.
وكأنّ ذلك لم يكن كافياً، فجاء تسريب مداخلة الحريري في اجتماع المجلس ليزيد في الطين بلة عندما تحدث عن علاقته المميزة ببري، كاشفاً عن انه، وإن جمّد الاعتذار، فإنه لن يخطو اي خطوة الا بالتنسيق معه. ولم يكتمل المشهد إلّا عند إطلالتين لبري إحداهما في «الجمهورية» تحدث فيها عن عدم وجود اي بديل للحريري في هذه المرحلة، وانه لن يقبل باعتذاره. والثانية عندما قال في وضوح انّ التشكيلة الحكومية لا تمر من دون موافقة كل من «حزب الله» و»المردة» و»الاشتراكي» والمجلس الاسلامي الشرعي الاعلى ورؤساء الحكومات السابقين.
لم تقف عملية الرصد الجارية في بعبدا لمسار التشكيل ومواقف بري المستجدة تحديداً عند هذا الحد لو انّ بري أشار الى ضرورة موافقة رئيس الجمهورية، فهو، في رأي احد المراقبين، من أركان العهد عندما قال ساخراً: «كاد بري ان يطلب موافقة كتلة نواب الكتائب المستقيلين وزملائهم الذين اتخذوا الخطوة عينها ولم يسمّ رئيس الجمهورية وباسيل طالباً موافقتهما».
عند هذه المعطيات خرج الجمر من تحت الرماد الى السطح يوم الاثنين، عندما ترددت معلومات عن لقاء مرتقَب بين بري والحريري لمناقشة مخرج أعدّه رئيس المجلس النيابي ونال موافقة مَن سمّاهم جميعاً ما عدا بعبدا، وان انتهى الى موافقة الحريري سيطلب موعداً بعد ظهر الثلاثاء لتقديم تشكيلة مطلوبة منه الى الرئيس عون.
وفي هذه الاثناء تناهَت الى مسامع بعبدا عناوين ما انتهت اليه مبادرة بري، وقيل انه تبنّى طرح الحريري الذي عاد اليه في الايام الاخيرة عندما تعالت شروط عون وباسيل وهو يقول بـ»إحياء تشكيلة 9 كانون الأول الماضي مُضافاً اليها أسماء 6 وزراء إضافيين مع الاستعداد الكامل لإعادة النظر في الحقائب وتوزيعها».
عند هذه الحدود «كان السيل قد بلغ الزبى» لدى عون، فكان بيانه الشهير الذي شَن فيه أعنف الهجمات، ليس على بري فحسب، إنما على كل من تعاطى بالتشكيلة وسيطاً كان أو مشجعاً او ناصحاً، فطاولَ الجميع بمَن فيهم حلفاؤه في «حزب الله»، ولم يَستثن سوى باسيل الذي سبق تدخّله في كل التفاصيل في المبادرات الأخرى فبقي خارج الملاحظة الرئاسية.
وبناء على كل ما تقدّم، لا بد من الإشارة الى أنه وبعد رد بري الناري أمس سيبقى على اللبنانيين انتظار مواقف القوى الأخرى بمَن فيهم «حزب الله» الذي طاولته شظايا البيان. والى تلك اللحظة ما على اللبنانيين سوى رصد التحركات لحظة بلحظة لمعرفة وجهة الريح الحكومية، وإن كان لبنان سينجو من تصرفات مسؤوليه.